الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تسعى رؤية 2030 لان تقود المملكة منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا نحو التنمية الاقتصادية والاستقرار وذلك بتعزيز رصيدها الجيوسياسي. التنمية الاقتصادية هو هدف مشترك لشعوب المنطقة، للخروج من الحلقة المفرغة من الصراعات، والتطرف الايدلوجي والذي يفاقم يوم بعد يوم التخلف الاقتصادي ويزيد باطراد تأزيم كلا من الوضعين السياسي والاجتماعي. المملكة مؤهلة لقيادة المنطقة كقوة اقتصادية وهذا يتأتى من رصيدها المتزايد في المقومات الجيوسياسية الرئيسية الثلاثة وهي امتلاكها لرأس المال الفعّال وحيازة الابتكار التكنولوجي وكذلك امتلاك مصادر الطاقة كالنفط والغاز الطبيعي. يتعزز الوضع الجيوسياسي عندما تتضافر هذه المقومات الثلاثة، لتوطد الامن الإقليمي للمملكة، وتجلب لها رفاها اقتصاديا بفتح أسواق جديدة لمنتجاتها، كما انها تقدم المملكة كقوة ناعمة قادرة على قيادة المنطقة. من ذلك، يعتبر توليد الكهرباء من خلال الغاز الطبيعي محركا رئيسيا للتنمية الاقتصادية في قطاعي التصنيع والخدمات، وهو ما تفتقر اليه بعض دول المنطقة ذات الثقل السكاني الكبير كالعراق سوريا والأردن واليمن ولبنان وكذلك مصر والتي تسعى حاليا للانطلاق نحو الازدهار الاقتصادي. فهل تستطيع المملكة مزاوجة الموقع الجغرافي ووفرة ثروة الغاز الطبيعي وتضافر المقومات الجيوسياسية الأخرى لقيادة منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا نحو التنمية الاقتصادية وفي نفس الوقت تعزيز الوضع الجيوسياسي للمملكة؟
على الرغم مما هو متعارف عن المنطقة، تفتقر معظم دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وخصوصا ذات الثقل السكاني الكبير، لبعض مقومات التنمية الاقتصادية الأساسية ومنها قطاع كهرباء داعم للتنمية وكذلك توفر الغاز الطبيعي على المدى البعيد. تعاني هذه الدول من تضعضع كبير في بناها التحتية، وضعف التنمية الاقتصادية، كما انها تتسم بنسبة عالية من السكان الشباب مما يجعل نسيجها الاجتماعي وبالتالي نسيجها السياسي عرضة للاختراق. ضمن ذلك، فان نصيب الطاقة الكهربائية للفرد منخفضة عن المعدل العالمي بشكل كبير، وهذا ينعكس على ضعف القطاعات المنتجة في الاقتصاد كالتصنيع والخدمات، وبالنهاية ضعف رفاهية افراد المجتمع. هذا الوضع للدول المحيطة للمملكة يخلق تحديات وكذلك فرصا مختلفة. فالتحديات تكمن في تسرب تضعضعها الاقتصادي الى الامن الوطني للمملكة. في الجهة المقابلة، هذا الوضع يعطي المملكة فرصة تاريخية في لقيادة المنطقة نحو الرفاه الاقتصادي والاجتماعي.
لذلك لا بد من استحداث استراتيجية وطنية سعودية لاستغلال الغاز الطبيعي في نطاق المنطقة العربية. هناك مساحة لإضافة المزيد من الاسواق وخلق المزيد من الطلب. تقوم الاستراتيجية على بناء مراكز توزيع وصلات اشبه بالشبكة العصبية من شبكة الغاز تكون لديها القدرة على الاستجابة السريعة والمرونة الكافية على الاستثمار بالنطاق المطلوب والافق الزمني في النقاط السانحة، وبالتالي تعزيز قدرة المملكة الجيوسياسية وتحقيق التأثيرات المرجوة. لطبيعته الإقليمية، تحتاج شبكة الغاز الطبيعي العصبية إلى استثمارات ضخمة على طول سلسلة القيمة الاقليمية للغاز الطبيعي لكي نصل للسعة السوقية القادرة على تزويد العملاء المحتملين بالمرونة من خلال الاستجابة للاحتياجات الفورية والمستقبلية. للوصول لهذه السعة ولتقليل مخاطر الاستثمار، لا بد من تكوين شبكة شراكات استراتيجية مع لاعبين يشاركون المملكة رؤيتها الجيوسياسية. كذلك، يجب أن تراعي استراتيجية المملكة التفاعل الديناميكي للأساسيات التالية: مسار تحول الطاقة الحالي وإمكانات تغيره، أسواق الغاز الطبيعي العالمية، ووفرة الطاقة في الاسواق العالمية، وسياسات تغير المناخ وجودة الهواء في الاسواق المستهدفة، وجيوسياسية الغاز الطبيعي وتحولاتها، وكذلك كفاءة الفاعلين المحليين في الدول المستهدفة.
فبالمشاركة في تعزيز انماط استهلاك الغاز الطبيعي في مراكز نمو الطلب عليه، تستطيع المملكة زيادة تدفقه إلى أسواق المنطقة المتعطشة له. فبحفز استخدامه وبتضافر المقومات الجيوسياسية الثلاثة، يمكننا خلق الطلب عليه والاستفادة من قيمته الاقتصادية وتحقيق شراكات استراتيجية مع الحكومات المستهدفة، بالاشتراك مع الفاعلين المحليين ووكالات التنمية الدولية. وبالمثل، يمكننا تسهيل الإمداد في المناطق المهمشة في المنطقة. بجانب خلق الطلب، يمكننا المنافسة والاستحواذ على الاسواق القائمة، من خلال توفير مرونة أكبر للمستهلكين والاستحواذ على الطلب المتزايد. كما ان تلازم شبكة الغاز الطبيعي المقترحة مع شبكة الكهرباء بين دول المنطقة تعزز التوجه نحو التعزيز الجيوسياسي، وكذلك تزيد من موثوقية شبكات الكهرباء الوطنية، بما فيها شبكة المملكة.
وسط الانتقال إلى نظام عالمي جديد، إنها فرصة للمملكة لوضع نفسها كقوة اقليمية متفردة وسط تشكل نظام عالمي جديد يمنح القوى الاقليمية وضعا جيوسياسيا أكبر. فكما قادت اليابان دول شرق اسيا نحو الازدهار الاقتصادي في منذ الستينيات، تستطيع المملكة ان تتبوأ هذا الدور في المنطقة من خلال استراتيجية تعزز فيها وضعها الجيوسياسي وتمنح اقتصادها قيم مضافة جديدة. أما بخصوص مستقبل النفط، فسيضل أحد أعمدة القوتين الاقتصادية والناعمة التي تمتلكها المملكة العربية السعودية. تستطيع المملكة تعزيز وضعها الجيوسياسي بإضافة الغاز الطبيعي الى النفط والمقومات الاخرى ضمن استراتيجية جامعة تتضافر فيها لكي تملأ المملكة الفضاء الجيوسياسي للمنطقة، والتي تسعى الدول المجاورة لملئه من خلال أيدولوجيات عقيمة ادخلت المنطقة في صراعات لا تنتهي، وجعلتها تتخلف عن ركب التنمية العالمية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال