الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
العولمة الاقتصادية هي أحد الأبعاد الرئيسية الثلاثة للعولمة الموجودة بشكل شائع في العالم ككل، حيث تشير العولمة الاقتصادية إلى الحركة الدولية الواسعة النطاق للسلع ورأس المال والخدمات والتكنولوجيا والمعلومات من بلد إلى آخر.
ويمكن تعريف العولمة الاقتصادية على أنها العملية التي تبدأ فيها الشركات والمنظمات والدول العمل على نطاق دولي، وغالبًا ما تستخدم العولمة في سياق اقتصادي، ولكنها تؤثر أيضًا على السياسة والثقافة وتتأثر بها.
بشكل عام، أثبتت العولمة أنها ترفع مستوى المعيشة في البلدان النامية لكن بعض المحللين يحذرون من أن العولمة يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على الاقتصادات المحلية أو الناشئة والعاملين والأفراد حيث لم تحقق الدول النامية أي تحسن ملحوظ من التحرر المالي والتجاري وذلك لأن النسبة الأكبر من الاستثمارات الأجنبية تسافر إلى البلدان المتقدمة.
العولمة الاقتصادية ليست جديدة فهي منذ بداية الحضارة. تبادلَ الناس البضائع مع جيرانهم، ومع تقدم الثقافات كانوا قادرين على السفر إلى أماكن أبعد لتداول سلعهم الخاصة مقابل المنتجات المرغوبة الموجودة في مكان آخر. يُعد طريق الحرير، وهو شبكة قديمة من طرق التجارة المستخدمة بين أوروبا وشمال إفريقيا وشرق إفريقيا وآسيا الوسطى وجنوب آسيا والشرق الأقصى، مثالًا على العولمة المبكرة لأكثر من 1500 عام.
وبعد الاستكشاف الأوروبي للعالم الجديد، حدثت العولمة على نطاق أوسع حيث أصبح النقل الواسع النطاق للنباتات والحيوانات والأطعمة والثقافات والأفكار معروفًا ومنتشراً.
وفي السنوات الأخيرة ازداد معدل العولمة نتيجة للتقدم السريع في الاتصالات والنقل، حيث إن التقدم في الاتصالات يُمكّن الشركات من تحديد فرص الاستثمار، وفي الوقت نفسه فإن الابتكارات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال الفوري تتيح النقل السريع للأصول المالية عبر الحدود.
كما أن السياسات المالية داخل البلدان والاتفاقيات التجارية الدولية بينها تسهل العولمة وكذلك الاستقرار السياسي والاقتصادي يسهل العولمة أيضاً، حيث يشير الخبراء إلى أن عدم الاستقرار النسبي للعديد من الدول الأفريقية كان أحد أسباب عدم استفادة إفريقيا من العولمة بقدر استفادة بلدان في آسيا وأمريكا اللاتينية.
وتشير نظرية التبعية إلى أن البلدان الأقل نمواً لن تكون قادرة على التطور لأن العالم الغني يستخدمها كنظير للمستعمرات (نظام استعماري حديث). وهذا يعني أن العالم الغني يستخدم البلدان الأقل تقدمًا كمصادر للمواد الخام والعمالة الرخيصة ولكنه لا يسمح أبدًا لتلك البلدان بالوصول إلى حيث يمكن أن يكون لديها صناعات محلية رئيسية خاصة بها.
لنذكر هنا على سبيل المثال المكسيك، حيث تم استخدامها كمصدر للمواد الخام للولايات المتحدة لفترات طويلة فمثلاً كانت تقوم الولايات المتحدة بشراء النحاس من مناجم مكسيكية ثم تقوم بإعادة المنتجات الجاهزة إلى المكسيك لبيعها.
في الوقت الحاضر تُعد المكسيك هي مصدر للعمالة الرخيصة للولايات المتحدة وهذا هو السبب في وجود العديد من المصانع خاصة في المناطق الحدودية بين البلدين، وكلها تهدف إلى توفير سلع رخيصة للسوق الأمريكية، وفي الوقت نفسه لا تستطيع المكسيك تطوير صناعاتها المحلية.
وقد صار مع العولمة من السهولة بمكان تصنيع أجزاء مختلفة من منتج ما في مناطق مختلفة من العالم فمثلاً يمكن تصنيع أجزاء مختلفة من السيارة في بلدان مختلفة ثم القيام بتجميعها وتركيبها بعد ذلك كوحدة متكاملة جاهزة للبيع.
كما تؤثر العولمة على الخدمات أيضًا، فقد قامت العديد من الشركات الموجودة في الولايات المتحدة بالاستعانة بمصادر خارجية لشركات هندية كمراكز اتصالات وخدمات تكنولوجيا المعلومات.
كما نقلت شركات السيارات الأمريكية عملياتها إلى المكسيك، حيث تكون تكاليف العمالة أقل. والنتيجة هي المزيد من الوظائف في تلك البلدان، مما قد يكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد الوطني في تلك البلدان ويؤدي إلى مستوى معيشة أعلى.
وفي ظل الظروف الاقتصادية المفتوحة، فإن الصراع بين تحقيق التوازن الاقتصادي الخارجي والتوازن الاقتصادي الداخلي يمثل قيدًا كبيرًا على سياسات الاقتصاد الكلي في البلدان النامية، مما يضعف قدرتها على التحكم في الاقتصاد الكلي.
ومع الابتكار المستمر للأدوات المالية والتوسع السريع في الأصول المالية واتجاه خصخصة رأس المال الدولي، أحدث رأس المال الدولي العائم آثارًا هائلة على السلامة الاقتصادية والاستقرار المالي للبلدان النامية، فوفقاً لبعض البيانات التي قدمها صندوق النقد الدولي، فإن قيمة القروض المصرفية قصيرة الأجل المتدفقة عبر وفي الأسواق المالية الدولية وغيرها من الأسواق المالية ورأس المال في عام 1997م بلغت على الأقل 7200 مليار دولار أمريكي ، وهو ما يعادل حوالي ربع إجمالي القروض في العالم كله.
ووفقاً لتقدير من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فإن القيمة الإجمالية اليومية لمعاملات البورصات الأجنبية في نيويورك وطوكيو ولندن وحدها في عام 1997م كانت تساوي حوالي 620 مليار دولار، تم استخدام 18 ٪ منها للتجارة الخارجية والاستثمار، أما الـ82٪ المتبقية فاستخدمت للمضاربة في الأسواق المالية الدولية، مما قد تؤدي هذه الكمية الهائلة من رؤوس الأموال الدولية العائمة إلى فقاعات اقتصادية وتقلبات غير منظمة في الأسواق الدولية.
فوائد العولمة:
توفر العولمة للشركات ميزة تنافسية من خلال السماح لهذه الشركات بالحصول على المواد الخام بطريقة غير مكلفة، كما تتيح العولمة للمنظمات الفرصة للاستفادة من انخفاض تكاليف العمالة في البلدان النامية ، مع الاستفادة من الخبرة الفنية وتجربة الاقتصادات الأكثر تقدمًا.
يستفيد المستهلكون أيضًا، فالعولمة تقلل من تكلفة التصنيع، هذا يعني أنه يمكن للشركات تقديم سلع بسعر أقل للمستهلكين حيث يعد متوسط تكلفة البضائع جانبًا رئيسيًا يساهم في رفع مستوى المعيشة، كما يمكن للمستهلكين أيضًا الوصول إلى مجموعة متنوعة من السلع.
العولمة تزيد من حجم التجارة الدولية.
العولمة تؤدي إلى تنويع المنتجات من السلع والخدمات، وتحسين جودتها، مع انخفاض تكاليفها وبالتالي أسعارها.
سلبيات العولمة:
كان للعولمة الاقتصادية وبالأخص الجوانب المالية منها آثاراً اقتصادية سلبية على اقتصاديات الدول النامية، كالتقلبات الفجائية لرأس المال، حيث تزايد انسياب وتسرب هذه الأموال وبشكل كبير إلى البلدان العظمى، وتعرضت البنوك للأزمات وسادت أجواء المضاربات وما تولد عنها من غسيل للأموال وذلك بتهريب رؤوس الأموال الوطنية للخارج، والتي شكلت نسبة كبيرة على مستوى العالم، ففي العام 2018م تخطى غسيل الأموال (8) مليارات دولار ، بينما يتراوح حجم هذا النوع من الجرائم المالية في العالم أجمع بين (2-3) ترليون دولار، ما يوازي (2-5) بالمئة من الناتج العالمي الإجمالي.
إذاً فليس كل شيء عن العولمة مفيد، فكما أن هناك مستفيدون فهناك متضررون، فمثلاً الأشخاص الذين يعتمدون على نظام الوظيفة في المجتمعات المتقدمة، فإنه عندما يتم الاستعانة بمصادر خارجية من العمالة من دول مجاورة فإن هذا يعني أنه يجب على العمال في العالم المتقدم أن يتنافسوا مع أسواق الوظائف المنخفضة التكلفة، أما بالنسبة للعالم النامي فإن الوضع سيكون أكثر تعقيدًا.
تفشي ظاهرة البطالة التي ضربت الكثير من الاقتصاديات والمجتمعات وخصوصا مع اندلاع الأزمات الاقتصادية العالمية.
تدابير واحتياطات:
من أجل منع وحل المخاطر التي تجلبها العولمة الاقتصادية إلى البلدان النامية، ينبغي اتخاذ بعض التدابير منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- في المقام الأول، يجب أن تلعب المنظمات الاقتصادية الدولية دورًا أكبر في عملية العولمة الاقتصادية.
2- ينبغي تعزيز الرقابة المالية عبر الحدود.
3- يجب ممارسة التحكم المناسب في تدفق رأس المال الدولي، ولا سيما على تدفق رأس المال قصير الأجل الذي له آثار سلبية خطيرة.
نظرة للمستقبل:
بغض النظر عن الجوانب السلبية ، فإن العولمة موجودة لتبقى، والنتيجة هي عالم أصغر وأكثر اتصالاً اجتماعيا، فقد سهلت العولمة تبادل الأفكار والثقافات، مما ساهم في رؤية عالم يكون فيه الناس أكثر انفتاحا وتسامحا مع بعضهم البعض.
إنه التكامل الاقتصادي المتزايد والاعتماد المتبادل للاقتصادات الوطنية والإقليمية والمحلية في جميع أنحاء العالم من خلال تكثيف حركة السلع والخدمات والتقنيات ورؤوس الأموال عبر الحدود
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال