الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بالرغم من وجود ثلاث صناديق استثمار بالمملكة – من ضمن 20 صندوق في منطقة الخليج العربي – تقتنص الفرص في منشآت ناشئة وصلت لمرحلة توصف بأنها “يونيكورن” – أي وصلت قيمتها السوقية إلى مليار دولار – إلا أن استثمارات هذه الصناديق في هذا النوع من الشركات يكون في الخارج لعدم وجود شركات “يونيكورن” محليا.
والسؤال هنا من شقين: الأول، من أين تخرج هذه المنشآت الواعدة وما مدى أهميتها، والشق الثاني هو هل لدينا جامعات يمكن أن يخرج منها مثل هذه المنشآت؟
إجابة الشق الأول من السؤال وفي أبسط أشكاله، من الجامعات ذات التعليم العالي النوعي والبيئة المنفتحة، التي تمكّن طلبتها من البحث العلمي الجريء فتخلق “ايكولوجيا” قوية للابتكار، وهي مسألة ضرورية لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة أن مثل هذه الشركات قادرة على خلق وظائف عالية الجودة للشباب، وتساهم بشكل كبير في جذب الاستثمارات الخارجية، وهذا يوافق ما أتت به رؤية 2030، وبالتعاون مع الأذرع الاستثمارية القوية (المال والخبرة) القادرة على دعم الجامعات في إنشاء منشآت “يونيكورن” (متى ما شعرت بجدية الجامعات في هذا الاتجاه) تعتبر مثل هذه الشركات مصدرا مهما للإيرادات للجامعات لكي تدعمها خاصة في الظروف الاقتصادية الصعبة.
وقبل إجابة الشق الثاني من السؤال، لو نظرنا في الوضع نفسه في الولايات المتحدة – على سبيل المثال – سنجد أنه في غضون العقد الماضي أخرجت 12 جامعة فقط مجموع 97 منشأة ناشئة وصلت لمرحلة “يونيكورن” في متوسط خمس سنوات منذ إنشائها للسوق الأمريكي، 53 منشأة منها خرجت من ثلاث جامعات فقط، وكانت قائمة على مشاريع أبحاث علمية مرتبطة بتقنية المعلومات، أما باقي المنشآت وعددهم 44 فقد كانت منشآت مرتبطة بأبحاث علمية في مجالات مختلفة وخرجت من رحم تسع جامعات أخرى.
لوحظ أن المنشآت المرتبطة بتقنية المعلومات كانت أغلبها نتاج مشاريع أبحاث درجتي الماجستير والدكتوراه بينما التجارية والصناعية في مجالات أخرى كانت غالبيتها نتاج أبحاث طلبة في مرحلة البكالوريوس، ولوحظ أيضا في هذه المنشآت التي تأسست أولا في الجامعات ثم وصلت لمستوى “يونيكورن” في السوق أن من قام على تأسيسها يتمتعون برؤى واضحة وتعلموا في جامعاتهم التنفيذ على أرض الواقع بإشراف أساتذة متمكنين في البحث العلمي وفي جامعات بقيادات ذات وعي اقتصادي ولها ثقلها العلمي والاجتماعي، وتتمتع بموارد وامكانيات كان للتواصل مع المجتمع والشركات الكبرى دور هام في إيجادها خاصة صناديق الاستثمار الجريئة.
وعليه، فالإجابة حول إذا ما كان بالمملكة جامعات قادرة على تخريج منشآت تصل لمستوى “يونيكورن”، فكما رأينا في الولايات المتحدة، ليس بالضرورة أن يكون عدد هذه الجامعات كبير ولا ضرر أو حرج في ذلك، ولدينا أسماء يمكن أن تعمل على هذا النوع من المنشآت – بشيء من التعديلات الفنية في أسلوب عملها خاصة في الانفتاح وتقوية التواصل مع القطاع الخاص – مثل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) التي أثبتت نفسها في وقت قياسي، ودخلت مؤشر أفضل 100 جامعة (ترتيبها الأول على مستوى الشرق الأوسط وشمال افريقيا حسب مؤشر الجامعات الفتية الذي نشرته مجلة Nature في 2019) بسبب أبحاثها العلمية التطبيقية الراقية.
أيضا، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن التي سبقت العديد من الجامعات الكبرى العالمية في عدد براءات الاختراع، وحان الوقت أن تنظر في تسريع عملية تتجير الابتكارات التي يمكن اشتقاقها من هذه الاختراعات، كما أن جامعات أخرى مثل الملك سعود والملك عبدالعزيز يمكن لهما التحرك في مجالات تخصصية أخرى مثل التصنيع الغذائي، مع تمتعها بالعدد الأعلى من طلاب مرحلة البكالوريوس، أو التصنيع الدوائي مع وجود أساتذة متمرسين وطلاب دراسات عليا في هذا النطاق الاستراتيجي.
على الأقل من جامعة واحدة إلى أربع جامعات بالمملكة (الملك عبدالله “كاوست”، الملك فهد “البترول” ، الملك سعود، الملك عبدالعزيز) لديها القدرة على الدخول في هذا المضمار وقادرة على المحاولة ومن ثمّ المنافسة متى ما وظفت الموارد في هذا التوجه.
كما أن الدخول في هذ المجال هو تحضير للمستقبل، فمعايير جودة الجامعات في المستقبل القريب ربما يضاف إليها معيار تخريج المنشآت الناشئة القائمة على الأبحاث العلمية وخاصة التي تصل قيمتها إلى مليار دولار أو ما يسمى بمنشآت “يونيكورن”، مما سيغير من مراكز الجامعات على قوائم المنافسة، بل وربما يقلل من عدد المعترف بها مما يضطرها للخروج وللأبد، فعالم جامعات الغد مختلف والمنافسة فيه ستكون قاسية جدا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال