الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعد ثمان سنوات من المفاوضات، شكلت الصين وإلى جانبها أربعة عشر دولة أكبر كتلة واتفاق تجاري في العالم، إذ تغطي تقريباً ثلث الاقتصاد العالمي، وتخدم أكثر من مليارين نسمة. في هذه الكتلة الاقتصادية التاريخية والتي تَنظم إليها دول مثل: استراليا ونيوزلندا واليابان وكوريا الجنوبية، ولم نعتد بأن تكون متناغمة عن قرب مع التنين الصيني، إلا أنها اليوم اصبحت ركن أساسي فيما يُدعى بالشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة R.C.E.P.
ينظر البعض الى هذه الاتفاقية على انها امتدادا لنفوذ الصين في المنطقة الأمر الذي يعزز الصورة الذهنية لها، كما أن هذا الاتفاق قد عزل الولايات المتحدة الامريكية والتي انسحبت من شراكة المحيط الهادي TPP عام 2017 بعد فترة قصيرة من تولي ترمب للرئاسة، كما تشير المصادر الان “تحديدا” بعد تولي بايدن للرئاسة في البيت الأبيض، إلى أنها لم تبدي أي تفاعل ما إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة بالرجوع للانضمام لهذه الاتفاقية من جديد، والواضح أن الشأن الأمريكي منشغل في الداخل خاصة مع الأوضاع الصحية والاقتصادية الراهنة. كما أن العالم بطبيعة الحال لن يأخذ موقف المتفرج، حيث شاهدنا الدول تبادر لعقد اتفاقيات تجارية واقتصادية لمحاولة التعافي السريع من آثار الازمة.
وبالرغم من أن المفاوضات قد بدأت من عام 2012 إلا أن الجائحة لعبت دوراً رئيسيا لجعل هذا الاتفاق الغير مسبوق R.C.E.P يرى النور في الخامس عشر من نوفمبر الجاري خلال اجتماع عقد افتراضيا، كان من أهم ركائز هذا الاتفاق إلغاء الرسوم الجمركية تدريجياً خلال عشرين عام، كما ناقش الاجتماع قضايا تخص حقوق الملكية الفكرية، الاتصالات، الخدمات المالية والتجارة الالكترونية، والنقل والخدمات اللوجستية، إضافة لمناقشة – بأهمية عالية- لقضايا تخص قرارات شهادات المنشأ، والتي كانت تواجه تعقيدات في اتفاقيات التجارة الحرة بين البلدان في وقت سابق، “على سبيل المثال كيفية التعامل مع منتج من فيتنام يتضمن قطع صنعت في استراليا”، هذا النوع من الواردات يواجه تعريفات جمركية عالية في مناطق أخرى في اسيا، وجاء هذا الاتفاق الجديد ليسهل عملية الاستيراد بين كل دول الأعضاء بالتساوي ويسرع عملية سحب بعض الصناعات ذات الكثافة العمالية “كصناعة الملابس مثلا” من الأسواق الصينية إلى جاراتها الاسيوية “حتى ولو لم تكن الصين حريصة جداً على ذلك” ليعزز تنوع سلاسل الأمداد ويحفز الشركات على تكثيف التركيز على دول المجموعة بما سينمي الصادرات والواردات ويجلب الاستثمارات الاجنبية في المنطقة ويدفع عجلة الاقتصاد العالمي للتعافي وزيادة الفرص.
الأمر المذهل في هذا الاتفاق، انه يجمع الصين اقتصادياً مع دول كان ولا زال الامر معها شائكاً على الصعيد السياسي كاليابان وأستراليا، ربما هذا فن التعامل الصيني خارجيا في كيفية عزل القضايا السياسية والتاريخية عن مصالح اللحظة، بالهدوء والصبر، لتعزيز الجموح الصيني نحو الاستدامة في النمو ولعب دور قيادي واستراتيجي في المنطقة، وبالرغم من انسحاب نيودلهي والتي تعتقد ان الاتفاق عديم الفائدة كونه لم يضع مصالح الهند على طاولة النقاش، معتقدة انه جاء ليهدد الأسواق الهندية في حال دخول المنتج الصيني رخيص السعر، والذي سيضر بالمنتج الهندي الذي يعاني في الأصل من عدم استقرار الاقتصاد المحلي، إضافة لعدم الموافقة على دعم التجارة في قطاع الخدمات كما في قطاع المنتجات لرفع الطموحات وتوزيع الفرص بما يخدم الاقتصاد الهندي.
وبرغم أن الاتفاق اسيوياً الا ان الكثير يعتبره بديل مدعوم من الصين لاتفاق TPP الذي استبعدها وضم العديد من دول اسيا في المنطقة، بعضوية 12 دولة تقوده الولايات المتحدة ولاقى معارضة في الاوساط الأمريكية لوضع شركاتها الوطنية تحت ضغط المنافسة مع الشركات الأجنبية، الاتفاق عُقد في عام 2016 وانسحب منه ترمب عام 2017 اعتراضاً على نفوذ الصين على الأسواق الاسيوية، كل هذا لم يعيق اتفاقيات مثل R.C.E.P، TPP، BRI، من النمو المتزايد بل ربما نشهد اتفاقيات اسيوية أوروبية تقودها الصين في الأيام القادمة، وربما إعادة تنشيط مفاوضات الاتفاق التجاري الكوري – الياباني ـ الصيني، والذي توقف منذ سنوات، أرى ان العقد القادم سيشهد نمو اسيوي مذهل ستتجه اليه الأنظار ورؤوس والأموال، ربما الفرصة متاحة أمامنا الان لبحث الفرص الاستثمارية والتحديات واستغلال مفاتيح قوتنا الاستراتيجية في اسيا المدعومة بموقعنا الجغرافي بين الشرق والغرب.
دمتم سالمين،،،
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال