الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كانت هولندا في يوماً ما أكبر قوة اقتصادية في العالم, وذلك عن طريق شركة الهند الشرقية المتحدة الهولندية, والتي أسست وأطلق عليها هذا الأسم في عام 1602 ميلادي.
وكانوا بطريقة تأسيسهم لهذه الشركة وضعوا اللبنة الأساسية للنظام الرأسمالية الحديثة, حيث كان أساس التمويل عن طريق بيع حصص للمواطنين بالشركة بمقابل حصول المواطنين على أسهم فيها, ما جعلها أول شركة مساهمة في العالم.
لم يكن مسار هذه الشركة سهلاً اطلاقا, بل تعرضت لصعوبات عدة كانت كفيلة بفشلها قبل حتى أن تبدأ.
أصعبها كانت هزيمة الأسبان للبرتغاليين الذين كانو يزودونهم بالتوابل من مستعمراتهم في آسيا, مما جعلهم يفقدون أهم عنصر في تجارتهم وهو المنتج.
ولعدم وجود مستعمرات هولندية في آسيا, أو خبرة لدى الهولنديين في الملاحة كانت مهمه تشبه المستحيلة, أن يقومون بأنفسهم بالحصول على هذه التوابل وحمايتها إلى أن تصل إلى وطنهم قبل توزيعها على أسواقهم في الدول الأوروبية.
ولكن أضطر الهولنديين مرغمين على قبول هذا التحدي, والاعتماد على أنفسهم وقدراتهم المحدودة ومواجهة هذه التحديات.
أظهروا الهولنديين مهارات كانت دفينة وقدرات كانت مجهولة, مكنتهم من الوصول إلى الدول الآسيوية وإجبار أهلها على زراعة هذه التوابل, و تكوين أسطول بحري قوي يحمي توابلهم ويضمن وصولها إلى عملائهم, إلى أن جعلوا شركتهم أغنى شركة في العالم حيث تقدر قيمتها قرابة ثمانية تريليونات دولار حسب عملة اليوم.
تحولت بها هولندا من الدولة الفقيرة الهامشية في الجزء الشمالي الشرقي من أوروبا إلى قوة أقتصادية ومركز للثقافة والأدب في أوروبا.
إلى أن سقطت مع أجتياح نابليون لهولندا عام 1795 حيث اقتحم مقر الشركة الرئيسي وسرق أموالها ومستنداتها, وأعلنت الشركة في ما بعد في عام 1799 إفلاسها ونهاية السيطرة الهولندية على منافذ التجارة العالمية.
نعم أنتهت السيطرة الهولندية ولكن أثبت الهولنديين للعالم قدراتهم ومهاراتهم الفذه في الاقتصاد الحديث.
ولكن للأسف لم يبادلهم الاقتصاد الحديث الود, حيث أن أشهر نظريات علم الأقتصاد في تاريخنا الحديث هو المرض الهولندي!!
يعرف المرض الهولندي بأنه العلاقة الظاهرة بين ازدهار التنمية الاقتصادية بسبب الموارد الطبيعية وانخفاض في القطاعات الصناعية والتحويلية في الدولة, مما يتسبب في ارتفاع في سعر صرف العملة بسبب بيع هذه الموارد ولكن انخفاض حاد في إنتاجيتها مما يرفع أسعار سلعها ويمنعها من المنافسة في الأسواق الخارجية والتصدير, وأيضا السوق المحلية حيث أصبحت السلع المستوردة أقل سعراً من نظيراتها المحلية.
وتعود التسمية إلى حالة الاقتصاد الهولندي بعد أكتشاف النفط في بحر الشمال في بداية القرن الماضي.
مما جعل الشعب الهولندي في النصف الأول منه (1900-1950) يعيش بفضل هذه الموارد الطبيعية السخية, حياة مليئة بالكسل والخمول والميل إلى السلوك الاستهلاكي والبذخ, والعزوف عن الإنتاجية والعمل.
حتى أصبح أكثر من سبعين بالمئة من الشعب الهولندي يعمل في شركة الغاز, وعدد كبير من الشعب يفضل إعانات البطالة والعجز الوظيفي على العمل.
قبل أن يصبح الشعب الهولندي ذات يوم على نضوب هذه الحقول و انهيار اقتصاده الريعي, الذي كان في الحقيقة منهاراً من عقود ويعاني من حالة إدمان وشلل تام بسبب اعتماده على موارده الطبيعية فقط, وتجاهل الجوانب الأخرى لاقتصاده.
الجدير بالذكر أن هذه الحالة لم تكن محصورة على الشعب الهولندي, فقد سبق أن أصيب بهذا المرض الأسبان في القرن السابع عشر بعد أن اكتشفوا مناجم الذهب والنحاس في مستعمراتهم في القارة اللاتينية, وأيضاً أستراليا في القرن التاسع عشر وبداية عصر النفط.
اختلفت الأسباب ولكن النتيجة واحدة, موارد طبيعية سخية تؤدي إلى كسل وخمول ومن ثم أضمحلال في الاقتصاد قبل أن ينهار كلياً ذات يوم.
حقيقةً ليس من السهل مقاومة المرض الهولندي, خصوصاً مع الدول التي لم يكن لديها نظام اقتصادي متين قبل أن تكتشف مواردها الطبيعية, وهذا ما يشبه حالة اقتصادنا قبل النفط وبعده.
في الثلاث عقود السابقة, كنا نسير على خطى الهولنديين والأسبان ولا أعتقد أن يكون واقعياً أن نتوقع نتيجة مختلفة.
ولكن ولله الحمد والمنة, وبفضل الله ثم حكومتنا الرشيدة أتت رؤية 2030 لتنقذ اقتصادنا ومستقبلنا, وانتقلنا من مخاوف المرض الهولندي إلى طموحات الحلم السعودي.
جعلنا عنان السماء طموحنا وسواعد شبابنا وقودنا, وبالله التوفيق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال