الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل رئاستها لمجموعة العشرين، طرحت المملكة مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون. تهدف المبادرة لأن تكون مكونا رئيسيا في تحول الطاقة ضمن مجموعة من المبادرات المتنافسة والمتكاملة، كمبادرة الاقتصاد الأخضر الاوربية، لاقتصاديات منخفض الانبعاثات؛ وليس لاقتصاديات منخفضة الكربون يتم فيها التحول عن الوقود الهيدروكربوني لصالح منظومة الاقتصاد الأخضر، أي الالواح الشمسية وطاقة الرياح والبطارية الكهربائية. فلا يجب التفريق بين منظومات الطاقة المختلفة إلا على أساس مبادئ الاستدامة والمنافسة عن طريق الأسواق الحرة. تشمل الاستدامة التوازن بين مكونات ثلاثة وهي المحافظة على التوازن البيئي والمحافظة على تنوع الحياة على وجه الأرض، والنمو الاقتصادي الشامل لجميع الدول، وتعزيز كلا من الرفاه والسلم الاجتماعيين. فالسؤال الاهم هو كيف يمكن أن يكون تحول الطاقة مستداما وسط عدم اليقين بقدرة منظومتي الطاقة الحاليتين على استيفاء شروط الاستدامة الثلاثة. الحل يكمن في تبني الاقتصاد الدائري للكربون والذي يعد بكبح انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون باستحداث نموذج اعمال جديد لمنظومة الوقود الهيدروكربوني، ومن ثم جعل كلا المنظومتين مكملتين لبعضهما حتى يكون تحول الطاقة مستداما.
منظومة الاقتصاد الأخضر منفردة لا تحقق شروط الاستدامة بشكل تام. أذ لا تستطيع منظومة الاقتصاد الأخضر أن تحقق منفردة تحول الطاقة المستدام. فمثلا، يعتمد تصنيع تكنولوجيات الالواح الشمسية وتوربينات الرياح والبطارية الكهربائية بشكل جوهري على سلاسل توريد المعادن بشكل مكثف، وكذلك على بعض المعادن ذات مستوى النضوب المرتفع. فمعدل استخراجها المطلوب ومعدل تدوير المعادن الحالي لن يفيا بالحياد الكربوني في عام 2050. كما أن احتياطات بعض المعادن، كالليثيوم والكوبالت ومجموعة معادن الأرض النادرة، لن تفي بالتحول التام نحو منظومة الاقتصاد الأخضر. كما أن سلاسل توريد المعادن ذات مستوى مخاطر جيوسياسية مرتفعة، لتركز احتياطاتها في بقع جغرافية محدودة.
بالإضافة لذلك، فإن جداراتها التكنولوجية غير موثوقة. فبدون ابتكار “فعّال” ومُؤَثِّر في تكنولوجيات خزن الطاقة، لن تستطيع تكنولوجيات الالواح الشمسية وتوربينات الرياح، ذات طبيعة التوليد المتغيرة، منفردة تحقيق موثوقية الشبكة الكهربائية. فمع انعدام أي حل ثوري لخزن الطاقة في الأفق المنظور، فإن منظومة الاقتصاد الأخضر لا بد أن تتكامل مع منظومة الوقود الهيدروكربوني. لذلك لن يكون مبررا كهربة قطاع النقل بالسيارة الكهربائية الا إذا كان قطاع توليد الكهرباء ذو انبعاثات صفرية. من جهة أخرى، تستطيع منظومة الاقتصاد الأخضر ان تكون مستدامة بشكل أكبر إذا ما خضع نموذج اعمالها لمفهوم الاقتصاد الدائري. إن الاستئثار بمزيج الطاقة العالمي من قبل منظومة الاقتصاد الأخضر سيكون مضرا للاقتصاد العالمي، وكذلك سيحرم الأجيال القادمة من الاستفادة من التدفق السلس لسلاسل توريد المعادن المقيدة بشكل مكثف في تكنولوجيات الاقتصاد الأخضر.
في الجهة المقابلة، لا تستطيع منظومة الوقود الهيدروكربوني بنموذج اعمالها الحالي الذي يقوم على احراق الوقود الهيدروكربوني لإنتاج الطاقة، وإطلاق انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في نفس الوقت، الإيفاء بشرط الحياد الكربوني. فمواصلة ذلك تعزيز لتهديد التغير المناخي. الحل يكمن في تغيير نموذج اعمال استهلاك الوقود الهيدروكربوني بتبني الاقتصاد الدائري للكربون. ففي قطاع توليد الكهرباء، يكمن الحل في تدوير ذرة الكربون في الاقتصاد عن طريق تكنولوجيات حجز الكربون، واستغلال الكربون في مناح أخرى ذات قيمة مضافة في الاقتصاد. أما في قطاع المواصلات، فلا بد من توأمة تكنولوجيات حجز الكربون واستغلال الكربون مع استخراج الهيدروجين من النفط وكذلك الاشتقاق المباشر للكيميائيات من النفط. فالغرض من تطبيق الاقتصاد الدائري للكربون في منظومة الوقود الهيدروكربوني هو تعزيز شروط استدامتها بكبح انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.
بالإضافة لانكفاء الطلب على الوقود الهيدروكربوني، فمحصلة عملية استبدال أنواع الوقود الهيدروكربوني غير المستدامة هي انكماش الاقتصاد العالمي، وتوقف عملية توسع الطبقة المتوسطة العالمية، مما يلقي ضلالا من الشك على منفعة الأجيال القادمة من عملية التحول لمنظومة الاقتصاد الأخضر واستدامتها. الحل يكمن في تغيير نموذج اعمال منظومة الوقود الهيدروكربوني بتبني نهج الاقتصاد الدائري للكربون. بداية الحل هي تطوير تكامل تكنولوجيات الاقتصاد الدائري للكربون عن طريق عملية الابتكار التكنولوجي، لكي تصبح فعالة وجاهزة لمواجهة تحدي الحياد الكربوني. مستقبل مزيج الطاقة العالمي سيكون بتكامل المنظومتان على أساس شروط الاستدامة ومنافسة الاسوق. لذلك، فإن تطبيق الاقتصاد الدائري للكربون سيكون ضروريا لاستدامة مستقبل مزيج الطاقة العالمي وتحول الطاقة منخفض الانبعاثات نحو الحياد الكربوني في عام 2050.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال