الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لم يصدر قرار إلغاء الكفالة بعد إلا أن صحيفة مال محل ثقة الجميع ، وما كشفت عنه – بتفرد – من توجه المملكة إلى إعلان إلغاء إشتراطات الكفالة للعاملين الوافدين لقي أصداء واسعة داخليا وإقليميا ودوليا. هذه الأصداء غير مستغربة كون المملكة تعد من الوجهات العالمية الجاذبة للعمالة من مختلف الأقطار والأعراق تخطت نسبة المقيمين فيها 30% من عدد السكان، ولأن مبدأ الكفالة نفسها أرتبط بتفسيرات جانحة منفصلة عن الواقع وبقيت محل جدل لعقود.
ما يلاحظ أن جزء كبير من الآراء والتعليقات على القرار المرتقب ذهب بعيدا إلى جوانب حقوقية وإنسانية تمس العمالة المقيمة بالمملكة من وجهة نظر أصحاب هذه الآراء. فهم القرار تحت تأثير مفاهيم البعد الحقوقي كان على حساب الموضوعية والحيادية في فهم واقع سوق العمل السعودي وواقع السكان المقيمين بالمملكة. إذا تجاوزنا التسمية وما ألحق بها من وصف، نظام الكفالة معمول به عالميا وإن أختلف في تطبيقاته وإشتراطاته، فالدول لها إشتراطاتها وقيودها الخاصة للعمالة الوافدة، بل أن بعض الدول تشترط وجود كفيل محلي حتى للحصول على تأشيرة السياحة.
المملكة ليست بدعا من الدول، ولإنها مهوى كثير من الباحثين عن العمل لديها قلقها المشروع حيال دخول وخروج وإقامة الوافدين. عبر عقود مضت لم تكن بيئة العمل لدينا على قدر كبير من التنظيم ولم تكن محروسة بهذه السياجات التنظيمية والتنفيذية والإمكانيات الخدمية والتقنية التي نشهدها اليوم، ولملء هذا الفراغ ألقت الدولة بالمسؤولية على صاحب العمل كتكليف لا كإمتياز ومن هنا ظهر مصطلح (الكفيل) وما ترتب عليه من مسؤوليات أدت بطبيعتها لوجود حالة من التراتبية بين صاحب العمل والعامل جعلت لصاحب العمل اليد العليا وقيدت إلى حد كبير الخيارات الشخصية للعامل. والحقيقة الراسخة أن هذه العلاقة الخاصة وما ألحق بها من وصف لم تسقط أيا من الحقوق الأساسية للعمال والمقيمين الذين تمتعوا بكامل الحقوق المدنية والرعاية التي حصل عليها السكان من المواطنين.
ولأن المملكة تشهد ثورة إصلاحية كبيرة وملموسة في مجالات شتى، كان تنظيم بيئة العمل ورفع جودة حياة المقيمين ضمن أولويات المملكة التي أعلنت عنها في مشاريعها التطويرية. سوق العمل والعلاقات العمالية في الواقع من أكثر الجوانب إضطرابا وأكثرها حاجة للتصحيح والتحديث. تكمن الحاجة في ضرورة رفع الأعباء التي أثقلت بها كواهل أصحاب العمل من تبعيات الكفالة، إضافة إلى إعادة توازن الفرص والتنافسية بين العمالة الوطنية والعمالة الوافدة بعد أن منحت قيود الكفالة أصحاب العمل امتيازات كبيرة على العمالة الوافدة جعلت لهذه العمالة الأفضلية على الكوادر الوطنية.
المتأمل بحياد يتضح له أن نظام الكفالة بما أثير حوله ، وبما له من سلبيات لا يمكن مغالطتها، هو أمر تنظيمي صرف نتفق ونختلف حوله ، نجح هذا التنظيم في حقبة زمنية ولم يعد صالحا لزماننا ومكاننا . مع وجود منظومة تشريعية متكاملة وقطاع خاص مؤهل لتقديم خدمات متنوعة، وبنية تحتية تقنية صلبة، انحسر دور الكفيل وأصبحت العلاقة العقدية – بدلا من كفيل ومكفول – هي الخيار الأفضل والممكن لكل الأطراف. إستدعاء الجوانب الإنسانية والحقوقية في إشارة ضمنية لعودة حقوق لم تسلب أصلا هو – بقصد أو بدون قصد – إساءة للمملكة وفهم مغلوط لحيثيات ومبررات القرار ونشأة العلاقة العمالية عبر مراحل زمنية مختلفة الظروف.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال