الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
آدم سميث و جون ناش، أسماء عريقة ولها دور في تطوير علم الاقتصاد بشكل اساسي، و تطوير باقي العلوم الانسانية، كعلم السياسة والتسويق و التحقيق وكذلك القانون، إذا الحديث عن هذين العالمين يطول، ولكن دعوني اتحدث عن استخدام نظرياتهم في علم القانون.
آدم سميث، عالم الاقتصاد الاسكتلندي الذي يعتبر الوالد لعلم الاقتصاد الحديث والاقتصاد السياسي. ويعتبر سميث هو المنظر الأول للرأسمالية حيث دعت فلسفته الى تقليل تدخل الحكومة في الأسواق الحرة، إلا أن تقليل التدخل هذا لا يشمل قطاع التعليم ولا الأمن في الدولة. ومن هنا ظهر مصطلح ” اليد الخفية” و التي تعني أن الإنسان يجب أن يسعى إلى تحقيق مصلحته الشخصية بشكل بحت، وأن تحقيق المصلحة الشخصية هذه سوف يساهم في تحقيق المصلحة العامة. فمثلا، صاحب محل الاغذية يبيع الطعام والغذاء للناس، وهو بهذه العملية يحقق مصلحته الخاصة عن طريق تكوين ثروة لنفسه وثروة تساهم في الإقتصاد الوطني من ناحية، ويحقق المصلحة العامة عن طريق إشباع حاجات الناس بتوفير الغذاء لهم من ناحية اخرى. فقد عبر سميث عن هذه العملية بعبارته الشهيرة “نحن لا نحصل على عشائنا بسبب كرم الجزار والخباز، ولكن بواقع سعيهم الى الربح”. فرضية سميث تفترض في البائع حُسن النية من حيث نشاط العمل وطريقة إدارته، وأغفل طبيعة الجشع عند الإنسان من حيث رغبته بالمزيد لتصل إلى اعتناق البعض “قاعدة الغاية تبرر الوسيلة”.
استمر اعتناق هذه الفلسفة لما يزيد عن قرنين من الزمان إلى أن ظهر عالم الرياضيات والاقتصاد الشهير الحائز على جائزة نوبل “جون فوربس ناش”. جون ناش قال ان فكرة سميث غير صحيحة حيث ان عمل الانسان لتحقيق مصلحته الشخصية لايعني تحقيق المصلحة العامة، بل على العكس، عندما يعمل الإنسان لتحقيق مصلحته الخاصة بشكل بحت، قد يجعل العامة يعانون لأن الإنسان يفكر بتكوين الثروة بغض النظر عن الأسلوب و الطريقة، حتى ولو كانت الطريقة مؤذية للصالح العام، وطبق هذه الفكرة في نظريته الشهيرة ” نظرية اللعبة”. فعلى سبيل المثال، انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لها أضرار كثيرة على البيئة وعلى الإنسان، الدول إذاً بين خياران. الأول تتبع فيه فلسفة سميث، هو ان الدول من اجل ان تحقق التطور الصناعي والإنتاجي وتحقيق التنمية الاقتصادية وثروة ان لا تضع قواعد ولا قوانين تنظم مسألة انبعاث غازات ثاني اكسيد الكربون من اجل تحقيق المصلحة العامة ومنع حدوث كوارث بيئية و صحية في المستقبل. الخيار الآخر، هو ان تفرض قوانين لتحديد معدلات انبعاثات ثاني اكسيد الكربون، ولكن هذا يعني ان هناك دول اخرى لن تفرض قوانين مما يجعلها تحقق إنتاج أعلى وتنمية اقتصادية أسرع من الدول التي ستفرض هذه القوانين و القيود على انبعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون من المصانع.
مواطني الدولة غالبا سيفضلون حماية البيئة والصحة العامة اذ ان الجميع يريد ان يتمتع بعمر مديد وصحة جيدة وهذه المصلحة العامة، ولكن أغلب أصحاب المصانع يهتمون بمصالحهم الخاصة، يهتمون بتكوين اكبر ثروة ممكنة بغض النظر عن أضرار العمل الذي يقومون به. ومن هنا تتشكل جريمة الفساد، إذ انها عبارة عن معادلة رياضية تم صياغتها في حروف. تطبيقاً لهذه المعادلة عمليا، معظمنا يعلم أن الاحتباس الحراري ناتج من عدة عوامل منها الانبعاثات الكربونية الناتجة عن احتراق الوقود الحفري. حيث شدد علماء البيئة ان هذه الانبعاثات تؤدي الى مشاكل بيئية كبيرة، منها أن المحيطات تمتص حوالي 30% من أكسيد الكربون الذي ينتجه البشر منذ عام 1750، وبما أن ثاني أكسيد الكربون غاز حمضي فإنه يزيد من ملوحة مياه البحر والتي تؤدي الى الإضرار بالحياة البيئية. كما أن هذه الانبعاثات تؤثر التغيرات المناخية، حيث تمتص مياه المحيطات 90% من الحرارة الإضافية التي أنتجتها المجتمعات الصناعية منذ 1970، وتجعل من الصعب على المحيطات الإحتفاظ بالأكسجين.
وهذا يعني التأثير مصدر أساسي ومهم للإنسان، حيث أن الحياة البحرية توفر لنا الغذاء والطاقة والمعادن والادوية ونصف الأكسجين في الغلاف الجوي، بالاضافة الى تنظيم المناخ. ولكن بعض أصحاب النفوذ في بعض الدول، تغلق مسامعها امام هذه التحذيرات وذلك لأن الهدف هو تحقيق المصلحة الخاصة من حيث بناء ثروات وليس المصلحة العامة من حيث المحافظة على استمرارية الحياة بشكل صحي. كذلك، عندما يختلس الموظف مبلغ ما، أو يستلم رشوة من شخص لتأدية خدمة معينة، بالتأكيد، مثل هذا التصرف سوف يسبب ضرر على المصلحة العامة من حيث خلق ثروات مقابل تقديم خدمات مشروعة بطرق غير نظامية أو خدمات غير مشروعة.
إذاً، السؤال هو، كيف ساهم هذان العالمان في علم القانون؟
الإجابة وبكل بساطة، فلسفة سميث الإقتصادية ساهمت في فرض قوانين تمنع الاحتكار و تعزز المنافسة، قوانين التجارة الدولية والاتفاقيات الدولية التي تسهل عملية التبادل التجاري بين الدول. أما ناش، فنظرية اللعبة ساعدت على وضع قيود على الرأسمالية المطلقة وعلى التجارة الحرة المطلقة، كما ان ناش في فلسفته، ان الانسان يحاول دائما ان يخرج بمكاسب اذا كان الافتراضات التي أمامه تدل على أنه لن ينال عقاب نتيجة النشاط الذي يعارض المصلحة العامة.
كما أن نظرية ناش ليست سوى اقرار واضح لأهم المواضيع التي يبنى على التحقيق في كثير من القضايا ألا وهو معيار التفرقة بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال