الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا شك في أن الثورة الرقمية بكل ما فيها من وسائل التكنولوجيا والاتصالات الحديثة والإنترنت قد ساهمت إلى حد بعيد في تغيير شكل الحياة البشرية بمختلف مجالاتها وأفرزت متطلبات جديدة في مختلف القطاعات لا سيما المالية والاقتصادية منها لمواكبة هذه القفزة التقنية الهائلة..
ومع ازدهار التجارة الإلكترونية شهد قطاع المصارف توسعاً كبيراً وتسارعاً مضطرداً في السعي لتطوير الخدمات المصرفية والتحول نحو الخدمات الرقمية بما يتناسب مع هذه الثورة، فكان من أبرز مظاهر هذا التحول -إن لم يكن أبرزها على الإطلاق- هو ظهور ما يعرف بالبنوك الرقمية أو الإلكترونية كخيار أكثر حداثة وتطوراً ومجاراةً للوضع الجديد من البنوك التقليدية، فعملت البنوك الإلكترونية على تقديم عديد المزايا والخدمات مع قيمة مضافة في غاية الأهمية تتمثل في توفير الوقت والتكاليف…
وإذا كان التوسع في التكنولوجيا البنكية قد بلغ أوجه خلال العشرية الأخيرة فإن بداياته تعود إلى منتصف تسعينات القرن الماضي وبالتحديد في الولايات المتحدة الأمريكية حيث ظهر أول بنك إلكتروني، لينتشر بعدها في أنحاء العالم على شكل بنوك افتراضية تُنْشَأُ لها مواقع إلكترونية على الإنترنت لتقديم نفس الخدمات التي يقدمها البنك التقليدي من سحب ودفع وتحويل ولكن دون انتقال العميل إليها، أي أنها تتيح للعميل إدارة حساباته أو انجاز أعماله المتصلة بالبنك عبر شبكة الإنترنت والأجهزة الذكية وفي أي زمان أو مكان مع ضمان مستوىً عالٍ من الأمان والسرية للمعاملات المالية التي يديرها.
أضف إلى ذلك كله ما توفره هذه البنوك من وسائل الدفع الإلكتروني، وهو ما يقصد به الأدوات التي توفرها البنوك الرقمية كوسيلة دفع في عمليات التجارة الإلكترونية ولعل أشهرها البطاقات البنكية وبطاقات الائتمان التي تخول حاملها شراء معظم احتياجاته أو أداء مقابل ما يحصل عليه من خدمات دون الحاجة لحمل مبالغ كبيرة قد تتعرض لمخاطر السرقة أو الضياع.
وكان اتجاه العملاء نحو هذا الوافد الجديد إلى عالم المصارف سبباً في تسريع انتشاره على نحو واسع، فهي تتميز عن غيرها من البنوك التقليدية في قدرتها على الوصول إلى قاعدة أوسع من العملاء بالإضافة إلى كونها تقدم خدمات متميزة تلبي احتياجات العميل المصرفي من ناحية تقديم خدمات مصرفية كاملة وجديدة وبشكل أكثر كفاءة لاعتمادها على البرمجيات والخوارزميات المتطورة التي تكون نسبة الخطأ فيها لا تكاد تذكر وهو ما يؤدي إلى تحسين جودة هذه الخدمات وتخفيض التكاليف إلى نسبة تصل إلى 70% على الأقل بالمقارنة مع سَلَفِها من المصارف.
من جهة أخرى فإن انخفاض التكاليف التشغيلية تجعل من تكلفة إنشاء موقع للبنك على الإنترنت لا تقارن بتكلفة إنشاء فرع جديد له وما يتطلبه ذلك من مبانٍ وأجهزة وكفاءة إدارية، كما أن قدرة البنك على تسويق خدماته من موقعه على الإنترنت تساعده على امتلاك ميزة تعزز من مكانته التنافسية وتؤهله إلى مستوى المعاملات التجارية العالمية.
وبناءً على كل ما سبق فإن البنوك تعمل جاهدة لمعالجة توقعات المستهلكين المتغيرة وفق الواقع الذي فرضته و تفرضه العجلة التكنولوجية التي ما تزال تدور مفرزة أوجهاً جديدة من التطور كل يوم، وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة أكسنتشر (Accenture) العالمية -المعنية بتوفير خدمات استشارية واستراتيجية ورقمية وتقنية وخدمات تشغيل- مطلع عام 2019 أن البنوك تتطور لتبنّي تقنيات الجيل التالي من الذكاء الاصطناعي، وأن 50% من المدراء التنفيذيين في البنوك يتوقعون أنه في غضون ثلاث سنوات سيكون للتقنيات الحديثة المستخدمة في تحسين العمليات تأثيراً أكبر على أعمالهم ، كما أن 47% من العملاء يقولون الشيء نفسه، و77% من التنفيذيين في البنوك يتوقعون أن يتم التعامل مع أكثر من نصف تفاعلات العملاء بشكل كبير من خلال مساعدين افتراضيين في غضون خمس سنوات.
في النصف الأول من العام 2020 دفعت جائحة الفيروس المستجد كوفيد-19 إلى زيادة الاتصالات الرقمية بين العملاء وبنوكهم، ما دفع المؤسسات المالية إلى الاستجابة لهذه الزيادة من خلال التسريع في عملية التحول الرقمي للقطاع المصرفي وحسب تقرير Capgemini’s World Banking لعام 2020 بات حوالي 57% من العملاء حول العالم يفضلون الآن الخدمات المصرفية عبر الإنترنت ، مقارنة بـ 49% قبل انتشار فيروس كورونا، وفي الوقت نفسه، يفضل 55% الآن استخدام تطبيقات الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول محققة ارتفاعًا بنسبة 47% قبل الوباء.
الواقع الجديد الذي فرضته البنوك الإلكترونية يتجلى كتطبيق عملي على أرض المملكة إذ يشهد القطاع المصرفي تحولاً واضحاً لدى المصارف نحو رقمنة خدماتها في محاولة منها لتوسيع قاعدة عملائها وأعمالها، وتمكنت معظم المصارف وبدعم من الخطة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات وبرنامج التحول الوطني في إطار “رؤية المملكة 2030” من التحول باتجاه تقديم خدمات إلكترونية تكون أكثر سهولة وراحة وكفاءة للعملاء، وخلال الربع الأول من العام 2020 بلغت التعاملات الرقمية (عن بعد) 400% مقارنة بالفترة نفسها من العام 2019.
وهذا التحول أكدته وثيقة برنامج تطوير القطاع المالي- خطة التنفيذ 2020 لرؤية 2030 الاقتصادية والتي كان من أهدافها بناء بنية تحتية مالية متطورة عبر العمل على دفع الابتكارات في مجال البنية التحتية للقطاع المالي من خلال تنفيذ “استراتيجية المدفوعات الرقمية المتكاملة” لضمان التقدم نحو عدم استخدام النقد من خلال رقمنة إجراءات اعرف عميلك والمعالجة المباشرة (من طرف إلى طرف B2B – ) في البنوك السعودية وكذلك من خلال تطوير منصة وطنيــة الكترونيــة للتخصيــم، لتعزيــز إدارة النقــد للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. ومــن شــأن البنيــة التحتية المعززة أن تمكـن الحلـول المصرفيـة مـن الانتشـار علـى نطـاق جغرافـي واسـع، وتحسـن تجربـة العمـلاء مـن خـلال تبنـي معاييـر فنيـة أفضـل، وكنتيجة لهذه التحركات المكثفة بلغت نسبة التعاملات الإلكترونية في المملكة عام 2020 أكثر من 36% متجاوزة المستهدف البالغ 28% في خطوة كبيرة نحو بلوغ الهدف الذي حددته رؤية 2030 وهو 70%.
وبهمسة أخيرة أقول: إن التطور التكنولوجي ماضٍ في طريقه إلى الأمام ولا أظنه سيتوقف ولا نعرف إلى أي آفاق سيصل بنا، وما ورد باختصار حول البنوك الإلكترونية يظهر وبشكل لا يدع مجالاً للشك بأنها تمثل المستقبل الذي يتطلع إليه القطاع المصرفي بمستثمريه وعملائه ويسير نحوه بخطوات متسارعة تتناسب مع التقدم الحاصل، ويبدو السؤال الذي يطرح نفسه هنا منطقياً!، كيف ستؤثر البنوك الإلكترونية على تلك التقليدية؟ وهل سنشهد اختفاء البنوك التقليدية التي باتت أكثر من أي وقت مضى مهددة بالانقراض؟.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال