الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
القطاع الثالث هو مصطلح حديث يطلق على جميع المنظمات والمؤسسات والجمعيات الغير هادفة للربح والتي تقدم خدمات عامة للمجتمع. يعتبر هذا القطاع الواعد، من القطاعات الهامة والذي يساهم في دعم اقتصاد الدول، وهذا ما اشارت اليه رؤية 2030. حيث اولت الرؤية اهتماما بهذا القطاع ورفع مستوى مساهمته في الناتج المحلي من اقل من 1%إلى 5%. ولا يخفى علينا أن هذا القطاع يواجه العديد من التحديات منها ما يتعلق بتوفير مصادر الدخل وعدم وضوح الرؤية الادارية، و صعوبة ايجاد الطاقات البشرية المتدربة التي تعمل على النهوض بهذا القطاع. قد يكون الدعم المالي من المعوقات التي تواجه هذا القطاع، لكن حقيقة ارى ان العائق الاساسي هو في عملية ادارة هذه المؤسسات و غموض الانظمة والتشريعات. في مقالة اليوم، سأختصر حديثي عن الامركية والبريطانية للنهوض بهذا القطاع، و إدارة هذه المؤسسات وحوكمتها من أجل تشغيلها بشكل أكثر مهنية.
اولاً، يجب التفريق بين مصطلحين مهمين في القطاع الغير ربحي أو القطاع الثالث. المصطلح الأول هو مصطلح الجمعيات الاهلية، وهي كما عرفها نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر عام 2015، انها المؤسسات التي لا تهدف الى الربح والغرض من انشائها هو تحقيق غرض من أغراض البر و التكافل، بحيث انها تقدم خدمات مجانية ذات أهداف دينية او اجتماعية او مهنية او سياحية …الخ، مثل جمعية زهرة و جمعية حقوق الإنسان وجمعية الأطفال المعوقين وغيرها من الجمعيات. في حين أن هناك المؤسسات الأهلية هي مؤسسات يتم إنشاؤها بهدف تقديم غرض أو اكثر من اغراض النفع العام كالخدمات التعليمية او الصحية، ولذلك هي تعمل على أخذ رسوم من المستفيدين لتشغيل هذا المؤسسة وتقديم خدمة ذات نفع عام، مثل جامعة الأمير سلطان. لذلك يعتبر هذا القطاع مساهم قوي اقتصادياً واجتماعياًحيث انه يكفل التوازن بين ما يقدمة القطاع العام والقطاع الخاص للاقتصاد والمجتمع.
ثانياً، المعوقات التي يواجهها هذا القطاع ليست معوقات محصورة بنطاق المملكة الجغرافي، وإنما جميع الدول المهتمة بالقطاع الثالث عانت من معوقات مشابهة لما يعانيه هذا القطاع لدينا الآن. أمريكا و بريطانيا ما بين 1980 و 1990، بدأوا في عملية تغيير استراتيجية إدارة القطاع الثالث نتيجة إدراكهم لأهميته. كان القطاع الثالث معتمد بشكل كبير في تمويله على الدولة ولم يكن يدار بيد كوادر ذات كفاءة عالية. فتم رسم استراتيجية اعتمدت على ثلاثة إصلاحات مترابطة ذات أهمية خاصة لتفعيل دور القطاع الثالث. الإصلاح الأول اعتمد على اقتطاع جزء من الخدمات التي يقدمها القطاع العام، بتفويض سلطة تقديم هذه الخدمة للقطاع الثالث من خلال إنشاء مؤسسات وجمعيات أهلية تساعد القطاع العام بتقديم هذه الخدمات العامة. الإصلاح الثاني ركز على تقليل الاعتماد على الحكومة في الدعم المالي من خلال السماح لمؤسسات القطاع الثالث بالدخول بالمنافسة في المناقصات الحكومية مثله مثل القطاع الخاص. هذا الأمر ساهم بشكل فاعل و كبير من خلال مساعدة القطاع العام في تقديم الخدمات العامة ، وتعزيز المنافسة على جودة الخدمة المقدمة من خلال جعل مقدمي الخدمات من القطاع الخاص وغير الربحي يتنافسون على عقود الخدمة العامة. الإصلاح الثالث ذا طابع تشريعي وتنظيمي، حيث أن الحكومة أولت القطاع الثالث الكثير من الصلاحيات، ولكنها بحاجة الى مراقبة هذا القطاع نظاميا واداريا لضمان جودة التشغيل، لذلك، فتولت الحكومة عملية السيطرة عن بعد من خلال استخدام أنظمة إدارة الأداء ، مثل تحديد الأهداف من أعلى إلى أسفل ، واتفاقيات تحدد مستوى الخدمة المقدمة من القطاع الثالث وتعزيز الأنظمة التنظيمية والتفتيش والتدقيق لضمان تلبية الأهداف والمعايير.
في الحقيقة عند مشاهدة المشهد السعودي لتطوير القطاع الثالث، فإننا نرى بعض المبادرات الحديثة التي تفعل هذا القطاع، مثل مبادرة “إسناد” والتي تتولى اعطاء القطاع الثالث مهمات معينة مثل مهمة التثقيف الصحي يتولاها بشكل شبه كامل، وجعل القطاع الصحي يركز على تقديم الخدمة الصحية. كذلك هناك قرار بالسماح للقطاع الثالث بالدخول في المنافسة بالعقود الحكومية، ولكن لم نرى تنفيذه على أرض الواقع إلى الآن. اعتقد في حال تنفيذه، سيكون هناك نقلة نوعية في إسهام القطاع الثالث في الناتج المحلي وفي تحسين الخدمات العامة وتعزيز المنافسة مع القطاع الخاص. لكن الأمر الذي يجب أن لا يخفى علينا انه بعد تنفيذ مثل هذه الاستراتيجيات، سيظهر لنا معوق أساسي ألا وهو عدم وضوح الخط الفاصل ما بين القطاع العام و الخاص والثالث، خاصة في عملية إدارته و حوكمته، وهذا ما سيتناوله الجزء الثاني من هذا المقال الأسبوع المقبل بإذن الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال