الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عند الحديث عن سوق العمل السعودي وما يعانيه من تشوهات، فإنه لابد من بحث أصل وسبب هذه التشوهات والاختلالات التي حدثت في السوق والتطرق لها، وذلك يعود بسبب حاجة المملكة في بدايات السبعينيات الميلادية مع بداية الطفرة النفطية وانطلاقة التنمية الكبيرة في البلد والتوسع في بناء المشاريع والبنى التحتية وكذلك نمو الاقتصاد وارتفاع مستوى معيشة المواطنين.
مُنذ ذلك الوقت تم استقدام الاف وملايين العمالة الوافدة لسد نقص سوق العمل في ذلك الوقت واستمر الوضع مع نمو الاقتصاد والتوسع في المشاريع والنمو السكاني مما تسبب في وجود هذه الاعداد الكبيرة واعتماد كثير من المنشآت عليها.
في كثير من دول العالم يوجد تنظيمات تتيح استقدام الاجانب للعمل في قطاعاتها الاقتصادية، وتتفاوت التنظيمات من بلد لآخر من حيث الشروط والرقابة وتحديد نوعية وطبيعة الوظائف.
يعتبر نظام الكفالة وهو النظام الذي مر على صدوره أكثر من 70 سنه حيث دشن في عام 1371هـ ، هو الإطار الذي يحكم وينظم العلاقة بين الوافد وصاحب العمل منذ الاستقدام وقدومه للمملكة وأثناء تواجده إلى مغادرته النهائية للبلاد.
وكان لنظام الكفالة تأثيرات على تركيبة سوق العمل من حد حرية انتقال العاملين بين المنشآت، السفر، الاستقالة وعدم المساواة بين المواطنين والوافدين في سوق العمل.
وفي ظل سلسلة الإصلاحات الاقتصادية التي تحدث في البلاد مع انطلاق رؤية 2030، كان لابد من أخذ زمام المبادرة والبدء بإصلاح التشوهات الحاصلة في سوق العمل بسبب تراكمات 40 سنة وأكثر، واعتقد أنه حان الوقت للبدء في إحداث تغييرات هيكلية لإصلاح السوق وتشوهاته والتهيئة لاستقطاب الملايين من الشباب والشابات السعوديين لسوق العمل لاسيما أنه في كل عام هناك نمو في أعداد طالبي العمل من المواطنين ولابد للدولة من التحرك واستباق الارتفاعات الكبيرة في معدلات البطالة في حال استمرار الأوضاع بدون تغيير .
مع بداية استقدام العمالة الوافدة كان في الأساس حاجتهم للعمل في البناء والمقاولات والورش والصناعة وأعمال الصيانة والنظافة وغيرها، ولكن مع معرفة بعض هؤلاء الوافدين بالسوق وثقافة البلد ووجود بعض ضعفاء النفوس من المواطنين فقد تم تمكين بعضهم من ممارسة الاعمال بأسماء سعوديين بينما الدخل وإدارة هذه الاعمال للوافد ويعطى السعودي مبلغ زهيد مع تحمله لكل الالتزامات الناتجة عن ممارسة هذا العمل وأصبحت قضية التستر التجاري أحد أهم التشوهات في سوق العمل والاقتصاد ونزيف مالي للاقتصاد الوطني وقد قدرت وزارة التجارة حجم التستر التجاري بقيمة 400 مليار ريال.
منذ فترات متفرقة كان هناك بعض المطالبات بإلغاء نظام الكفالة والاكتفاء بالعلاقة التعاقدية بين صاحب العمل والموظف او العامل الوافد، وقد بدأت وزارة العمل وغيرت قبل 8 سنوات او أكثر اللائحة الخاصة بـ “نقل الكفالة” إلى لائحة “نقل الخدمات” وكذلك منح الوافدين حرية التنقل، عدم احتجاز الوثائق وذلك لاعطاء الوافدين حرية في التنقل وعدم احتجاز وثائقهم من بعض ضعاف النفوس وكانت هذه الاجراءت لاعطائهم مزيد من الحرية داخل البلد والحد من الانتقادات من المؤسسات والمنظمات الدولية.
لا أعتقد بإن إلغاء نظام الكفيل يعني أن يأتي الوافد من الخارج إلى المملكة للبحث عن عمل في الداخل فهذا ليس منطقي ولايوجد حتى في أسواق العمل العالمية، إنما المقصود بإلغاء نظام الكفالة هو قصر العلاقة التعاقدية بين صاحب العمل والوافد على عقد عمل محدد المدة يحدد حقوق وواجبات الطرفين وحرية التنقل والخروج والعودة والاستقدام للمرافقين وفتح حساب بنكي دون اشتراط موافقة صاحب العمل وعند انتهاء العقد إما تجديد العقد برضى الطرفين او بإمكان الوافد التعاقد مع صاحب عمل أخر و إذا لم يجدد مع صاحب العمل الاول ولم يجد عقّد جديد فإن له مهلة محددة وبعدها يجب عليه مغادرة البلاد او يصبح مخالف لنظام الاقامة في البلد.
طبعاً في أي تغيير او صدور قرارات جديدة هناك بعض النواحي الايجابية والسلبية، لذلك سأذكر بعض الايجابيات وهي:
-يكون سوق العمل خاضع لقانون الطلب والعرض
– تحرير سوق العمل وحرية الانتقال بين المؤسسات أو الشركات للموظفين الاجانب وتفادي الانتقادات الموجهة من قبل المنظمات الدولية والحقوقية للمملكة
– تحرير السوق يقود إلى تقليل فجوة الاجور بين المواطنين والوافدين خصوصاً في الوظائف القيادية والعليا مما يساعد في توطين المزيد من هذه الوظائف
– توفير قنوات إضافية لتوظيف الوافدين من الداخل بدّل الاستقدام
– الحد من بعض الممارسات السلبية لحقوق العمالة الوافدة
– الحد من وجود العمالة السائبة
أما اهم السلبيات في حال تم إلغاء نظام الكفالة فأرى انها تتلخص في، زيادة أجور الوافدين ذوي الكفاءة العالية بسبب حرية انتقالهم مما يزيد من تكاليف الشركات الوطنية.
وهنا أود أن أذكر بعض المقترحات والتوصيات قبل الشروع في الغاء نظام الكفالة وهي:
– أخذ رأي العموم من المختصين واصحاب الاعمال والوافدين وسماع أرائهم ومقترحاتهم من قبل اصحاب القرار واستشاري الجهات المسؤولة عن سن الانظمة الجديدة لكي يكون تطبيق القرارات الجديدة بإقل الاضرار
– يكون التطبيق تدريجي ولمهن محددة
– عقّد مذكرات تفاهم مع الدول التي يأتي منها أغلب العمالة الوافدة لضبط حقوق أصحاب الاعمال عند مغادرة أي وافد وفي ذمته شي لصاحب العمل أو أن يكون هناك مخالصة إبراء ذمة خصوصاً لبعض المهن المهمة
– يكون عقّد العمل واضح المدة وتطبيق الشروط الجزائية وكذلك الالتزام بصرامة بشرط حفظ سرية الاعمال وعدم العمل لدى المنافسين لمدة معينة والا يتعرض الوافد للعقاب بالابعاد
– وجود سجّل عمل لكل وافد يوضح مكان عمله
– وضع اعتبار للمواليد بالمملكة عند انتهاء عقودهم مع أصحاب الاعمال أن يكون لهم فترة أطول في إيجاد عقّد عمل جديد او أي ترتيب أخر.
وفي الختام أتمنى الخروج بنظام يضمن حقوق العمالة الوافدة دون الاضرار بصاحب العمل والغاء القيود التي كانت تؤثر على ترتيب المملكة في التقارير الدولية وكذلك خلق سوق عمل صحي ومنافس للمواطن السعودي لحصولة على فرص عمل بسهولة ويكون سوق العمل السعودي متحرر وذو كفاءة عالية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال