الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
منذ أعلنت السعودية مبادراتها ضمن رؤية 2030 في إبريل 2016، رفعت سقف الطموحات لدى المواطن السعودي، وأخضعت كل أنظمتها وتشريعاتها وقوانينها لمراجعة عامة وأعادت النظر في الكثير منها، وهي التي كانت تشكل عائق لتحقيق رؤيتها ونظرتها المستقبلية، خاصة وان برنامج الرؤية يهدف بالدرجة الأولى إزالة كل المعوقات التي كانت تقف في طريق تقدم اقتصادها، وعالجت الكثير من الخلل وغيرت وبدلت واتخذت الكثير من الإجراءات من أهمها معالجة إهدار المال العام وملاحقة التكسب الغير مشروع.
ومن القضايا التي كانت تعيق تحسن اقتصادها، كان موضوع إغراق سوق العمل السعودي بعمالة متعددة الجنسيات بشكل عشوائي وفوضوي، وغير منظم، ومع هذه الفوضى انعكست سلبا على الأرقام الحقيقية لاقتصادها، ومن الموضوعات التي أقلقت الجهات الحكومية، وهو عمل الكثير من الوافدين الذين يحملون إقامات نظامية انهم يتسربون للعمل في أماكن أخرى غير الكفيل الذين جاءوا تحت كفالته، بحثا عن الرزق أو فرص افضل، وكل هذا كان يتم في الخفاء نظرا للعقوبات المغلظة التي تقرها الجهات الحكومية وتدفع العامل والمؤسسة التي يعمل فيها بدفع غرامات ومالية وربما تتسبب في تعطيل المؤسسة وإيقافها، نظرا لهذه المخالفة.
ورغم التشريعات والتعليمات العديدة التي أقرتها سلطات العمل، إلا أنها لم تضبط بشكل مناسب نستطيع أن نقول أنها اختفت فهي موجودة في الخفاء ودون علم الجهات الحكومية . واكثر من مرة منحت الجهات المختصة فرصة لتعديل الوضع وتصحيحها، من خلال مبادرة حملة “وطن بلا مخالف” وكان أخرها في 2017 استمرت 4 أشهر، ما يعني أن هذا الموضوع كان يشكل قلقا كبيرا ويؤثر على النشاط الاقتصادي، وسوق العمل، من ناحية فرص العمل كانت متاحة للوافد بينما كانت تعيق إجراءات نقل الكفالة والرسوم العالية، وهذه كانت ترهق القطاع الخاص، ما أدى الى ظهور حالات عديدة، ونشأت من خلال هذه الظاهرة وخاصة من بعض الكفلاء في حال منح عمالتهم تأشيرة أو تنازل في المساومة بالحصول على مبالغ عالية مقابل نقل الكفالة.
يقول الكاتب السعودي خالد المعينا نشره في أواخر إبريل 2017 في صحيفة مكة، في مقال بعنوان حان الوقت لمعاقبة الكفلاء “أن بعض الكفلاء الذين تحجرت قلوبهم من طلب المزيد من الأموال من الوافدين لتجديد الإقامة أو عمل تأشيرة خروج وعودة والا قاموا بتسفيرهم أو تسليمهم الى مراكز الوافدين أو الإبلاغ عنهم بالتغيب عن العمل “هروب” وهي تهمة تجعل من الوافد شخصا مخالفا في المملكة بشكل غير قانوني، ويقول أيضا أن الإنسان يشعر بالاسى والأسف خاصة للوافدين الذين بقوا بين ظهرانينا لسنوات طويلة تزيد عن 30 عاما وفجأة يجدون انفسهم أشخاصا غير مرغوب فيهم وعليهم المغادرة أو تحمل التبعات.
إذا افترضنا أن نظام “الكفيل” المعمول به في السعودية منذ نحو خمسة عقود، أنها كانت أحد التجارب لمعرفة انعكاساتها على سوق العمل وتأثيراتها على اقتصاد البلد، فما هو التقييم المتوقع لهذا النظام، وهل يمكن أن نعتبره نظاما ناجحا حقق الهدف المطلوب، ما يجعلنا نستمر فيه ونتمسك به ونتقدم لسنوات أخرى ونعتبره أحد الحلول المناسبة لمستقبل عمل الوافدين. إذا كانت الجهات الحكومية ترى انه حقق لها رؤيتها وأهدافها، فماذا خسر الاقتصاد السعودي من نظام الكفيل بعد خمسة عقود؟
بعد هذه العقود يمكن أن نلخصها في التالي: نشطت سوق الاتجار بالبشر، إغراق السوق بالعمالة الرخيصة والأمية، هروب العمالة من كفلائها والعمل في أماكن أخرى، التستر التجاري، ظهور جرائم جديدة، سوق سوداء للتأشيرات، إفساد سوق العمل، وفتح باب الرشاوي في الإدارات والمؤسسات الحكومية والأهلية للتجديد أو نقل الكفالة بطرق غير مشروعة، وهناك طابور طويل من السلبيات التي انعكست على الاقتصاد السعودي.
وحسب تقرير وزارة التجارة بين أن هناك ثروات طائلة يتم تحويلها إلى الخارج تخطت الـ 140 مليار ريال “30 مليار دولار” في السنة، ففي ذلك عملية سحب للسيولة من السوق تسهم بأضرار اقتصادية كبيرة، هذا فضلا عن كونها ضارة بالتجارة الداخلية لوجود منافسة غير شريفة من قبل الوافدين مع السعوديين. وبالنسبة لحالات التستر التجاري تشير الإحصائيات الأخيرة لوزارة التجارة أن قطاع المقاولات يحتل نسبة 43 في المائة من قطاعات التستر التجاري ثم السلع الاستهلاكية 19.2 في المائة والتجارة العامة 16 في المائة والسلع الغذائية 8 في المائة وأعمال أخرى 15.8 في المائة، ويحتل العرب المرتبة الأولى في ممارسة الأنشطة التجارية بواسطة التستر التجاري بنسبة 50 في المائة ويليهم الأسيويين وبنسبة 28 في المائة.
فالسؤال الذي يفرض نفسه، هل بعد كل هذا نتمسك بنظام “الكفيل”، لقد شوه سمعتنا في جمعيات حقوق الإنسان، ووضعنا في قائمة المشبوهين في الاتجار بالبشر، وقضى على الأخضر واليابس من اقتصادنا، واسهم في تحويل عملاتنا المحلية الى الخارج، كيف لم تتيقظ الجهات المعنية الى كل هذه المشاكل بل إنها تحملت الكثير من اجل أن تثبت لنا أن نظام الكفيل هو الاضمن والأصلح.
وبالفعل عملت السلطات المختصة على تخفيف القيود ومنح صلاحيات أكثر للعامل الوافد، وحاولت وتسعى الى تحرير الاقتصاد وأيضا تعديل وإعادة التشريعات المتعلقة بسوق العمالة الوافدة. واليوم حينما تتخذ السلطات السعودية قرارها بإلغاء الكفيل فهي تدفع الى الأمام لتحسين اقتصادها، وسوف تختفي معها، الكثير من التعقيدات التي كانت وضعتها سلطات العمل، من نطاقات وتحمل مصاريف إضافية على الكفيل أو تعطل مصالحه إن كانت في النطاق الأحمر، وهذا الإجراء ليس جديدا، فقد سبق أن طبقت السعودية تجربة منح الإقامة بدون كفيل على العمالة اليمنية وبقيت الى قبل عام 1990 حيث فرضت بعدها ضرورة أن يجد العامل اليمني كفيل سعودي له.
واذا ما نظرنا الى هذه التجربة ونقيمها، نجد أن العامل اليمني لم يكن عبئا ، بل مارس الأنشطة التجارية وعمل في مجالات كان يجيدها مثل المطاعم والنقل والأعمال المهنية والحرفية والأنشطة التجارية التي لم تكن منافسة للوظائف السعودية حينها، الفوائد التي ستتحقق من إلغاء الكفيل هو تخفيف الأعباء على التاجر السعودي من نفقات ومصاريف تجديد وغيرها وتفتح سوق العمل للمنافسة، وربما ضبطت الكثير من الانفلات، ويحتاج أن تضبط الجهات المختصة بحيث تحديد الأنشطة التي تمكن الوافد العمل فيها وتمنع توظيفه في مجالات يتوفر فيها العامل السعودي، وبالتالي نقنن دخول العمالة الغير مهنية والغير مدربة، وأيضا تعطي العامل الوافد حرية فرصة العمل في اكثر من مكان بدون تغيير الكفيل ويتحمل هو تسديد ما يترتب من رسوم للجهات الحكومية.
هذا الإجراء اعتقد سيعيد تصحيح مسار سوق العمل، ويحسن صورتنا في الخارج ولدى المنظمات الحقوقية، وسوف يكون يوم تاريخي للاقتصاد السعودي حينما نودع الكفيل ونحرر الكثير من المؤسسات التي كانت في النطاق الأحمر وتعطلت مصالحها بسبب العامل الوافد تحت كفالتها. نحن أمام تحول مهم للاقتصاد السعودي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال