الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يُعتبرُ التعارض بين المصالح الشخصية لمدراء الشركة المساهمة وبين مصالح الشركة ذاتها من الإشكاليات الكبرى في إدارة الشركة المساهمة، خاصةً أنَّ لهذا الموضوع أبعاداً أخلاقيةً وماليةً كبيرةً.
حيث إنَّ ضخامة رأس المال الذي تقوم إدارة الشركة على إدارته، والمراكز الاستثمارية الهامَّة التي تضطلع بها، هذه العوامل كلها قد تُغري بعض الأشخاص في إدارة الشركة لاستغلال مراكزهم وانتهاك واجباتهم المهنية والأخلاقية تجاه الشركة.
وإذا نظرنا لهذا الموضوع من وجهة نظرٍ أخرى، فهو موضوع مالي استثماري بحت، حيث إنَّ انتشار حالات تعارض المصالح الشخصية للمدراء ضد المصالح المؤسَّساتية للشركات، ثم استغلال المدراء لمراكزهم بهدف تحقيق مصالحهم، سيؤدِّي إلى انخفاض تصنيف الشركات على سلم معايير الحوكمة العالمي.
كما قد تُشكِّل هذه الحالة السلبية نوعاً من الثقافة على مستوى الدولة، حيث تنتشر ثقافة استغلال المراكز الإدارية في الشركات المساهمة، وتكون النتيجة انخفاضاً في مستوى الجذب الاستثماري ضمن القطاع الاقتصادي للدولة.
بناءً عليه، يتوجَّب على نظام الشركات أن يُواجِهَ ممارسة الاستغلال الإداري هذه، ليس فقط بهدف حماية أموال المستثمرين وحقوقهم الخاصة، بل أيضاً بهدف حماية لقطاع الأعمال الاقتصادي وللسمعة الاستثمارية في الدولة بشكل عام.
وقد اهتمَّت لوائح الحوكمة الحديثة اهتماماً كبيراً بكيفية تجنُّب تعارض المصالح، وبضوابط التنافس بين الشركة وأعضاء مجلس إدارتها أو إدارتها التنفيذية أو حتى العاملين فيها، إلاَّ أنَّ لوائح الحوكمة هذه بقيت في معظمها آلياتٍ نظريةٍ تستند بالأساس على إفصاح العضو أو المدير عن مصالِحِهِ من جهة، أو اكتشاف هذه المصلحة من لجان المراجعة والالتزام مثلاً من جهة أخرى.
لكن يبقى التطبيق العملي الفعَّال لفكرة انضباط إدارة الشركة بكافة مستوياتها للأنظمة واللوائح، وخضوعها الكامل لأنظمة تعارض المصالح، هو العقاب الإداري بالعزل الذي يمكن أن تفرضه الشركة تجاه أعضاء مجلس الإدارة خصوصاً، لكن التركيز هنا ليس على عقوبة العزل بحد ذاتها، وإنَّما على آلية فرضها.
أي أنَّ المطلوب في مواجهة حالات استغلال المركز الإداري في الشركة، ليس تحديد عقوباتٍ على شكل نصوصٍ نظريةٍ، وإنَّما الاهتمام بآلية فرضها من الشركة بما يكفل العدالة والمرونة في آنٍ معاً.
وفي نظام الشركات الحالي لعام 1437هـ، فقد تمَّ فرض قاعدةٍ صارمةٍ بخصوص المسؤولية المدنية مفادها حق الشركة بطلب التعويض أعضاء مجلس الإدارة أصحاب المصالح المباشرة أو غير المباشرة في الأعمال التي تتمُّ لحساب الشركة دون أن يُفصِحُوا عنها (م/71-1).
تمتدُّ المسؤولية هنا إلى كامل أعضاء مجلس الإدارة في حالة استغلال المصالح، حتى أنَّ المسؤولية تَطالُ أولئك الأعضاء الذين لا مصلحةً لهم في العقود والأعمال (م/71-3)، لكن يمكن أن يتم إعفاؤهم من هذه المسؤولية في حالة معارضتهم المسجلة في محاضر اجتماع مجلس الإدارة (م/71-4).
وبغضِّ النظر عن المسؤولية المدنية التي تستطيع الشركة إقامتها ضد أعضاء مجلس الإدارة المسؤولين بالتضامن أمامها (م78)، فإنَّ للشركة فرض عقاب العزل على هذه الإدارة دون انتظار نتيجة الدعوى.
فقد منح نظام الشركات الصلاحية الكاملة للجمعية العامة في الشركة أن تقوم: “في كل وقت عزل جميع أعضاء مجلس الإدارة أو بعضهم ولو نص نظام الشركة الأساس على غير ذلك…” (م63-3)، ذلك دون أن يفرض النظام قيوداً على هذه الصلاحية، وهو ما أكَّد عليه مشروع نظام الشركات الجديد أيضاً (م75-2).
وهكذا، تملك الجمعية العامة صلاحياتٍ واسعةٍ إزاء عزل أعضاء مجلس الإدارة حتى في حالات الريبة أو الشبهة من استغلال منصبهم دون ضرورة انتظار نتيجة دعوى المسؤولية ودون الحاجة لإقامتها أصلاً.
وهكذا، يحقُّ لِمَا نسبته 2% من المساهمين طلب انعقاد الجمعية العامة العادية في حالات اكتشاف مخالفات مثل تعارض المصالح (م/90-3)، ثم يكفي توفُّر نسبة ربع 1/4 عدد المساهمين لانعقاد هذه الجمعية (م/93-1)، وتستطيع الأغلبية المطلقة؛ أي 50+1 من الحاضرين للاجتماع اتَّخاذ قرارٍ بعزل أعضاء مجلس الإدارة (م/93-3).
ولكن يجب التنبيه إلى ثغرتَيْن يجب الانتباه لهما ومُواجَهَتِهِمَا نظامياً وفي أنظمة الشركة، وهما:
* أنَّ نظام الشركات قد منح العضو المعزول في هذه الحالة حقَّ المطالبة بالتعويض في حالتَيْن: (1) إذا كان العزل لسبب غير مقبولٍ، (2) أو في وقتٍ غير مُناسبٍ (م63-3). هنا يعود تقدير مدى قيام هذه الحالات من عدمها يعود لقاضي الموضوع، ويمكن أن يتمسَّك عضو مجلس الإدارة المعزول بعدم وجود سببٍ جوهريٍّ للعزل أو أنَّ توقيت العزل جاء مؤثراً، ثم يحقُّ للعضو المعزول أن يُطالبَ بتعويضٍ كبيرٍ عن الأضرار التي أصابته في سمعته جرَّاء عزل الشركة له.
*أنَّ نظام الشركات الحالي قد سمح لأنظمة الشركات أن تفرض نسبة حضورٍ أعلى من الربع حتى ينعقد الاجتماع (م93-1)، وأن تفرض أيضاً أغلبيةً أعلى من الأغلبية المطلقة 50+1 حتى يتمَّ اتِّخاذ قرارات الجمعية العامة العادية (م/93-3)؛ الأمر الذي يمكن أن يستغلَّه مجلس الإدارة عبر تمرير قرارٍ بتعديل نظام الشركة، بغرض النص على زيادة نسبة الحضور المطلوبة لانعقاد الجمعية العامة، والنصِّ على أنَّ قرارات الجمعية العادية تصدر بأغلبية الثلثين 2/3 أو حتى ثلاثة أرباع 3/4 من الحاضرين لاجتماع هذه الجمعية. وهكذا سيصعب على المساهمين عزل مجلس الإدارة حتى في حالات الارتياب من تعارض المصالح.
بناءً على كل ما سبق، يمكن اعتبار أنَّ كلمة الفصل في نجاح منهج الردع الإداري هو قدرة الشركة المساهمة على عزل إدارة الشركة دون عراقيل إجرائية ودون التقيُّد بمدى قيام المسؤوليات القانونية أمام القضاء من جهة، ودون وجود إمكانية للرجوع على الشركة بالتعويض من جهة أخرى.
وإذا رجعنا إلى لائحة الحوكمة الصادرة عن مجموعة العشرين عام 2015، فقد ذكرت هذه اللائحة موضوع استبدال Replacing إدارة الشركة العليا والتنفيذية دون ربط هذا الاستبدال بأية مسؤوليةٍ قد تترتَّب على الشركة بسبب العزل والاستبدال (م/(4+3-VI؛ حيث تنطلق نظرة اللائحة العالمية هذه من أنَّ تعيين الإدارة هو تفويضٌ وتكليفٌ من حق الشركة سحبه في أيِّ وقتٍ دون مساءلةٍ؛ لأنه من حقوقها الناشئة عن شخصيتها المعنوية.
هذه الأمور نرى ضرورة أخذها بعين الاعتبار من مشروع نظام الشركات القادم الذي قد نصَّ في موضوع عزل مجلس الإدارة على قواعد النظام القديم دون تعديل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال