الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تَرتكزُ عملية تحريك رأس المال في الشركة المساهمة على إمكانيات المدراء وقدراتهم الإبداعية، ومن هنا تسعى إدارة الشركة إلى تنفيذ منهج التحفيز في إطار من التوازن بين منح مكافأةٍ على شكل قيمةٍ إضافيةٍ تُزادُ على الأجر من جهة، وبين التوازن المالي للشركة في ظلِّ نشوء نفقاتٍ جديدةٍ تحت مُسمَّى المكافآت من جهة أخرى.
حيث تلعب المكافآت دوراً حاسماً في استخراج الطاقات الإنسانية، لكن بشرط أن يتمَّ تطبيقها ضمن منهج التحفيز؛ أي تقديم مكافأة نظير حسن الأداء وتطوُّر الشركة.
أمَّا إذا اختلَّ هذا المنهج نتيجة ضعف أوامر الصرف في الشركة أو الفساد والمحسوبيات، فإنَّا سنكون أمام احتمالين:
• أن يكون المدراء غير مُبالِينَ بجودة المُنتَجِ أو الخدمة؛ نظراً لضعف التحفيز نظير تفانيهم أو إبداعهم في العمل، وهكذا سيقبض المدراء أجرهم المقطوع بغضِّ النظر عن أيَّة مبادرةٍ إيجابيةٍ منهم.
• أن يقوم المدراء بالتزامهم التقليدي ضمن عقد العمل دون أيَّة مبادرةٍ أو إبداعٍ، ورغم ذلك تقوم الشركة بتوزيع مكافآت دون الاستناد على أداء الإدارة، أو تقوم بتوزيع مكافآتٍ دوريةٍ لهم، فهنا سيتراخى الجميع كونهم مُطمئنِّين لقبضهم المكافآت مهما كانت جودة العمل الذي يقدمونه.
هذا الاختلال في منهج التحفير لدى الشركة يجعل من طبقة المدراء في حالة انفصالٍ تامٍّ عن تنافسية الشركة، وحتى عن مصيرها، الأمر الذي يجب تصنيفه ضمن عيوب الحوكمة في الشركة.
وعلى الرغم من الأهمية الجوهرية لمنهج التحفير بالمكافآت، فإنَّ نظام الشركات الحالي لم ينصَّ على تنظيم عمل لجنة لمكافآت في الشركة تلك التي تكون مسؤولةً عن تطبيق هذا المنهج، ابتداءً من مكافآت مجلس الإدارة حتى أصغر عامل في الشركة، وتمَّ الاكتفاء ببعض الأحكام المُتفرِّقة لمكافآت المجلس، ثم لم يأتِ مشروع نظام الشركات الجديد بتنظيم صريحٍ لهذه اللجنة، وإن كان قد ربط بين صرف المكافأة وبين أداء العضو المُستَحِقِّ للمكافأة وتحسُّن أداء الشركة (م/81-2 مشروع نظام الشركات).
وقد ترك نظام الشركات مهمَّة التنظيم الصريح للجنة المكافآت لهيئة السوق المالية بخصوص شركات المساهمة المدرجة في سوق المال -أو لوزارة التجارة بخصوص الشركات غير المدرجة-، تحت مسمَّى لائحة حوكمة الشركات.
وقد نصَّت هذه اللائحة على (م/60-أ): ضرورة تشكيل لجنة المكافآت من ضمن أعضاء مجلس الإدارة غير التنفيذيِّين أي من الأعضاء الذين لا يُمارسون عملاً إدارياً يخصُّ إدارة نشاط الشركة (م/1)، حرصاً على تعارض المصالح؛ حيث يُخشى من منح المكافآت الوهمية للتنفيذيين، كما يجب أن يكون من بين أعضائها عضواً مستقلاًّ لا تناله عوارض الاستقلال (م/1) مثل ملكية نسبة 5% من رأسمال الشركة أو غيرها من العوارض (م/20-ج)، بغرض ضمان النزاهة والشفافية.
وبعد تشكيل لجنة المكافآت، تقوم الجمعية العامة للمساهمين بإصدار نظام هذه اللجنة (م/60-ب من نفس اللائحة)؛ ذلك حرصاً على أموال الشركة من تبديدها عبر مكافآت في غير محلِّها.
ولكن تكمن المشكلة في كيفيَّة ضمان حسن تطبيق نظام المكافآت في الشركة، ذلك ضمن معيار الكفاءة وتحسُّن أداء الشركة، وليس في إطار المجاملات أو الفساد الإداري.
في هذا الإطار نصَّت لائحة حوكمة الشركات على ضمانة مفادها إفصاح مجلس الإدارة عن المكافآت المصروفة لأعضاء المجلس والإدارة التنفيذية بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ عبر أسلوبٍ شفَّافٍ دون أيِّ تضليلٍ (م/93-2).
لكن الواقع يقول بأنَّ هذه الضمانة هي ضمانةٌ نظريةٌ بحتةٌ؛ حيث إنَّ الجهة الملتزمة بالإفصاح عن المكافآت المصروفة هي ذاتها الجهة التي تتلقَّى هذه المكافآت، كما أنَّ طرق التضليل من الصعب اكتشافها، ولذلك فإنَّ مجلس إدارة الشركة يبقى قادراً على الاستيلاء على سيولة الشركة عبر المكافآت الوهمية، خاصةً إن استشعر المجلس انهيار ميزانية الشركة، أو بالعكس إن تقدَّم مُستحوذٌ يسعى للسيطرة على إدارتها، ففي هاتَيْن الحالتَيْن لا يوجد ضمانٌ نظاميٌّ لنزاهة المجلس.
نرجع هنا لمعايير الحوكمة الصادرة عن مجموعة العشرين لعام 2015، فهي لم تكتفِ بفرض الإلزام بالإفصاح عن المكافآت المصروفة، بل أيضاً فرضت هذه المعايير ضرورة الكشف عن الصلة بين المكافأة وأداء الشركة”… remuneration and company performance are linked” (المادة II-4، صـ22)، وذلك بكلِّ وضوحٍ ضماناً لأحقية المكافأة.
وقد ذهبت هذه المعايير العالمية أبعدَ من ذلك، حيث اقترحت معياراً لقياس مشاعر المساهمين من حيث قوة إحساسهم باستحقاق العضو للمكافئة، حيث يجب قياس عدد مرَّات التصويت غير الملزم على مكافآت المدراء بالخصوص ضمن ما يُسمَّى بآلية “الرأي الخاص بالدفع” “Say-on-Pay” (نفس المادة).
وجذبت هذه المعايير الانتباه إلى المكافآت من الأسهم ونتيجتها من حيث انخفاض رأس مال الشركة، حيث أكَّدت على ضرورة موافقة المساهمين على هذا الأمر بشكل لا يقبل الشكَّ (نفس المادة)، الأمر الذي يُوحي بضرورة صدور قرار مثل هذه المكافآت مشروطاً بنسبة حضورٍ معينةٍ من المساهمين في الجمعية العامة وبنسبة تصويتٍ مُحدَّدةٍ أيضاً.
هنا يجب ضمان درجةٍ أعلى من الشفافية لظروف منح المكافأة من جهة، واحترام أصوات المساهمين بخصوص توزيع المكافآت بشكلٍ أعلى من حالات التصويت التقليدية من جهة أخرى.
فلا بدَّ –برأينا- أن يكون تصويت الجمعية العامة العادية على قرارات لجنة المكافآت مبنيٌّ على ما يلي:
ضرورة حضور نصف مجموع المساهمين في اجتماع إقرار المكافآت النقدية، وحضور 3/2 من المساهمين في حالة إقرار توزيع الأسهم على شكل مكافآت (وهذا يتطلَّب تعديل م/93-1 من نظام الشركات بخصوص الجمعية العامة العادية).
شرح سيرة العضو المُرشَّح للمكافأة.
عرض تقرير محاسبي علمي لتقييم أداء الشركة، بما يُوضِّح الرابط بين المكافأة ونجاح الشركة.
عدم توزيع الأسهم على شكل مكافأةٍ في حال وجود أزمةٍ في سوق المال أو مرور الشركة بعدم توازن في السعر السوقي للسهم، ولهذا يجب تقديم تقريرٍ محاسبيٍّ يُوضِّح استقرار سعر السهم في السوق قبل اقتراح توزيع الأسهم كمكافأةٍ.
أن يصدر قرار توزيع المكافأة بتصويت الأغلبية المطلقة للمساهمين في حالة المكافآت النقدية، وبأغلبية الثُّلثَيْن في حالة توزيع الأسهم كمكافأةٍ.
وفي النهاية، لا يقتصر منهج التحفيز في حوكمة الشركات على فكرة المكافأة فقط، بل إنَّه –وبشكل غير مباشرٍ- يرتبط بمعنى الجزاء الإداري؛ حتى يكون لدى الإدارة إحساسٌ بوجود سلطةٍ تفرض العقاب عليهم، ممَّا سيدفعهم للمزيد من الالتزام، وهو ما سنراه في مقالي القادم إن شاء الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال