الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عودة سيكولوجيات اسواق النفط الإيجابية مع التوقع بارتفاع الطلب مع اخبار نجاح اكتشاف لقاح لجائحة كورونا من أكثر من جهة بحثية، له ما يبرره على المدى المتوسط والبعيد. إلا أن تعافي الطلب لن يكون سريعا وقد يتقلص مجددا قبل ان يبدأ برحلة التعافي المنتظرة، وهذا ما شددت عليه كلا من منظمة الطاقة العالمية واوبك في نشرتيهما الإعلاميتين الأخيرتين. هنالك جملة عوامل أخرى ملازمة لمنحنى تعافي الطلب على النفط قد تؤثر في توازن العرض والطلب. لذلك هنالك ضرورة لتعديل اتفاقية أوبك بلس بشكل أكثر مرونة باستيعاب هذه العوامل ومساعدة الاسواق على اكتشاف السعر العادل. فهل ستتمكن أوبك بلس مواصلة التنسيق بين أعضائها للمحافظة على موثوقية أسواق النفط على المدى البعيد وتجنب التصرفات قصيرة النظر؟
هدف تدخل أوبك في سوق النفط هو لاكتشاف السعر العادل
لا بد من التنويه بان تدخل أوبك واوبك بلس في الأسواق يهدف بالمطلق الى توازن العرض والطلب، ومساعدة السوق على اكتشاف السعر العادل، فالسعر المبالغ به سيؤدي الى نتائج غير مأمولة على المديين المتوسط والبعيد. من جهة أخرى، قدرة على التأثير في أسواق النفط ليست مطلقة ومحدودة بطبيعة الطلب على النفط وهو المحرك الرئيسي للأسواق، وكذلك القدرة على تعديل الإنتاج عن طريق نظام الحصص والسعة الفائضة. حتى ما قبل جائحة كورونا، لا يزيد انتاج دول أوبك عن حوالي 35% من انتاج النفط العالمي لكنها تصدر ما نسبته 55% من مجموع صادرات النفط. تملك أوبك منفردة سعة إنتاجية فائضة تقدر بمليونين ونصف المليون برميل يوميا. كان انضمام دول من خارج أوبك لنضام حصص أوبك لتأكيد تحمل المصدريين الرئيسيين من خارجها مسؤولية تماسك الأسواق المشتركة وسط صعود انتاج النفط غير التقليدي وتجنب تخمة العرض. إذا ما أضيفت أوبك بلس فأن الإنتاج الكلي يزيد عن نسبة ال50% من مجموع الإنتاج العالمي.
ففي حال ارادت أوبك، مثلا، دفع الأسواق لاكتشاف سعر مرتفع غير عادل عند ارتفاع الطلب بحجب الإنتاج، فان النتيجة على المديين المتوسط والبعيد ستكون سلبية على الأسواق. فالسعر المرتفع غير العادل سيدفع المنتجين الحديين من خارج أوبك للاستثمار في توسعة الإنتاج والاستكشاف والتكنولوجيا الموجهة لتقليل التكلفة الحدية لبرميل النفط، وبالتالي اقتناص حصة أوبك بالإضافة الى حصة النمو على الطلب. كما سيزيد من جاذبية بدائل النفط والاستثمار في كفاءة الطلب. في الجانب المقابل، فان حرب الحصص، التي تحدث غالبا عندما يكون نمو الطلب على النفط اقل بكثير من نمو العرض، ستؤدي الى تخمة سوقية، ليست من مصلحة المنتجين او المستهلكين على المديين المتوسط والبعيد، حيث سيحجم المنتجين عن الاستثمار توسعة الإنتاج والاستكشاف والتكنولوجيا. وفي كلا الحالتين فان دورة سعر النفط الاقتصادية ستزداد عمقا. لذلك فالسعر غير العادل ليس من مصلحة أوبك او المستهلكين. في النهاية، تحدد قوى العرض والطلب توازن السعر، فالقرارات الراديكالية تؤثر مؤقتًا على سعر النفط وتؤثر سلبا على موثوقيته.
الملمح الرئيسي لأوضاع أسواق النفط الراهنة واتفاق أوبك بلس الاخير
مع اجتياح جائحة كورنا جميع ارجاء المعمورة، اتخذت دول العالم إجراءات احترازية لاحتوائها. بسبب طبيعة طريقة انتقال عدوى جائحة كورنا الشديدة عن طريق العوالق الجوية المندفعة من الافراد المصابين نحو الافراد المحيطين، اتخذت إجراءات وقائية بين الافراد، وأحيانا عزليه، أدت لحد كبير لتقليص متباين للأنشطة الاقتصادية المختلفة. مع موجات الانتشار المكثف للجائحة، لجأت معظم الدول لإغلاقات مؤقته على نطاق واسع للنشاطات الاقتصادية التي تفضي الي تعزيز انتشار الجائحة. أدى محصلة تقليص الانشطة الاقتصادية الى التأثير المباشر على قطاع النقل بأشكاله المختلفة (البري والجوي والبحري) والذي يعزى له النصيب الأكبر من استهلاك النفط (حوالي 65% من استهلاك النفط). حيث انخفض استهلاك النفط خلال موجة الانتشار المكثفة للجائحة في شهر ابريل بنسبة 25% و20% في شهر مايو واستقر على نسبة 10% حتى ما قبل الموجة الشديدة الحالية. مع الموجة الجديدة لجائحة كورنا في النصف الشمالي للكرة الأرضية، قد تتكرر اغلاقات الاقتصاد مجددا.
لموازنة أسواق النفط، اتفقت مجموعة دول أوبك بلس في ابريل لخفض انتاج النفط بحوالي 10 ملايين برميل يومي من النفط مما ساعد على تماسك الأسواق عند مستوى 40-45 دولار للبرميل. لحد الان، كان الامتثال من الدول خارج أوبك أقوى من المعتاد، حيث شجع حجم تقوض الطلب وحرب الأسعار وخطر تجدد انخفاض الأسعار على الالتزام. في نفس الوقت، استطاعت ليبيا زيادة انتاجها بالاتفاق بين فرقاء الحرب الاهلية، بينما لم تستطع كلا من إيران وفينزويلا زيادة انتاجهما بسبب العقوبات الامريكية.
لماذا التعديل؟
على المدى القريب يتوقع ان تتأثر أسواق النفط بمجموعة من العوامل والتي ستشكل ديناميكيات منحنيات تعافي الطلب وأسعار النفط. يمكن تقسيم الأفق الزمني لهذا المدى الى ما قبل استكمال تأثير تلقيح الكتلة الحرجة من السكان من الاقتصاديات الكبيرة، وما بعدها.
الجائحة واللقاح وعودة الحياة الطبيعية: تتوقع منظمة الطاقة العالمية أن يبدأ تأثير لقاح لفيروس كورونا في تعافي الطلب على النفط في الظهور بشكل كبير “بنهاية العام المقبل” مع استكمال تلقيح الكتلة المؤثرة من سكان الاقتصاديات المؤثرة في أمريكا الشمالية واوروبا وشرق وجنوب اسيا. ايضا، سيكون لموجة انتشار الجائحة الحالية أثر سلبي مؤقت على الطلب مع استخدام الدول المتأثرة لإجراءات احترازية لاحتوائها. لا بد من الإشارة بأن شدة تأثير الجائحة تتباين بين الدول كما أن هنالك تباين بين توقيت التأثير ومدته. فقد نجحت دول شرق اسيا والصين في احتوائها بمستوى فعال. بينما لم تنجح الولايات المتحدة الامريكية والهند وبعض دول أوروبا في خفض لمعدل اليومي بشكل جوهري لمستوى مؤثر، مما يجعل تأثير الموجة الجديدة أكثر شدة. لذلك، لا بد على أوبك بلس ترقب الأسواق لمتابعة تأثير الجائحة على النشاط الاقتصادي المرتبط باستهلاك النفط.
فوز بايدن بالانتخابات الامريكية: يعتبر الرئيس المنتخب بايدن اقل حماسا في مساعدة صناعة النفط الامريكية بالمقارنة مع الرئيس ترمب. فمثلا، سيكون لعودة التشريعات البيئية على صناعة النفط الامريكية أثر على تعافي النفط الصخري الامريكية كتشريعات الميثان الهارب والتكسير الصخري في الأراضي الفيدرالية، كما أن سرعة انهاء او تخفيف العقوبات على إيران وفينزويلا ستوثر حتما على توازن العرض والطلب في أسواق النفط وقد تأسس لاتفاق تخفيض جديد لاستيعاب ثلاثة أو أربعة ملايين برميل يوميا. اجمالا، زيادة السعة الإنتاجية لبعض دول أوبك كالإمارات والكويت بالنسبة لما قبل الجائحة وتخفيف العقوبات على إيران وفينزويلا تنذر بحرب حصص قادمة. كما أن انتهاء التنسيق مع أوبك بلس سيكون عاملا سلبيا وان بدجة اقل، حيث لم يكن التنسيق تاما.
عودة النفط الصخري الامريكي: كمنتج حدي، انخفض إنتاج النفط الصخري الأمريكي من حوالي 8 ملايين برميل يوميًا واستقر 6 مليون برميل يوميًا؛ أي بأقل بنحو 25٪ مما كانت عليه في بداية عام 2020، وفقًا لـ IHS Markit. تتوقع المؤسسة نفسها لعام 2021 زيادة قدرها 350 ألف برميل فقط يوميًا، مع انخفاض نشاط الحفر منذ بداية العام من 800 حفارة الى حوالي 220 حفارة حاليا.
اجراءات التحفيز الاقتصادية المتوقعة: سيكون لإجراءات التحفيز المتوقعة لما بعد جائحة كورونا من قبل الاقتصاديات الكبيرة أثر إيجابي على أسواق النفط على المدى القريب. سوف يعتمد هذا التأثر الإيجابي بطبيعة الإجراءات وحجمها. غالبا ما توجه هذه الإجراءات نحو نشاطات اقتصادية ذات كثافة في استخدام مشتقات النفط.
تصرفت المنتجين والمصدرين: مدى الالتزام بالحصص سيكون عاملا حاسما في تماسك أسواق النفط. كما سيكون للتوقعات والمضاربات دور مؤثر في ظل زيادة متوقعة في مستوى عدم اليقين في مستوى الطلب وكذلك الرغبة في اقتناص الحصص.
التعديل المتوقع
أما على المدى البعيد فسيؤثر عودة زخم العولمة ونمو الطبقة المتوسطة وتنافس أمريكا والصين، تشريعات المناخ وكوب 26، وتطور بدائل النفط ومسار التعافي الاقتصادي في تحديد مستقبل الطلب على النفط. أيضا، فان قرارات أوبك بلس الحالية سيكون لها أثر في توجيه الطلب وبالتالي مستقبل الطلب على النفط. فالأسعار المرتفعة أو تخمة العرض الشديدة ستؤثر بالسلب على موثوقية النفط كأهم سلعة متداولة.
لذلك فالمرونة في السعر المستهدف، وحجم الزيادة أو التقليص، وتوزيع الحصص، وتوقيت الاجراءات ذات أهمية باللغة لبعث إشارات للأسواق، للاستثمارات في توسعة العرض والاستكشافات وتكنولوجيات العرض والطلب. لذلك، فتوازن العرض والطلب هو الأهم، من غير ان يفقد سعر النفط أهميته في توجيه الاستثمارات اما بالارتفاع او الانخفاض، وكذلك لبقاء النفط في وضع منافس أمام خطر تشريعات المناخ وتطور بدائل النفط.
خاتمة
لن يتحسن توازن العرض والطلب بالكامل الا عندما يصل الطلب على النفط إلى مستويات أقرب إلى تلك التي كانت قبل الجائحة. قرارات أبك بلس الحالية قد تساعد بشكل جزئي على تحفيز الاقتصاديات، وتوجيه مسار مستقبل النفط وسط عدد كبير من التحديات غير المسبوقة. لذلك لا بد من التحلي بالصبر عند مساعدة أسواق النفط في اكتشاف السعر العادل، بالالتزام بالعمل الجماعي الاستراتيجي طويل الأمد، والترفع عن التصرفات قصيرة النضر. من جهة أخرى، فان الفترة المقبلة سيكون فيها سعر النفط شديد التذبذب، فالإنتاج المرجح سيكون مهما لكبته.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال