الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يقول البدو الرحل المتعايشون مع طبيعة الصحراء وقسوتها “الرزق بأطراف العجاج” وترجمتها اقتصادياً هي (تحويل التحديات إلى فرص). وهكذا يمكن وصف أداء الميزانية العامة للدولة التي أعلنت الأربعاء نتائجها لتسع أشهر ماضية غطت سبعاً منها غيوم جائحة كورونا، وتبعاتها القاسية والمخيفة التي روعت العالم.
واستعراض بسيط لأرقام الميزانية يكشف التعامل الحصيف والواعي من وزارة المالية، فعلى الرغم من ظروف تراجع أسعار البترول عالمياً إلى بحر العشرينات قبل منتصف العام؛ فقد بلغ إجمالي الإيرادات 541.5 مليار ريال لفترة التسعة أشهر حيث شكلت الإيرادات النفطية 317 مليار ريال منها، بينما بلغت الإيرادات غير النفطية 224.5 مليار ريال (بزيادة 63%).
بحسب إعلان وزارة المالية؛ فقد بلغ الإنفاق الحكومي 726 مليار ريال، وهو ما يعني إن الحكومة قد غطت الفرق (العجز) الذي بلغ 184 مليار ريال من خلال الاقتراض بتمويله بإصدارات الصكوك المحلية والسندات الدولية، بعد أن خلقت خلال السنوات الماضية سوقاً محلية للديون بالإضافة إلى جذب المستثمرين من مختلف دول العالم إلى الإصدارات بنوعيها المحلي والدولي.
كما أظهرت البيانات الحالية زيادة في الإنفاق للصرف على القطاع الصحي لمواجهة آثار كورونا، وتمويل حزم التحفيز الاقتصادي، وتحمل رواتب العامين في القطاع الخاص المتأثرين بالأزمة.
من خلال هذه القراءة نستطيع أن نستشف ثلاث محاور حول الميزانية العامة للدولة كانت قد منحت وزارة المالية المرونة الكافية للتعاطي مع ظروف الأزمة، وهي:
• أولاً: ضبط النفقات الحكومية من خلال برامج وزارة المالية التي ركزت على تطوير الإجراءات الخاصة بالمشاريع، والذي أدى بدوره إلى التركيز على المشاريع ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي وذات الأثر المباشر على المواطن والتنمية.
• ثانياً: نجاح برامج مكافحة الفساد التي وفرت على الدولة مليارات الريالات، والتي تتضح من خلال حجم القضايا المعلنة التي كشفت خلال العام الحالي على الأقل، فضلاً عن أثر ذلك في وقف محاولات (سرقة) المال العام الذي أصبح تحت نظر (العيون الساهرة في الهيئة الوطنية للرقابة ومكافحة الفساد) والتي تحظى بمتابعة شخصية من ولي العهد حفظه الله.
• ثالثاً: وجود نظام ضريبي فعال ومرن تم تطبيق تعديلاته في ظرف أيام نظراً لوجود البنية التشريعية والقانونية والتقنية اللازمة. فقد ساهم تطبيق ضريبة القيمة المضافة الجديدة في تحقيق هدفين مهمين للدولة، الأول حماية مخزون العملة الصعبة لتغطية الواردات، وهو الذي أعطى الأسواق طمأنة مهمة بالنظر لأثر ذلك على الاستقرار الاقتصادي والمالي، قابل ذلك استثناء القطاع العقاري والسكني من ذلك من خلال ضريبة التصرفات العقارية (5%)، والثاني هو توفير سيولة بيد الدولة للإنفاق الإضافي على المتطلبات الاجتماعية الضرورية.
لذلك يتضح أن الحكومة بكافة أجهزتها قد نجحت في التعامل مع آثار الجائحة مالياً، خلال نفس الوقت الذي تنجح فيه في مواجهتها صحياً واجتماعياً، وزادت عن ذلك في إلهام دول مجموعة العشرين (من خلال الرئاسة السعودية) بشأن الكثير من البرامج والمبادرات التي حمت الاقتصاد العالمي من أثر لا يمكن تصوره للجائحة.
بقي أمر آخر لا يمكن تجاهله خلال أزمة كورونا وهو تأكيد الحكومة على استمرار الصرف على المشاريع العملاقة (بوابة الدرعية – نيوم – القدية – البحر الأحمر – العلا) باعتبارها أهم المصادر التي يعول عليها في صناعة الاقتصاد السعودي الجديد، بالإضافة إلى انطلاق صندوق الاستثمارات العامة في تعزيز (المحفظة الاستثمارية) خلال الجائحة والذي تضمن الحصول على حصص في شركات عالمية في مختلف دول العالم.
من ذلك نصل إلى حقيقة أن الحكومة تعاملت مع أزمة كورونا على محورين في الوقت نفسه، يمكن أن نصف الأول بـ (التصدي) باعتبار ذلك الهدف الأساس والمعلن بشكل رسمي من خلال الإنفاق على القطاعات الصحية والاجتماعية، ورفع مستوى الجاهزية في كافة القطاعات ذات العلاقة، والثاني بـ (الاستثمار) وهو العمل على استثمار تبعات الأزمة وتحدياتها لتكون فرص استثمار مستقبلية تحقق المستهدفات المالية والاقتصادية لرؤية المملكة 2030 والمتمثلة في تحقيق التوازن المالي المطلوب.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال