الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تناولت وسائل الإعلام الدولية موضوع الترشيحات لرئاسة منظمة التجارة العالمية (WTO) بكثير من الحماس بسبب وصول خمس مرشحين من ضمن ثمانية إلى المرحلة الأخيرة في التنافس على قيادتها، بعد أن باتت المنظمة في وضع مزري بسبب تأثير عدة ملفات تنامت خطورتها على استمراريتها، يأتي على رأس هذه الملفات موقف الولايات المتحدة منها بسبب الموقف غير المتوازن للمنظمة تجاه ممارسات الصين التى أذكت ما يطلق عليه حربا اقتصادية على المستوى الدولي، ناهيك عن توقف الهيئة الاستئنافية التابعة لإدارة فض المنازعات فى المنظمة.
والسؤال المهم هنا: ماذا ينتظر مدير المنظمة الجديد من تحديات؟
منظمة التجارة العالمية هي حجر الزاوية في نظام التجارة العالمي متعدد الأطراف، ومهمتها تكمن في خلق بيئة تفاوضية أكثر وضوحا واستقرارا لتحرير التجارة من قيود القواعد التقليدية، ووضع أطر أكثر الزاما لحل النزاعات بين أعضائها بما يضمن حماية أوجه السلم والامن الدوليين.
ولكن التحدي بشكل عام هو أن كل هذه المهمات الضرورية – التى أنشئت المنظمة من أجلها – تحتاج إلى إعادة تأهيل لغرض إصلاح المنظمة ككل وإخراجها من حالة الهمود التي تعيشه اليوم.
فعلى سبيل المثال، أزمة هيئة الاستئناف التابعة للمنظمة ونظام تسوية المنازعات – التي تم تعليقها أواخر عام 2019 بسبب منع الولايات المتحدة للتعيينات – تعتبر المشكلة المفصلية التى ستقابل المدير الجديد والتى لم يستطع المدير السابق للمنظمة الدولية إيجاد مخرج لها فقدم استقالته قبل نهاية ولايته بسنة كاملة، فقد رفضت الإدارة الأمريكية تعيينات أو مد ولاية قضاة الهيئة الاستئنافية الذين تقلص عددهم من سبع قضاة إلى أقل من ثلاثة وهو أقل عدد تكتمل به قانونية الاحكام الصادرة، بل ورفضت كل مبادرات الإتحاد الأوربي لحلول تجنب المنظمة مستقبلا الوقوع في هذه الأزمة.
أيضا، فى الوقت الذى تعانى فيه المنظمة من ضعف العمل التفاوضي وتراجع في الأداء والقدرات لبيروقراطية أدائها المؤسسي، تحتاج منظمة التجارة العالمية تغيرا جذريا يتطلب إعادة النظر في اساليبها وتقوية قدراتها وإعادة إنعاش لكوادرها و كفاءاتها خاصة مع ظهور التجارة الالكترونية والكيانات الاقتصادية العالمية، وتأثير الأزمات الطارئة مثل جائحة فيروس كورونا المستجد على حجم وطبيعة التجارة العالمية وكيفية التغلب عليها.
ثم نأتى الى الملف الأكثر خطورة والذى يعتبر المفتاح الحقيقى لحل معظم أزمات المنظمة والمتمثل فى محاولة إنقاذ المنظمة من الوقوع فى دائرة التسييس والضغط لصالح الدول الكبرى، وهو فك الوضع الحاد التعقيد الذى وصل إلى درجة وصفه بالحرب التجارية بين الصين من جهة، والولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الأوروبيين من جهة اخرى والذى وإن تمت تهدئته بالإتفاق بين بكين وواشنطن – من قبل – إلا انه لم يتجاوز الحبر على الورق حتى الان.
الدول ال 164 الأعضاء على اتفاق فيما بينهم – من حيث المبدأ – على الحفاظ على النظام التجاري الدولي القائم وإصلاحه بقواعد جديدة لتجارة القرن الحادي والعشرين، خاصة للولايات المتحدة وشركائها من الأوروبيين الذين قاموا على إنشائها، ولكن في ذات الوقت لا بد من إعتبار المخاوف بشأن السياسات والممارسات التجارية للصين وهو محل نزاع معقد، لذلك معالجة الخلافات الكامنة بين الشركاء التجاريين الرئيسيين مع تضمين الصين – المعتبرة اليوم أكبر دولة تجارية في العالم – في المناقشات الإيجابية الجادة مسألة أساسية.
مجمل القول، المدير الجديد للمنظمة أمامه ملفات غاية فى التعقيد والخطورة على مستقبل الاقتصاد والتجارة الدولية، خاصة مع الاعتراف بأهمية إستمرار وجود هذا الكيان على الرغم من إتجاه بعض الدول لعقد إتفاقيات مستقلة تنشئ هيئات استئنافية فيما بينهم للرجوع اليها فى حالات الضرورة لتجاوز الأزمة الإجرائية التى تواجه المنظمة، وهذا سيتطلب قائد للمنظمة يتحلى بالحكمة الشديدة وبأعصاب جراح ماهر لا تهتز يده، ليستطيع فك الحصار عن المنظمة المشلولة واعطائها قبلة الحياة من جديد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال