الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تعتبر مسألة التقادم من أهم المسائل التي يجب العناية بها، لا سيما في حال الرغبة باللجوء إلى التقاضي، وتنبع تلك الأهمية من الأثر المترتب على التقادم، والذي يتمثل في سقوط الحق مطلقاً أو في سقوط الحق المطالبة به -بحسب الأحوال-، وبعيداً عن التفاصيل القانونية الدقيقة أتناول في هذا المقال بعض أحكام التقادم بشكل عام من خلال الأنظمة، وكذلك بيان موقف القضاء السعودي من مسألة التقادم.
في النظام السعودي لا يوجد نص عام يقرر مبدأ التقادم لجميع الوقائع، ولكن هناك عدد من الأنظمة واللوائح التي تناولت أحكام التقادم بشكل خاص، وتختلف نصوص هذه الأنظمة في تناولها لمبدأ التقادم، فبعض الأنظمة تنص على (سقوط الدعوى) بمضي المدة، كما في نظام العلامات التجارية، في حين تنص أغلب الأنظمة واللوائح والقواعد على (عدم سماع الدعوى) بمضي المدة، ومنها: نظام الأوراق التجارية، ونظام السوق المالية، نظام الشركات، ونظام المحاماة، ونظام ضريبة الدخل المعدل، ونظام الإفلاس، ونظام التسجيل العيني للعقار، ونظام الامتياز التجاري، ونظام الطيران المدني، ونظام مزاولة المهن الصحية، وكذلك: اللائحة التنفيذية لنظام ديوان المظالم، وقواعد عمل لجنة المنازعات المصرفية، وقواعد عمل لجنة الفصل في المنازعات والمخالفات التمويلية، وغيرها.
كما أننا نجد بعض الأنظمة تنص على أن التقادم يقتصر على الحق العام دون الحق الخاص، كما في نظام مزاولة المهن الصحية، ونظام العلامات التجارية، وبالإضافة لذلك فإن بعض النصوص النظامية تنص على عدم سماع الدعوى الجزائية بعد مضي مدة محددة على ارتكاب بعض الجرائم، كما في النظام الجزائي لجرائم التزوير.
ويتبادر إلى الذهن هنا سؤال مفاده: هل التقادم من النظام العام؟ بمعنى هل يجوز الاتفاق على خلافه؟ وهل يجوز للجهة القضائية أن تحكم به من تلقاء نفسها أم لابد أن يدفع به الطرف الآخر؟ ولم أطلع على نص نظامي يؤكد أو ينفي صراحةً كون التقادم من النظام العام، وإن كانت بعض النصوص النظامية أجازت سماع الدعوى بعد مضي المدة في حالتين، وهي تقدم المدعي بعذر مقبول لدى الجهة القضائية، أو في حال إقرار المدعى عليه بالحق المدعى به محل الدعوى. وأشير هنا إلى أن صدور بعض الأحكام التي تقرر أن التقادم لا يعتبر من النظام العام، ومنها ما صدر من لجنة الاستئناف في منازعات الأوراق المالية في القرار رقم (592 لعام 1433هـ).
وأما ما يتصل بموقف القضاء السعودي من التقادم، فإن موقف القضاء في حالات التقادم التي بها نص نظامي، هو موقف واضح، وفحواه إعمال النص النظامي، ولكن ما هو موقف القضاء من التقادم في حال عدم وجود نص نظامي؟
قبل بيان موقف القضاء السعودي، أنقل هنا نصاً من قرار هيئة كبار العلماء رقم (68) وتاريخ 21/10/1399هـ، والذي جاء فيه: “وحيث إن المجلس لا يعلم نصاً شرعياً خاصاً في تحديد مدة تملك الشيء المعين الذي بيد إنسان وليس لديه إثبات الملكية سوى طول المدة، وادعى إنسان آخر ملكيته ولديه ما يثبت أنه كان ملكاً له بوسيلة من وسائل الملك الشرعية. ونظراً لأن هذه المسألة من المسائل التي تبنى على العرف، وعلى قاعدة سد الذرائع، وأن الحكم في كل صورة من صورها يختلف باختلاف الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، فإن المجلس يرى عدم تحديد مدة معينة تكون أساساً يبنى عليها القضاة أحكامهم، بل يترك فيها على حسب اختلاف ظروفها وملابساتها وبناها على القاعدة الشرعية التي يمكن أن تنطبق عليها”.
ويمكن القول بأن القضاء السعودي يتوافق مع ما قررته هيئة كبار العلماء بشكل عام، فهو يأخذ بمبدأ التقادم بوضع اليد من حيث المبدأ العام، ولكن دون تقدير ذلك بمدة زمنية محددة، وإنما هو سلطة تقديرية للمحكمة، لا سيما فيما يتصل بالعقار، وقد جاء في قرار المحكمة العليا رقم (٥١/٣/١) وتاريخ ٨/٧/١٤٣٣هـ التأكيد على: “عدم سماع دعوى في العقار للسكوت عنها مدة طويلة تجاوزت سبعين سنة”. كما أن قرار المجلس الأعلى للقضاء بهيئته الدائمة رقم (284/3) وتاريخ 28/12/1407هـ ينص على أنه: “إذا تعارض إحياء قوي بمشاهدة من له حق المنع وسكوته عن المنع حكم لصاحب اليد بما تحت يده؛ لأنه لا يمكن إهدار حقه المتعلق بما أقامه على الأرض”. وكذلك فإن محكمة التمييز (الاستئناف) تقرر في قرارها رقم (275/ق5/ب) وتاريخ 25/6/1429هـ أن: “دلالة الحال تغني عن دلالة المقال، فالسكوت مدة طويلة عن المطالبة بالملك مع تصرف غيره به دليل عدم صحة الدعوى”، كما تقرر في قرارها رقم (745/ق3/ب) وتاريخ 2/12/1431هـ أن: “التقادم في العقار يثبت ملكية من هو بيده ويسقط حق الدعوى لغيره”. وبالإضافة إلى ذلك فقد صدرت عدد من الأحكام القضائية التي تقضي بسقوط الدعوى في العقارات بسبب التقادم، ومنها الحكم الصادر في القضية رقم (3363988) لعام 1433هـ، والمصادق عليه من محكمة الاستئناف بالقرار رقم (35241783) وتاريخ 12/05/1435هـ.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال