الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كما تعرف الأغلبية أن الإدراج في الأسواق العامة يكون إما عن طريق الاكتتاب العام التقليدي (IPO) أو الإدراج المباشر، ولكنَّ هناك شكلاً بدأ يعود إلى الساحة دعت إليه الحاجة في ظل هذه الأزمة وما يرافقها من التذبذبات السعرية والتي تشهد تراجعًا كبيرًا في الاكتتابات التقليدية فضلا عن عزوف شهية المستثمرين عن السوق، لجأ إليه مؤخراً عدد من المستثمرين وأصحاب المال الجريء يسمى Special-Purpose Acquisition Company اختصارا (SPAC) أي بمعنى “الشركة ذات الغرض للاستحواذ”. وحسب تقرير صدر مؤخراُ CNBC كان هناك ما لا يقل عن ٥١ اكتتابا فقط عن طريق SPAC بقيمة تتجاوز ٢١ مليار دولار أمريكي فقط لهذه السنة. وما يميز مثل هذا الإدراج عما كان عليه في الثمانينات، هو إمكانية إدراجها في الأسواق المالية الرئيسة مثل بورصة نيويورك وناسداك عوضا عن أن تكون فقط خارج البورصة OTC.
يمكن تلخيص فكرة SPAC على أنها شركة تؤسَّسُ دون أي نشاط تجاري لغرض واحد فقط لا غير وهو زيادة رأس المال عن طريق السوق العام وبمنح المكتتب وحدة (مكو¬¬¬¬نة من سهم واحد وحق خيار شراء أسهم الشركة بتخفيض بعد انتهاء من الاكتتاب) تتداول في السوق لاحقاً بشكل مستقل. ومجموع ما يتم الاكتتاب به يودع في حساب لا يمكن لمؤسسي الشركة التصرف فيه حتى إيجاد شركة للاندماج أو الاستحواذ عليها، وهذا هو الغرض الأساسي الذي من أجله تم تأسيس الشركة ذات الغرض الخاص للاستحواذ خلال فترة يتوجب لا تتجاوز عن ١٨-٢٤ شهراً كما هو الشكل أدناه:
فللقارئ ملاحظة الاختلاف الجذري لهذا الاكتتاب SPAC عن الاكتتاب التقليدي، فعلى مستوى المؤسسين مثلاً وهم غالبا من المستثمرين المحترفين وأصحاب المال الجريء المعروفين بالجدارة والخبرة الذين يؤمنون بخبراتهم ويضعون سمعتهم على المحك في إيجاد شركة مناسبة والاستحواذ عليها خلال الفترة الممنوحة لها أعلاه. فمثلا مؤخرا جرى العمل في الولايات المتحدة الأمريكية أن يقوم بعض المحترفين ومدراء أصحاب صناديق التحوط في تأسيس شركة ذات غرض خاص ويقدمون حصة مالية تتراوح غالبا عن ٢٠ – ٢٥ ألف دولار يمنحهم ما يقارب لاحقا ١٥ – ٢٥٪ من ملكية الشركة بعد الاكتتاب. ومما يميزه أيضا أن وقت الإدراج ليس بالعامل الجوهري كما حصل في اكتتاب Uber على سبيل المثال. ويُمَكِّن أيضا SPAC بالمال المجمع الاستحواذ على أكثر من شركة واحدة عوضا عن شركة واحدة إذا كان ذلك خلال الفترة الممنوحة لها.
وحتى متطلبات الإفصاح ليست بذات التعقيد مقارنة بالاكتتاب التقليدي والتي تأخذ في كثير من الأحيان إلى شهور؛ والسبب أن الشركة ذات الغرض الخاص ليس لديها أي تاريخ وسجل مالي أو قوائم مالية تحتاج للإفصاح عنها للجمهور حسب ما تتطلب قوانين البورصة المالية للشركات القادمة للسوق عن طريق الاكتتاب التقليدي. ولمؤسسيها الحرية الكبيرة في صناعة هيكلية مناسبة يمنع غالبا خلال الاكتتاب التقليدي مثل الاتفاق على شراكة مع نسبة أرباح مستقبلية (Earn-out) تستخدم بشكل كبير في اتفاقيات الاستحواذ في الحالات التي يصعب التوصل فيها إلى سعر عادل للشركة المراد الاستحواذ عليها. وحتى تكلفة الخدمات التي يقدمها متعهدي التغطية في التقييم والاستشارة والإدارة أقل بكثير من الاكتتاب العام التقليدي فلا تتجاوز ٢٪.
المرونة في الإدراج لا يعني بالضرورة تملص SPAC من بعض القوانين، فمثلا لا يمكنها التملص من قواعد حوكمة الشركات حسب متطلبات البورصة الأمريكية، فمثلا لحماية المساهمين تشترط بعض الأنظمة أن حصص المؤسسين غير قابلة للتداول حتى انتهاء فترة الحظر ٣ سنوات غالباً فضلا عن عدم أحقيتهم وحتى مدراء تلك الشركات مؤسسي تلك الشركات في رواتب أو علاوة عدا الشيء اليسير لتغطية التكاليف الإدارية اليسيرة.
وعلى مستوى المستثمرين عن طريق الاكتتاب (retail) تشترط البورصات إيداع مجموع الاكتتاب في حساب لا يمكن التصرف به إلا إذا قامت الشركة ذات الغرض الخاص بإيجاد الشركة التي يراد الاستحواذ عليها. لكن مؤخراً بدأت بعض الشركات في استخدام جزء منه أو الكثير في منه واستثماره في سندات قليلة المخاطر عوضا من إبقائه جامدًا. وأيضا للمساهم الحق في استرجاع ما تم الاكتتاب به إذا لم يعد يؤمن بالشركة إلى آخره أو فشل المؤسسين في إيجاد شركة خلال مدة معينة وذلك نادر الحدوث. لهذا فمن المهم للمكتتب في تفحص ومعرفة السمعة الجيدة لمثل هؤلاء المؤسسين والمتعهدين وأيضا للمستثمر التصويت في قرار اختيار الشركة المستحوذ عليها بالتصويت أو الرفض في اجتماع المساهمين. مع ذلك تبقى هناك خطورة خاصة على المستثمر الذي يشتري من السوق بأعلى من سعر الاكتتاب حيث في حالة عجز الشركة عن إيجاد صفقة أو الرفض وانتهاء المدة فله فقط القيمة الأسمية فقط من الاكتتاب.
يتم عقد اجتماع للمساهمين للموافقة أو الرفض على الشركة المحتملة، فهنا سيكون حالتان: فالحالة الأولى لا يتم الموافقة على الصفقة، فهنا يكون لمدراء الشركة ذات الغرض الخاص البحث عن شركة أخرى بشرط أن يكون خلال الفترة الممنوحة لها. والحالة الثانية يتم الموافقة على الصفقة فتصبح الشركة المندمجة شركة مساهمة عامة أو يتم إعادة أموال الاكتتاب.
مؤخرا بدأت بعض الأسواق المالية مثل السوق الهندي، وأستراليا وغيرها من الأسواق التي تعاني من السيولة وضعف الطلب على الاكتتابات التقليدية، بدأت في الجدية في تغيير قوانينها حتى تستوعب مثل هذه الاكتتابات. وحتى البورصات الأمريكية بعد أزمة كورونا وضعف الطلب على الاكتتابات التقليدية وتردد الكثير من الشركات للقدوم إلى السوق اضطرت إلى تغيير قوانينها بالذات فيما يتعلق بمتطلبات الإدراج مثل الحد الأدنى للمساهمين وغيرها من الاشتراطات للسماح بمثل هذا الاكتتاب المختصر كأسلم وسيلة من الاكتتاب التقليدي وطريق مختصر للسوق والسيولة.
ولا شك أن قوانين ولوائح هيئة سوق المال السعودية من قواعد الإدراج ونظام الشركات لا تستوعب مثل هذا الإدراج ولكن لعل أن تتخذ هيئة سوق المال موقفاً منها موقف إيجابي خاصة إذا كانت الشركة ذات الغرض الخاص أو SPAC تهدف على عدم الاستحواذ على شركة عامة في السوق الرئيسي. ويمكن للهيئة تقبل كل حالة على كل حِدَة مع تطبيق عليها قواعد أكثر تشدداً فيما يتعلق بحوكمة الشركات والطلب من مؤسسي الشركات دفع مبالغ أكبر عن طريق الطرح الخاص وتجميد مثلاً حصصهم لفترة أطول وبما يناسب سوقنا وبيئته فضلا عن نشر الثقافة للمساهم عن مثل هذه الشركات. SPAC هو شكل جذاب استثنائي للاكتتاب مقارنة بالاكتتاب التقليدي مما سيجعل السوق أكثر سيولة ويمنح الشركات وسيلة أفضل للتوسع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال