الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تَقومُ الشركة على فكرةٍ بسيطةٍ جداً قد نجدها بين أيَّة جماعةٍ من الأشخاص الراغبين بافتتاح مشروعٍ لتثمير أموالهم؛ الشركة هي عبارة عن اتِّفاقٍ لتشغيل رأس المال المشترك، واقتسام ما يَنتُجُ عن هذا التشغيل من ربحٍ وتحمُّل ما يَنتُجُ عنه من خسائر.
من الناحية النظامية، لا نجد الأنظمة تُركِّز كثيراً على الأرباح، فهي في النهاية عنوان نجاح الشركة، والشركاء لهم أن يقتسموها فيما بينهم.
وحيث إنَّ النظام يسعى دائماً إلى الحفاظ على الحقوق وتوازن المصالح، لهذا يجب على النظام أن يَحرَصَ على حقوق المساهمين والدائنين من حال فشل وخسارة الشركة.
إنَّ خسارة الشركة تعني ببساطةٍ تآكل رأس مالها وقيمتها السوقية، وهذا يُؤكُّد على أنَّ حقوق الشركاء فيها قد بدأت في الضياع، أي أنَّ هؤلاء الشركاء قد انتقلوا إلى حالة تحمُّل الخسائر.
والنظام إذْ هو يحرص على تنظيم مسألة آثار الخسارة على الشركاء، فهو يحرص أكثر على حقوق دائني الشركة.
والسبب يعود إلى أنَّ الشركاء قد قبلوا بالمخاطرة برأس مالهم عندما دخلوا اتِّفاق الشراكة الذي يدور بين النفع والضرر، أمَّا الدائنون فهم أصحاب حقوق على الشركة ويجب أن يَكفَلَ القانون لهم ضماناً لحقوقهم في الوقت الذي تتآكل فيه أموال الشركة في حالة وقوعها في الخسارة.
وهنا علينا التفريق بين نوعَيْنِ من الشركات؛ “شركات الأشخاص” حيث تكون ذمم الشركاء المالية مسؤولة عن ديون شركتهم في جميع أموالهم، وليس فقط الأموال التي سدَّدوها كقيمةٍ مساهمتهم في الشركة؛ مثل شركة التضامن (م/17 نظام الشركات الحالي)، وبين “شركات الأموال” التي يكون فيها المساهم مسؤولاً فقط في حدود قيمة مساهمته في الشركة، فيما تكون الشركة مسؤولةً عن ديونها بقيمة رأس مالها حصراً؛ مثل شركة المساهمة (م/52 نفس النظام).
بالتالي، تكون الخسائر حساسةً جداً على مستقبل نشاط شركة المساهمة؛ وذلك لأنَّ الشركة ممكن أن تُعلِنَ عن إفلاسها ببساطةٍ، ويتمُّ اقتسام موجوداتها من الدائنين قسمة غرماء، فلا يجد كلُّ دائنٍ منهم سوى نسبةً من حقه، قد تكبر هذه النسبة أو تصغر حسب جسامة خسائر الشركة وحجم رأسمالها، فقد لا يحصل الدائن سوى على 10% من حقه في النهاية.
بناءً عليه، فقد تَدَخَّل نظام الشركات الحالي النافذ، وفَرَضَ قاعدةً صارمةً، مفادها اعتبار شركة المساهمة منقضيةً بقوَّة النظام في حال بلغت خسائرها مقدار نصف رأس مالها (م/150 نظام الشركات الحالي).
هذه القاعدة مشروطةٌ بعدم قدرة الجمعية العامة غير العادية لشركة المساهمة على تعديل رأسمالها حتى تقلَّ نسبة الخسائر إلى رأس المال عن 50%، فقد تستطيع الجمعية زيادة رأس المال، وبالتالي تنخفض هذه النسبة، وتحظى الشركة بفرصة ثانية للحياة.
ولكن، وبشكلٍ تامٍّ، فقد ألغى مشروع نظام الشركات الجديد هذه القاعدة، وباتت الإدارة تقوم بأعمالها دون مراعاة مسألة نسبة الخسائر إلى رأس المال، وبالتالي فقد ذهب ذلك السيف المسلط على رقاب إدارة الشركة خوفاً من تراكم الخسائر.
في الواقع، فإنَّ قاعدة نهاية شركة المساهمة بسبب نسبة الخسائر إلى رأس المال كانت قادرةً على فرض حالةٍ من التوازن الإجباري بين الاستثمار والديون في رأس مال الشركة.
فلم يكنْ مدراء الشركة قادرين على القيام بأنواع الاستثمار المغامر أو المعاندة على شكلٍ مُعيَّنٍ من النشاط، حيث إنَّه بمجرَّد بلوغ الخسائر إلى رأس المال نسبة 50% كانت تخرج زمام الأمور من يدهم، وتعود إلى جمعية المساهمين غير العادية.
أمَّا إذا تمَّ إقرار نظام الشركات الجديد على فكرة إلغاء هذه القاعدة، فإنَّ مجلس إدارة الشركة المساهمة سيكون مطلق اليد في رأس مال الشركة، الأمر الذي قد يصل بديونها إلى ما نسبته 100% من رأس مال الشركة دون أن يكون هناك أيَّ إجراءٍ بقوَّة النظام، حيث ستكون سلطة إنهاء الشركة في يد جمعية المساهمين.
وهكذا سيكون أمام الدائنين استغلال نظام الإفلاس في مواجهة الشركة، دون أن يكون لديهم أي امتيازٍ أو ضمانٍ بقوَّة النظام.
مثل هذا الواقع يبدو غير مناسبٍ لبيئةٍ تجاريةٍ مليئةٍ بالمخاطر ورؤوس الأموال الشابَّة، وقلَّة الخبرة الإدارية، وعدم تمكين قواعد الحوكمة بالشكل الأمثل.
لذلك يبدو أنَّ وجودَ ضمانٍ مُحَاْسَبِيٍّ في مواجهة إدارة شركة المساهمة أكثر مناسبةً في الوقت الحالي، لأنَّه يمنع حدوث أزمات مالية كبيرة نتيجة إفلاساتٍ جسيمةٍ في النظام المالي السعودي.
حيث إنَّ القيود التي تكبِّل مجلس إدارة الشركة من المغامرة بأكثر من نصف رأس مالها كانت تلعب دوراً إيجابياً في ضمان استقرار المحيط التجاري.
أمَّا عن فكرة توسع الشركة، فمن الأفضل للشركة زيادة رأس مالها أو قيامها بصفقة اندماج حتى تقوم بتوسيع نشاطها، لا أن تقوم بالاقتراض وتَزِيدُ من مخاطر نشاطها التجاري إلى ما يزيد عن نصف رأس مالها.
وعلى الرغم من ذلك، يمكن لنظام الشركات الجديد أن يُنْشِئَ نوعاً جديداً من شركات المساهمة دون انقضاء الشركة قياساً بخسائرها، وذلك بشرط أن ينصَّ عنوانها التجاري إلى أنَّها عالية المخاطر، ففي هذه الطريقة يمكن للدائنين غير الراغبين بالمخاطرة عدم التعامل مع الشركة عالية المخاطر هذه.
بهذه الطريقة، يكون للدائنين الحقَّ في الاختيار، أمَّا أن يُتِيحَ نظام الشركات لكلِّ شركات المساهمة الاقتراض بكامل رأسمالها، فهذا قد يؤدِّي إلى حدوث أزماتٍ ماليةٍ كبيرةٍ تَعصِفُ بكامل الاقتصاد وليس فقط بجيوب الدائنين.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال