الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ما رشح من اتفاقية باريس الاطارية و”الإسهام الوطني المحدد” لجميع الدول من خفض للانبعاثات وتطبيقها، لم يرق لحد الآن للمستوى المستهدف على أساس الدرجتين المئويتين، فلا زالت هناك فجوة كبيرة بين هذا الهدف ومسار معدل تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة، فلا يبدو أن جسرها مرجح. مع انتخاب بايدن للرئاسة الامريكية، سيتأثر مسار وكيفية تحول الطاقة في المرحلة القادمة متأثراً بطرحه لقضية التغير المناخي. تقوم رؤية الرئيس المنتخب على قيادة العالم في قضية التغير المناخ باستحداث سياسة استيعاب طرحه للتغير المناخي في السياسة الخارجية الامريكية وتضافرها مع ضرائب الكربون والتأشير الاجتماعي في قضايا الاستثمار لتوجيه مسار تحول الطاقة.
غالبا ما يصف الرئيس الأمريكي المنتخب بايدن التغير المناخي على أنه تهديد وجودي للإنسانية، ويعد حال توليه المنصب بإعادة الانضمام الى اتفاقية باريس مباشرة. غالبا ما يصرح بأن توجهه نحو سياسات أكثر اصرارا في قضايا التغير المناخي منشؤها الموائمة بين التفسير العلمي البحت والقدرة على تطويع الظروف الاقتصادية. وفي إطار متصل، يعد “بإطلاق ثورة الطاقة النظيفة في أمريكا”، ووضع البلاد على مسار قطاع طاقة خالٍ من الكربون بحلول عام 2035، وحياد كربوني على مستوى الاقتصاد بحلول عام 2050. على المستوى الوطني، يسعى الرئيس المنتخب لانتهاج موقف وسطي بين المتطرفين البيئيين والمعارضين لقضايا التغير المناخي. حيث يسعى لتكوين تحالف أوسع حول تشريعات التغير المناخي، يضم كلا من الناشطين البيئويين وأرباب الأعمال والنقابات العمالية، والذين يشكلون الدعامة الأساسية لبناء أي دعم سياسي لازم. في ملمح متصل، يريد توجيه سياسات التغير المناخي نحو ما يطلق عليه بـ”العدالة المناخية”، وهي رؤية لموائمة سن التشريعات الخاصة بالتغير المناخي على أساس موائمتها مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بالفئات الاجتماعية المختلفة. إن تعيين جون كيري السياسي المخضرم “مبعوثًا رئاسيًا خاصًا للمناخ” من بين أول ست تعيينات على مستوى الوزراء دليل للأولوية التي يوليها بايدن بقضايا التغير المناخي.
فيما يختص بالطلب على النفط، يريد بايدن تسريع التحول إلى سيارات وشاحنات ذات انبعاثات أقل من خلال استعادة الإعفاءات الضريبية للسيارات الكهربائية، وبناء نصف مليون محطة شحن في جميع أنحاء البلاد، وسن معايير أكثر صرامة للحد من الأميال المقطوعة للسيارات. كما يريد أن يجد طرقًا لتشجيع تطوير أنواع الوقود المستدام للطائرات، وترقية أنظمة النقل العام والسكك الحديدية عالية السرعة. من جهة اخرى، صرح بايدن خلال حملته الانتخابية بأنها لن تقبل التبرعات من المديرين التنفيذيين والشركات العاملين في مجال الوقود الأحفوري، وهذا مؤشر لعلاقة مستقبلية أقل دفأ من سابقيه مع صناعة النفط. من الجدير ذكره في هذا الإطار، كان بايدن من المؤيدين لاستخدام الغاز الطبيعي كـ”وقود جسر” بين الفحم الحجري ومصادر الطاقة المتجددة في مجال توليد الكهرباء.
مبدئياً، لم يطرح بايدن رؤيته لقطاع الطاقة كتحول تام نحو منظومة الطاقة الخضراء، إلا أن سعيه نحو تبنيها بشكل أساسي سيكون مؤثرا لمسار انتقال الطاقة العالمي. دون النظر لجدارة منظومة الطاقة الخضراء كحل مستدام، ستسبب الهرولة نحو تبنيها دون استيعاب مدى آثار ذلك على مسار تحول الطاقة العالمي مشاكل اقتصادية تمس النمو الاقتصادي والتنمية. فهنا لا بد من التأكيد على أن استغلال فكرة تبني الطاقة الخضراء لبناء صناعة جديدة لاقتصاد بعض الولايات هي في صميم مستهدفات الإدارة الجديدة، وليس لدعم قضية التغير المناخي بالضرورة. من جهة أخرى، يرى بايدن بأن ريادة منظومة الطاقة الخضراء هو تعزيز لقوة الولايات المتحدة الامريكية الناعمة.
إن تقويض موثوقية أسواق الطاقة والتأثير على قرارات الاستثمارات فيها سينعكس سلبا على الاقتصاد العالمي. بالإجمال، لا تقدم منظومة الطاقة الخضراء مسارا مستداما لتحول الطاقة، وأن دفعها نحو تصدر مزيج الطاقة العالمي قد يهدد كلا من النمو والتنمية الاقتصاديين في العالم. من جهة أخرى، إن استخدام أدوات السياسة الخارجية الامريكية لدعم سياسات التحول نحو منظومة الطاقة الخضراء سيقوض كلا من القوتين الناعمة والاقتصادية للولايات المتحدة. أيضا، فإن استخدامها دون مراعاة للظروف الوطنية وجاهزية المنظومة سينعكس سلبا على صورة الولايات المتحدة كمثل أفضل للنظام الاقتصادي الناجح ولن يجعل اقتصادها أكثر كفاءة.
قيادة الجهود المختلفة نحو هدف محدد لا تستطيع القيام به إلا دولة بقوى الولايات المتحدة المؤثرة، وهذا ما يدعوا حقا للقلق مع فوز بايدن، وعدم الاطمئنان من المستقبل. إن تكوين اجماع في مؤتمر المناخ القادم في جلاسكو الاسكوتلندية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية سيكون امتحانا لقدرة الرئيس الأمريكي المنتخب في تنفيذ وعوده الانتخابية. إن قدرة الولايات المتحدة الامريكية على عودة التعاون الدولي متعدد الأطراف وقيادة النظام الليبرالي كالسابق، وبإعطاء دور أكبر للمنظمات الدولية، وبناء تحالفات جديدة ستكون شروطا أساسية ولكن في المجموع غير كافية لتسريع تحول الطاقة، استجابة للتغير المناخي. ما يخشى منه حقا، هو أن يكون استيعاب سياسات التغير المناخي في السياسة الخارجية الامريكية لتحول الطاقة هو العامل الذي سيسرع التحول نحو منظومة الطاقة الخضراء، على الرغم من عدم تحقيقها لشروط الاستدامة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال