الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في المقال السابق، تحدثت عن غسل الأموال عبر استخدام البنوك لمطالعة المقال أضغط هنا، لكن البنوك ليست هي الملاذ الآمن الحقيقي لموظفي الأموال، إنما محلات الصرافة هي النشاط الذي يستغله المنخرطين في هذه الجريمة لتنظيف أموالهم. هذه الحقيقة لا تعني الاستهانة بأهمية هذا النشاط اقتصاديا، حيث تعتبر محلات الصرافة من أكثر الأماكن التي يستعين بها الوافدين والمهاجرين لإجراء التحويلات المالية لبلدانهم، كما يستعين بها السياح أيضا لتحويل الاموال واستبدال العملات. لذلك، يعتبر وجود هذا النشاط مهم خاصة إذا كانت الدولة سياحية، خصوصا لو كانت السياحة في هذه الدول مصدر دخل أساسي، كذلك تعود أهميته في حالة كانت الدولة بها مهاجرين و وافدين كثر حيث انهم يحتاجون لمثل هذه المحلات لتحويل أموالهم لذويهم المقيمين خارج البلاد. وعلى الرغم من أهميتها الاقتصادية. ومع ذلك، فمحلات الصرافة تساهم في غسل مليارات الأموال في العالم لعدة أسباب.
وفقا لتقرير أصدره البنك الدولي عام 2018، بلغت مبالغ التحويلات بحدود 689$ مليار دولار في العالم، معظم هذه التحويلات كانت قادمة من الشرق الأوسط لانتشار المغتربين والعمالة الوافدة فيها. التحويلات البسيطة والتي تهدف الى اعانة أسرهم خارج البلاد ليست هي المشكلة، لكن المشكلة عندما يتم استغلال هؤلاء العمالة لتحويل الأموال عن طريق تقسيم الأموال إلى مبالغ بسيطة لا يتم ملاحظتها الى الخارج، وهي ما تسمى بتحويل الأموال من ذوي الياقات الزرقاء – العاملين بوظائف حرفية او بسيطة – الى اصحاب الياقات البيضاء – رجال الاعمال الذين يستغلون أنشطتهم لتنظيف أموالهم ذات المصدر المشبوه. يزدهر العمل في غسل الأموال في قطاع الصرافة لعدة أسباب.
أحد هذه الاسباب ان بعض الدول لاتضع قيود على مثل هذا النشاط، وبالتالي لا يحتاج التاجر الى اخذ ترخيص لمزاولة اعمال الصرافة، وإنما فقط ترخيص لفتح محل تجاري. ايضاً من ضمن الأسباب، بعض الدول تضع القيود على مزاولة هذا العمل، لكن القيود ليست صعبة و بالتالي بإمكان صاحب نشاط الصرافة التوسع فيه من خلال فتح فروع تنتشر في الدولة المعنية، لذلك نجد ان محلات الصرافة في بعض الدول السياحية لاتخفى عن مرأى العين، ولو بحثت في تقارير FATF، تجد ان هناك ملاحظات كثيرة بخصوص انظمة مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب في هذه الدول. كذلك، المؤسسين لهذا النشاط غالبا يكونون افراد وليست شركات كبرى يسهل الرقابة عليها.
من ضمن اهم الاسباب، ان العمالة الوافدة والتي تمارس أعمالها من خلال استغلال أسماء المواطنين بفتح نشاطات تجارية مختلفة، وادخال المبالغ المشبوهة مع المبالغ المشروعة بإسم النشاط التجاري المشروع، ويتم تقسيم هذه الأموال لمبالغ قليلة ويتم تحويلها خارج البلاد و بعملات مختلفة لحسابات مختلفة وبعد ذلك يتم إعادتها للحساب الاساسي صاحب هذه الأموال المغسولة. قد يتبادر الى الاذهان الان سؤالين، الاول هو اين كشوفات هذه التحويلات، وأين تطبيق قواعد اعرف عميلك؟ الاجابه ان بعض الدول لا تطبقها على أعمال الصرافة، والبعض الآخر يتم تطبيقها شكلياً، ولكن الرقابة من قبل المختصين ليست حازمة، بل احياناً يقعون تحت تهديد عصابات غسيل الأموال لغض الطرف عن مثل هذا التلاعب.
السؤال الآخر، هو ما المشكلة إذا كان غسل الأموال يصنع النقد؟ في الواقع ان نقل الاموال من دولة الى اخرى يؤدي الى اضعاف الاقتصاد و استنزافه لانه يُفقد الدولة اموالاً كان من المفترض ان تُستثمر داخلها والذي بدوره سوف يساهم في تقليل معدلات البطالة وزيادة معدلات النمو، كما أن هذه الجريمة تؤدي الى الركود الاقتصادي وخلق ما يسمى بالفقاعة الاقتصادية، لأن الأموال يتم استثمارها في انشطة وهمية لا وجود لها، وغيرها من الآثار السلبية لهذه الجريمة.
لذلك، توجه المشرع السعودي الى الاهتمام بمكافحة جريمة غسل الأموال، ومظاهر هذا الاهتمام يتجسد من خلال صدور نظام مكافحة التستر التجاري، و القواعد الجديدة المنظمة لمزاولة أعمال الصرافة الذي صدر قبل أسابيع قليلة وسيدخل حيز التنفيذ في الأيام القادمة. فعند قراءة مواد نظام مكافحة التستر التجاري، نجد أن من ضمن التعريفات الواردة في المادة الأولى مصطلح “المتحصلات” والتي عرفها النظام بأنها أموال ناشئة أو متحصلة -بشكل مباشر أو غير مباشر- من ارتكاب أيّ من الجريمتين أ) قيام شخص بتمكين غير السعودي من أن يمارس -لحسابه الخاص- نشاطًا اقتصاديًّا في المملكة غير مرخص له بممارسته، ويشمل ذلك تمكينه غير السعودي من استعمال: اسمه، أو الترخيص أو الموافقة الصادرة له، أو سجله التجاري، أو اسمه التجاري، أو نحو ذلك.
ب- قيام غير السعودي بممارسة نشاط اقتصادي لحسابه الخاص في المملكة غير مرخص له بممارسته، وذلك من خلال الشخص الممكّن له.
حيث أحسن المشرع بإيراد هذا المصطلح اذ ان التستر التجاري في المملكة يستخدم لتنظيف الاموال المشبوهة لاصحاب هذه الاعمال التجارية او لاشخاص متواطئين معهم. كما أن القواعد المنظمة لمزاولة أعمال الصرافة، عملت على فرض إجراءات أكثر دقة من ذي قبل لإعطاء ترخيص للعمل في قطاع الصرافة. كما نص النظام وجوب اعادة هيكلة شركات ومحلات الصرافة وتطبيق معايير الحوكمة والرقابة على أعمالها و اعتماد نظام تقني عالي لتنظيم أعمال الصرافة وتسجيل التحويلات الصادرة و الواردة، بالاضافة الى الالتزام بنظام لحماية العملاء. كذلك الالتزام بتعيين مراجع خارجي وغيرها من الانظمة.
هذه القوانين والقواعد تعبر عن اهتمام الدولة بمنع انتشار جريمة تقتل اقتصادها من ناحية، و تجعلها ملاذ آمناً لعصابات غسل الأموال، حيث أن وجودهم وانتشارهم في البلدان التي تسمح بتنفيذ أعمالهم، يعني انتشار جرائم اخرى مثل ترويج المخدرات والدعارة وتنفيذ عمليات الاغتيالات … وغيرها من الجرائم التي لن يمكن السيطرة عليها في حال كانت الانظمة الخاصة بغسل الاموال غامضة، فضفاضة، وبها الكثير من الثغرات. فلابد من مراجعة الأنظمة و القوانين لتفادي استغلال الثغرات القانونية، وتطبيق هذه الانظمة بشكل فعلي على أرض الواقع لتحقيق أهداف رؤية ٢٠٣٠ بشكل فعال يضمن مستقبل لامع وبراق لهذه الدولة العظيمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال