الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أصبح من الطبيعي رؤية عدم استقرار الأسواق وتقلبات أصولها المختلفة. لقد تركت لنا جائحة كورونا وتداعيات الانتخابات الرئاسية الأمريكية حالة كبرى من عدم اليقين والتي أعتقد أننا لم نشهد مثلها منذ الأزمة المالية العالمية لعام 2008م. هذي التطورات وغيرها على الساحة العالمية تجعلنا نثير الكثير من الأسئلة الهامة حول إدارة مخاطر السوق والتحوط منها.
كيف ينبغي لإدارة المخاطر المالية التعامل مع هذا السوق المتذبذب؟ كيف لنا أن نفاضل بين اتباع نهج ديناميكي مقابل نهج غير نشط لإدارة المخاطر المالية؟ كيف يمكننا أن نفهم تمامًا الآثار المحتملة لقرارات التحوط التي نتخذها؟ أخيرًا، هل نحن نطبق أفضل المعايير والممارسات لحماية أعمالنا من مخاطر السوق المتزايدة؟
العديد من الشركات تستخدم أدوات المشتقات المالية كأداة تحوط لحماية نفسها من تحركات السوق والتحكم بشكل أفضل من حيث تعرضها لمخاطر السوق. محليا، فإن أنشطة التحوط لدى الشركات ينصب في المقام الأول بالتحوط من مخاطر صرف العملات الأجنبية ومخاطر أسعار الفائدة. وفي نفس الوقت، تقدم البنوك المحلية والعالمية وكذلك المؤسسات المالية هذه الخدمات.
في أعقاب هذا التقلب غير المسبوق للأسواق، لاحظنا أن العديد من الشركات المحلية تعيد هيكلة أدوات التحوط الخاصة بها، مما يدعونا في هذه المقالة أن نكشف عن بعض الأخطاء الشائعة التي يجب الحذر منها.
التحوط وسط حالة عدم اليقين
كما يقول المستثمر المخضرم وارن بافيت “فقط عندما ينحسر المد، تكتشف من كان يسبح عاريًا”. عندما تُتخذ قرارات التحوط دون حوكمة مناسبة، تكون النتيجة الطبيعية هي الوقوع في فخ القرارات الفردية التي قد يشوبها تحيزات تخص مسار السوق المتوقع مما يؤدي بالنهاية إلى اتخاذ مخاطر غير منطقية عن غير قصد. قد تكون نتيجة هذه القرارات مقبولة في ظل أسواق متفائلة أو عادية ولكن التقلب غير المتوقع يمكن أن يسبب ضائقة وعواقب مالية خطيرة لأي شركة. تنخرط بعض الشركات بعد ذلك في دوامة إعادة الهيكلة لهذه “التحوطات السيئة” لتأجيل المشكلة إلى تاريخ لاحق. مثل هذا السلوك يمكن أن يخلق نتيجة لا يمكن السيطرة عليها. إذاً، ما الذي يمكن عمله؟
عندما تتقلب الأسواق وأسعار الأصول، تجني الشركات فوائد قرار التحوط الذي تم اتخاذه مسبقا. لكن هذا قد يبدو مستحيلاً بدون سياسة تحوط داخلية تشرح كيفية إدارة مخاطر السوق وطريقة تطبيق عمليات التحوط بالشكل الأمثل. يجب أن نتذكر جميعًا أن الهدف النهائي لأي عملية تحوط هو حتما ليس جني الأموال ولكن بالأصل حماية أعمال وأداء الشركة من مخاطر السوق ذات الصلة. عندما تتحرك الأسواق بشكل قوي أو غير متوقع فإن عملية التحوط السليمة المنفذة مسبقا ستؤتي ثمارها وتكون ذات فعالية كبيرة.
خلال الجائحة، وجدت العديد من الشركات نفسها تعيد التفكير في استراتيجياتها واستمرارية أعمالها. من المواضيع ذات الأهمية مؤخرا هي إعادة هيكلة الديون والتي تأتي متزامنة مع أسعار فائدة قريبة من أدنى مستوياتها التاريخية. هيكلة الديون هذه قابلتها العديد من عمليات التحوط لأسعار الفائدة المرتبطة بها، ولقد لوحظ أن بعض عمليات التحوط السابقة يتم دمجها وتمديدها بعمليات جديدة مقترنة بتعرض حقيقي كقروض الشركة، مما يوفر وفرة بالسيولة ويحقق معدل سعر فائدة أقل.
لكن تختلف الصورة عند إعادة هيكلة المشتقات المعقدة والتي تشكل تهديدًا كبيرًا لأي شركة. في اللحظة التي تدرك فيها الشركة أن التحوط لم يعد يلائم متطلبات أعمالها، أو إذا فقد التحوط فاعليته تمامًا على خلفية تحرك مفاجئ في السوق، يجب أن يتم عمل تشخيص شامل ودقيق لهذه المشكلة وعدم التسرع نهائيا باتخاذ أي قرار. هذا التأني يساعد في فهم الاستراتيجية المثلى المطلوبة لإدارة المخاطر، وقد تميل المؤسسة المالية أو البنك الذي قدم هذا المنتج في المقام الأول إلى إعادة الهيكلة ومساعدة العميل. ومع ذلك، فغالبا توجد هناك فجوة معرفية كبيرة بين العميل الذي دخل بالمنتج والبنك الذي وفر هذا المنتج أو عملية التحوط مما قد يؤدي إلى نتائج مؤسفة مثل:
تسعير مبهم وغير شفاف لهذه المشتقات المالية المعقدة.
التعقيد في عملية التسعير والتي بالإمكان أن تغري بعض المؤسسات المالية لتحقيق هوامش ربح تتجاوز المعايير المعقولة.
عدم وجود تبيان كافي وشرح وافي للمخاطر المحتملة لمنتج التحوط وذلك بسبب ميل بعض المؤسسات المالية لبيع منتجاتها.
ببساطة، لا يقع على عاتق المؤسسة المالية أن تتصرف بصفة استشارية في هذه الظروف، بل لا يفترض منها أن تكون كذلك. مع هذا فإنه من الضروري أن تعي الشركات النطاق الكامل للمخاطر التي تنطوي عليها هذه المنتجات وتداعياتها المحتملة. ولذلك قد يتوفر الحافز الإيجابي لهذه الشركات أن تستعين بطرف ثالث مستقل ومتخصص لطلب المشورة متى ما صعب عليها تقييم تلك المخاطر داخليا.
عند إعادة الهيكلة، ضع الأهداف
قبل تنفيذ أي إعادة هيكلة لعملية التحوط، يجب علينا معالجة مجالات محددة وحصر أهدافنا. عند اتخاذ قرار بشأن استراتيجية إعادة الهيكلة، نجد غالبًا أن الشركات تعطي الأولوية لبعض المعايير أكثر من غيرها (على سبيل المثال، المعايير المتعلقة بالسيولة، أو محاسبة التحوط، أو تقلب القيمة العادلة، إلخ)، بينما قد يركز البعض الآخر على الحد من أي تدهور إضافي في القيمة العادلة للمشتقات المالية. فيما يلي نذكر عدة نقاط لبعض الجوانب التي تحتاج إلى تفكير عميق قبل اتخاذ أي قرار لإعادة هيكلة منتجات التحوط:
قابلية تطبيق معايير محاسبة التحوط: تصنف بعض الشركات هذا العامل ضمن أهم الجوانب التي يجب مراعاتها عند إعادة هيكلة التحوط. عند تطبيق محاسبة التحوط بنجاح، فإن أي تقلبات في القيمة العادلة لمنتج التحوط (سواء ربح أو خسارة) بقائمة الدخل سيتم تخفيضها بشكل كبير أو تفاديها بالكامل، بدلاً من إبقاء الأداء المالي للشركة عرضة لتقلبات السوق.
بيان المخاطر: يجب أن تكون خطة إعادة الهيكلة مبنية على حصر المخاطر الناتجة عن أي تعرض لاحق للسوق (خصوصا إذا كان التحوط الأساسي غير فعال). اتخاذ مخاطر عالية وغير منطقية قد يساعد على المدى القصير ولكنه بالتأكيد يشكل تهديد كبير لأي شركة على المدى المتوسط إلى الطويل.
جوانب السيولة: هذه النقطة لها أهمية عندما تكون عملية التحوط الحالية تحمل تقييما سالبا كبيرًا. وهنا ينصب التركيز على تخفيف الضغط على السيولة بالمدى القصير مع إبقاء مستوى المخاطر الكلي دون تغير.
أمر آخر ينبغي التركيز عليه ألا وهو أهمية الاطلاع المستمر على الجوانب والتطورات التنظيمية والتشريعية المتسارعة والتي يجب أن يتم أخذها بالاعتبار عند إعادة الهيكلة ودراسة تأثيراتها المحتملة. على سبيل المثال، من المقرر إيقاف سعر الفائدة اللايبور LIBOR بالدولار في سوق لندن بعد عام 2021م، وستكون البنوك غير ملزمة بنشر أسعارها اليومية. اللايبور يعتبر من أشهر معايير أسعار الفائدة المرتبطة بالقروض الدولارية، ومربوط بالكثير من المشتقات المالية وتأثير ايقافه سيسبب ربكة بلا شك في هذا السوق الكبير. سيحل مكانه معيار بديل مبنى على معطيات مختلفة، ولذلك يجب دراسة الآثار القانونية والاقتصادية قبل اتخاذ أي قرار تحوط أو إعادة هيكلة مربوطة بالدولار الأمريكي.
أخيرا فإن سياسة التحوط الداخلية لأي شركة هي أفضل دليل لاتخاذ قرارات التحوط وإعادة الهيكلة خلال هذه الأوقات غير المستقرة. هذا سيساعد بالتخفيف وبشكل كبير من مغبة الوقوع في المحاذير التي قد تؤدي الى نتائج غير مرضية، كما أنه يؤصل لثقافة إدارة المخاطر وبيئة الحوكمة السليمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال