الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كسعوديين و بطبيعتنا لدينا حساسية بالغة تجاه الخصوصية ، لا سيما فيما يتعلق بالنساء والمال والنواحي الصحية والبوح بالهوايات والمشاعر . يبرر هذه الحساسية المفرطة سطوة العيب الإجتماعي ، وربما هواجس الخوف من العين والحسد. عندما بدأت الحركة الفنية أو الأدبية في الإنتشار غنى المغنون وكتب الشعراء بأسماء مستعارة ، وأصبحت أسماء مألوفة ومشهورة ، بعضها حصلت على التسجيل النظامي كحقوق أدبية. وعندما بدأ الناس في الإقبال على منتديات الإنترنت كتبنا بأسماء مستعارة وتتمترسنا خلف معرفات مجهولة ، حتى وإن كنا نكتب في شأن عام مطروح في مجالسنا ولقاءاتنا الطبيعية. الخصوصية في حياتنا من المقدسات والثوابت التي يحظر المساس بها حتى وإن لم تكن مبررة فهي من منظور إجتماعي حق مدني كفلته ثقافات متراكمة.
جاءت التقنية بمفاهيمها الخاصة لتتجاوز كل القيود وتلقي بظلال ثقافتها وأعرافها على ما سواها من خصوصيات وأعراف . أصبحت التطبيقات التقنية هي المحرك الأساسي لمنافع الناس وتعاملاتهم حتى فيما بينهم. ولأن حياتنا أصبحت شبه رقمية فإن بياناتنا الخاصة أصبحت متوفرة لدى كل الأجهزة الحكومية تقريبا ، الشركات الخدمية ، قطاعات الأعمال المتنوعة ، المصارف ، المستشفيات والمراكز الطبية ، البقالات المنتشرة بالأحياء السكنية ، لدى عمال المهن المختلفة ، عمال الصيانة ، المواقع الإلكترونية إلخ.
أنحسرت حدة العيب الإجتماعي وأصبح المجتمع أكثر تقبلا وإقبالا على الآخرين بهويته الطبيعية ، إلا إن هذه البيانات التي نقدمها ونتبادلها في تعاملاتنا مازات ذات خصوصية ، وبغض النظر عن إتفاقنا أو إختلافنا حول حدود الخصوصية ، فهي بالمحصلة معلومات خاصة ، وحده الشخص المعني من يحدد درجة خصوصيتها. البيانات ليست كلها معلومات عامة ، بل تمثل للشخص الجوانب المالية ، الظروف الصحية ، الحالات الإجتماعية ، الممتكلات ، شبكة التواصل والترابط الإجتماعي ، سجلات وتاريخ السفر ، ولا نبالغ لو قلنا البرنامج اليومي للشخص. كل هذه البيانات بطريقة أو بأخرى لها خصوصيتها ، سوء إستخدامها أوالإفصاح عنها أو تمريرها لأطراف أخرى قد يلحق الضرر بصاحبها ، سواء كان الضرر مباشرا أو غير مباشر.
لو تأملنا أهمية هذه البيانات الشخصية التي نقدمها طوعا وكرها في كل إتجاه لوجدنا الحماية في حدها الأدنى ، فقط محمية ببعض الإجراءات الداخلية والأخلاق المهنية التي تخضع لضمير الأشخاص وأمانتهم الذاتية. بحثت عن تشريع عام يفرض و يوفر الحماية اللازمة لبيانات الأفراد والمنظمات ولم أجد ، مع وجود بعض التشريعات الخاصة التي تحمي السرية لأغراض معينة وفي مجالات محددة ولا تمتد لكل ما نقدمه من بيانات تحت أي ظرف ولأي غرض. على سبيل المثال: التأمل في المعلومات المالية الموجودة لدى المصارف والحسابات الشخصية والتي تعتبر من أهم البيانات التي يجيب حمايتها وصونها ، لا يوجد لها تشريع ملزم ، وكل ماهو متوفر مبادئي عامة أقرب للدليل الإرشادي منها للنظام الواجب التطبيق والنفاذ.
بما أننا نعيش ثورة معلومات لأدق التفاصيل ، ومع هذا الإنفتاح الكبير على التطبيقات التقنية أصبح من الضرورة سن التشريعات اللازمة لحماية البيانات والمعلومات بعد أن باتت من ( الضرورات الخمس) لحماية الأفراد والمجتمع والمنظمات وحتى المصالح الحكومية. التشريع المأمول نظاما وتطبيقا ينبغي أن يحدد المعلومات ذات الطبيعة الخاصة ، ضوابط طلبها و تبادلها ، حدود إستعمالها ، الأشخاص المخولين بالوصول لها والتعامل معها، المسؤولية التقصيرية والعقوبات المترتبة . والأهم توفير الحماية المادية والمعنوية لها من التطفل وإساءة الإستعمال وكل ما يلحق أو قد يلحق الضرر بمقدميها. طفرة التشريعات التي تشهدها المملكة و شواهد الدفع نحو ثقافة حقوقية والتعايش وفق أطر تنظيمية تجعلنا أكثر تطلعا لتشريعات مدنية تواكب الثورة التقنية والمعلوماتية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال