الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مشروع نظام الشركات الجديد والذي يأتي مواكباً للتطلعات الكبيرة للرؤية الاقتصادية 2030, وعلى الرغم مما فيه من مَيْزَات كثيرة إلا أنه يمكن القول إن أهم مقترحات نظام المشروع هي شركة المساهمة المبسطة (أو اختصارا تطوعاً من الكاتب م م س). وفي هذه المقالة المقسمة على جزأين حيث في الجزء الأول سأتعرض إلى الفلسفة الاقتصادية والعملية خلف ذلك الشكل القانوني مؤخِّرًا الحديث عن بعض مبادئها وبعض الأحكام المتعلقة بها في الجزء الثاني. حقيقة ذلك الشكل يعتبر حديثًا ليس على مستوى قانون الشركات السعودي فقط، بل على نظم كثيرة، فمثلًا منظمة الدول الأمريكية ومن ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية أقرت بذلك الشكل القانوني مؤخرا في عام 2017. فهو يعتبر من أبرز الصراعات في عالم الشركات مقدمًا حلولًا كثيرة بالذات للأنظمة التي تأثرت بالنظام الفرنسي ككافة القوانين العربية ومنها النظام السعودي. وبما أن المشروع قرر استيعاب هذا الشكل القانوني لدينا، فلعله من الضروري تقديم لمحة عامة عن أهمية ذلك الشكل القانوني الجديد لا سيما وهو أهم تطورٍ إيجابيٍ في المشروع.
في البداية لابد من معرفة أن هذا الشكل القانوني يعتبر خروجا عن المبادئ والأدبيات الأساسية لقانون الشركات المعروف، لهذا من الناحية الفلسفية والنظرية البحتة يصعب تسميتها بــ”شركة” بالمعنى الحرفي. فهي أقرب إلى أن تكون هجينًا من شركات الأموال والشراكة آخذة بأفضل ما في كلا الشكلين من ميزات، متجاهلة تعقيداتهم. وحتى يفهم تصور ذلك الشكل يجب على القارئ التفرقة بين Partnership و Corporation. فالأولى المسماة بالشراكة (Partnership) وليست شركة -حسب أدبيات قانون الشركات المتعارف عليه- تجسدت في شركات الأشخاص، وعلى رأسها شركة التضامن التي تجمع عيوبًا وميزات دون أدنى شك. كمبدأ قانوني عام، الشركاء في الشراكة لا يمكنهم تحديد مسؤوليتهم في ديون الشركة، بل يتحملونها كديون شخصية وكأنها ديونهم، فليس هناك ذمة مالية للشركاء مستقلة عن الشراكة. وبما أن الشراكة وكأنها انبثاق من أطرافها فلا يتصور معه قدرة الشراكة في إصدار أسهمٍ في رأس مال الشركة، لهذا ما يقدمه أطراف الشراكة يسمى “حصصًا” يصعب نقلها إلى الغير مقارنة بالأسهم. ولهذا قدرة مقدم الحصة على العمل في تحديد مسؤوليته في حالة الخسارة لم تتبلور بالشكل الكامل في تلك الشراكة، على الأقل على المستوى القانوني مقارنة بالشروحات التي لا تقدم ولا تؤخر أمام المحاكم، خاصة إذا كان قام بالاشتراك في الإدارة أيضا.
بسبب الجمود فيها وتعريض أصحاب الشراكة فيها لمخاطرة الملاحقة في ديون الشركة بشكل شخصي، يتجنبها الكثير من أصحاب الشركات المتوسطة والصغيرة ومن أصحاب المال الجريء وغيرهم ممن يفضلون تحديد مسؤوليتهم الشخصية والمرونة في الإدارة.
وحتى شركة المسؤولية المحدودة وعلى الرغم من إمكانية تحديد أطرافها مسؤوليتَهم ولكن تظل تفقد المرونة في تحويل الحصص وعدم المرونة في تسجيلها فضلا عن إشكالية حق الاسترداد خاصة في الإشكاليات الناتجة عن الورث أو الهبة ورفض التشريعات تقديم حصة عمل في رأس مال الشركة حماية لدائني الشركة.
ولكن على الجانب الآخر فعلى الرغم من تلك العيوب، فشركات الأشخاص خاصة شركة التضامن تتميز بسهولة تسجيلها وإثباتها فلا يوجد فيها الشكلية المسيطرة على الشركات المصدرة للأسهم. فبسبب تلك المسؤولية الشخصية في الديون والحاجة العملية تتراخى بعض الأنظمة في تسجيلها -بعيداً عن مسألة تحصل الضريبة-، فبعض الأنظمة كالنظام الأمريكي تسمح بتأسيس شراكة دون التعقيد في الشكلية والرسمية لا سيما إذا تم تسجيلها باسم أحد الشركاء بشكل شخصي.
والشكل القانوني الآخر والمعروف باسم الشركة (Corporation) متمثلة بشركات الأموال، فعلى على الرغم من ميزتها في إصدار أسهم وتحديد مسؤولية حاملي الأسهم فيما يقدمونه من نصيب فقد حرصت أغلب الأنظمة على التشدد في تسجيل تلك الشركة وغيرها من الشكلية التي تعيق مرونة الشركة وكثير من البيروقراطية في تسجيلها فضلا إلى سيطرة الجهات الحكومية في بسط الرقابة عليها.
ولتقريب الصورة للقارئ م م س ممكن تصورها وكأنها شركة مسؤولية محدودة ولكن بميزات إصدار الأسهم وتقليل البيروقراطية والتكلفة والوقت في التسجيل -إذا استمر المشروع على حاله- ففيها تشابه كبير للشكل القانوني المعروف في ولاية ديلاوير المسمى الشركة S (في حالة تحديد الحد الأعلى للمساهمين ولعل هذا سيكون اتجاه المشروع م١٦٥) وليس الأمريكية المسماة C (في حالة عدم تحديد حد أعلى للمساهمين). حيث تميز النظامان الأمريكي والبريطاني في مواكبة التطور وتلبية احتياجات السوق مقارنة بالنظام الفرنسي البطيء في التطور والذي ورثه معظم دول العالم. لهذا لن يكون مستغربًا أن تكون فرنسا منشأ تلك الشركة والشكل المفضل للشركات الصغيرة والمتوسطة الفرنسية.
فمن هذا المنطلق، يمكن القول ان شركة م م س استوعبت جميع الميزات في كلا الشكلين القانونيَّين، خاصة في القدرة على تقديم حصة عمل في رأس مال الشركة. وأيضاً كحيلة عملية وحاجة اقتصادية للالتفاف على عدم قدرة الشركات على إصدار أسهم، والتي هي محتكرة على شركات الأموال، فنرى البلدان الأمريكية الجنوبية والتي -أيضا- تأثرت بالنظام الفرنسي، خاصة العوائل اتخاذ هذا الشكل بعد تشريعه والتخلص من الصورية في تسجيل شركاتهم لحاجتهم إلى شكل يقدم لهم البساطة والمرونة في إدارة مشروعهم دون مخاطر في تحمل ديون الشركة بشكل شخصي وقدرة تقديم أسهم الشركة في أسهم وظيفية.
لهذا بمجرد تشريع ذلك الشكل القانوني أصبح من أكثر الأشكال استخداما كشكل قانونيٍّ يمنح -دون أدنى شك- الشركات الصغيرة ((Start-up وأصحاب المال الجريء شكلاً قانونيًّا مبسطًا دون تعقيدات الشكلية والتكلفة العالية فضلا عن تحديد مسؤوليتهم، فمثلا دولة كولومبيا وهي من أوائل الدول التي شرعت ذلك الشكل وجدت أن معدل نسبة البطالة هبط بشكل كبير بعد تشريع شركة المساهمة المبسطة فهي توظف ما لا يقل عن ٢ مليون ونصف عامل في كولومبيا. وحقيقة لا يعني تلك الميزات التي تمنحها تلك الشركة، فهي مازالت شركة حديثة العهد فضلاً عن إشكالية قد يتراخى أصحاب تلك الشركة خاصة فيما يتعلق بديون الشركة وتصفيتها وانقضائها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال