الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في الوقت الحاضر، نجد أن التطور التشريعي يسابق الزمن، ولكن لازلنا نعاني من بطئ في النضج التطبيقي لمثل هذه التشريعات والاستراتيجيات مما يقودنا الى فقدان الثقة في قدرة المؤسسة على تحقيق الأهداف الرئيسة التي انشئت لأجلها. ومن وجهة نظري، تحقيق المصداقية والثقة من قبل أصحاب المصلحة في قدرة المؤسسات لتحقيق أهدافها هي أحد أهم التحديات التنظيمية التي تواجه المؤسسات بشقيها العام والخاص، لانه غالبًا ما يكون الالتزام بإطار قانوني قائم غير كافٍ لضمان شرعية التصرفات، حيث أن الكمال أمر يستحيل الوصول إليه. وبالتالي، الثغرات الموجودة في القوانين واللوائح تجعل أي إطار تنظيمي يكون غير مكتمل.
وهذا الامر يستدعي معالجة ما وراء نص القانون أو اللوائح لأعمالها وجعلها تُطبق بشكل فعال وعملي يحقق أهداف المنشأة والازدهار الاقتصادي. كما أشرت في المقال السابق، أن هناك مؤسسات يوجد بها لوائح حوكمة ممتازة، لكنها لازالت تعاني من مشاكل ادارية وخسائر مالية و صعوبات في تحقيق الأهداف المرجوة. يمكن سد هذه الفجوة جزئيًا على الأقل من خلال دراسة أعمق للقضايا الأخلاقية في الممارسة العملية. وبلغة القيادة و الإدارة التنظيمية ، يمكننا إطلاق مصطلح “إدارة الأخلاق” أو “ادارة النزاهة” لتكوين إدارة تساهم في خلق اقتصاد أفضل وسوق حر من التعقيدات والإجراءات التي تعيق تحقيق أهداف المؤسسة. لذلك لابد من طرح تساؤلات تتعلق باحتياج كل مؤسسة على حدى، وفقاً للمشاكل الاخلاقية التي تعيقها عن تحقيق اهدافها، والسؤال دائما يجب ان يبدأ “كيف يمكن مواجهتها”.
المختصين في الإدارة اتخذوا نهجين في ذلك. النهج الأول، يطرح السؤال حول كيفية مواءمة أنشطة إدارة الأخلاقيات في المنظمات: عن طريق تطبيق الالتزام.
ويمكن تعريف الالتزام من منظور قانوني بحت، بأنه هو منع سوء السلوك الإجرامي من خلال تلبية متطلبات القوانين واللوائح القائمة. وهذا يعني، ان الالتزام هنا بالقوانين و اللوائح التي سنتها المؤسسات التشريعية و التنفيذية. وهذا ما جاء في النظام السعودي ايضا، حيث عرفت هيئة سوق المال مصطلح الالتزام، بأنه “ممارسة أنشطة أعمال الأوراق المالية المرخص فيها و المصرحة بما يتفق مع نظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية المتعلقة بعمليات الأشخاص المرخص لهم”. على النقيض من ذلك ، فإن نهج النزاهة يهتم بتأسيس إدارة أخلاقيات المؤسسة والمبنية على القيم والالتزامات التي يجب أن يتبناها جميع الموظفين باختلاف مراكزهم وفقا للائحة الأخلاق والسلوك المهني التي تعدها المؤسسة. وإحدى الوسائل التي تضمن تطبيق هذه اللوائح هي استباق وقوع العاملين بمخالفة القواعد الأخلاقية المهنية من خلال إدراج الأسئلة الأخلاقية التي تتبناها اللوائح الداخلية والخارجية عند مراجعة القرارات التنظيمية التي تصدر بشكل يومي.
اعتقد ان البعض بعد انتهائه من قراءة نهج النزاهة، تبادر الى ذهنه بأن هذا تنظير ولا يمت للواقع بصلة. وانا ايضاً ارى ان التطبيق العملي اصعب بكثير من مجرد كتابة بعض الجمل عن تعزيز النزاهة في المؤسسات، ولكن اكررها مره آخرها، هذا الأمر صعب وليس مستحيل. إذ أن عملنا هنا وضع الأهداف، والبحث عن الأدوات المناسبة التي تحقق لنا هذه الأهداف. وهدفنا هنا هو تحقيق النزاهة الداخلية في المؤسسة لتطبيق لوائح الحوكمة التي تعيد ثقة أصحاب المصلحة بقدرة المؤسسة لتحقيق أهدافها. التركيز يجب أن يكون من خلال التبصر حول كيفية قيام الشركات بتنفيذ أداة مصممة لتوجيه السلوك الأخلاقي – سواء كان هذا السلوك يتعلق بالالتزام لتنفيذ اللوائح الخارجية أو القواعد الداخلية. وهكذا تنهار فكرة أن دمج النزاهة مع الالتزام هو مجرد افتراض نظري، اذ انه يمكننا رسم خطة عملية تتناسب مع ظروف المؤسسة الداخلية و الخارجية لتطبيق عملي للالتزام والنزاهة. و لدمج هذان المعياران نحتاج الى وسائل مختلفة، أحد هذه المعايير هي معايير المساءلة والتي تعتبر أدوات لتحويل القواعد الأخلاق والسلوك المهني إلى الممارسة واقعية. لسوء الحظ ، غالبًا ما يتم تقديم هذه المعايير بطريقة غير واضحة للمؤسسة الى حدٍ ما، مما يؤدي إلى الارتباك والشك حول إمكانيات وقيود استخدامها. ونتيجة لذلك ، ينشأ عدم اليقين بشأن مدى الدعم الذي يمكن أن توفره معايير المساءلة لتشكيل نهج الالتزام و النزاهة تجاه تطبيق عملي للأخلاق المهنية والتي تضمن تحقيق أهداف المؤسسة. وينطبق الشيء نفسه على على مدى فعالية تحويل إدارات الالتزام والمخاطر الى إدارات الالتزام و المخاطر والنزاهة، وهذا ما سيتم مناقشته في المقال القادم.
الهدف من الحديث عن تحويل إدارات الالتزام من مجرد تطبيق اللوائح والانظمة الخارجية، الى إدارات الالتزام والنزاهة، هو أنه في ظل رؤية ٢٠٣٠ و خطة التحول الوطني، تحتاج جميع المؤسسات سواء كانت في القطاع العام أو في القطاع الخاص الى مثل هذه الإدارات، ويجب عدم حصرها على المؤسسات المالية وبعض الشركات الكبرى. فمثل هذه الإدارات، سيكون لها دور مهم لتحقيق أهداف الرؤية بشكل اساسي، و التركيز على استغلال الجهود المبذولة بشكل فعال من خلال تطبيق الأنظمة و اللوائح الداخلية الخاصة بالمؤسسة ذاتها او الخارجية التي تصدرها سلطات الدولة مما يكفل الاحتراف المهني في اداء العمل، تحقيق أهداف أصحاب المصلحة من المؤسسة، واخيراً، خلق بيئة اقتصادية، وبيئة اعمال مريحة سواء للاستثمار الداخلي او الاستثمار الخارجي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال