الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
صدر الأمر السامي الكريم (17103) بتاريخ 26/3/1442هـ والقاضي بنقل الإشراف على الجمعية السعودية للمراجعين الداخليين إلى الديوان العام للمحاسبة ليكون معالي رئيس الديوان العام للمحاسبة رئيسا لمجلس إدارة الجمعية. هذا الأمر السامي الكريم يأتي في سياق اهتمام الحكومة الرشيدة حفظها الله بأهمية مهنة المراجعة و مفهوم الرقابة عموما في حماية أصول وممتلكات الدولة و تطوير كفاءة أداء الجهات والخدمات المقدمة وذلك على كافة القطاعات: العامة و الخاصة و الغير ربحية.
ظهور مهنة المراجعة الداخلية وتزايد الاهتمام بها خصوصا في القطاع العام ليس بالقديم جدا ولا الراسخ ولذا ظل نموذج المراجعة الداخلية المتوافق مع المعايير الدولية لممارسة مهنة التدقيق الداخلي الصادرة من المعهد الدولي للمراجعين الداخليين (IIA) أكثر انسجاما واحداثا للأثر الملموس في القطاع الخاص. حيث يظهر مكون المراجعة الداخلية في جسد متكامل لحوكمة الشركات يظهر فيه بوضوح أهمية استقلالية إدارة المراجعة الداخلية وكفاءة موظفيها وماهية ومدى علاقات ذلك المكون مع باقي إدارات الشركة بمختلف مستوياتها.
بينما يظهر بروز إدارات المراجعة الداخلية في القطاع الخاص وازدياد اهميتها وأهمية الادوار التي تقوم بها بناءا على لوائح حوكمة الشركات الصادرة من مختلف الجهات والمنظمات والدول وأصبحت هناك قصص نجاح تحكى عن فاعلية واهمية الأدوار التي تقوم بها إدارة المراجعة الداخلية، ظلت مهنة المراجعة الداخلية في القطاع العام وخصوصا في المملكة مشوبه بالعديد من الأسئلة الجوهرية حول الأثر المتحقق من وجود تلك الإدارة في ظل تداخل الأدوار الرقابية بين العديد من الجهات الرقابية الداخلية والخارجية و صعوبات تنظيم وحدات المراجعة الداخلية بما يناسب الشكل التنظيمي لجهات القطاع العام.
في العديد من الجهات الحكومية اليوم وحدات للمراجعة الداخلية لكن القليل منها من يلقى الاهتمام الحقيقي من الإدارة العليا بل أن اتصاله بالإدارة العليا للجهة محل نظر فالوزير ورئيس الجهة يقوم بعمل تنفيذي كبير قد يصنع التعارض بين مهمة الاشراف على وحدة المراجعة الداخلية والعمل التنفيذي. ولهذا منذ ظهور مكون وحدة المراجعة الداخلية في القطاع العام ظل ديوان المراقبة العامة (الديوان العام للمحاسبة) لاعبا محل اعتبار ولكن اللائحة جعلت منه مراقبا (مراجعا) خارجيا يجب على وحدة المراجعة الداخلية التعاون معه وفي نفس الوقت ألمحت إلى كونه جهازا داعما لجهود وحدة المراجعة الداخلية!
وهذه الصعوبات مستمرة والوجود الغير فاعل كفاية موجود، فهل سيعزز إشراف الديوان العام للمحاسبة على الجمعية السعودية للمراجعين الداخليين من اهمية مراجعة الانظمة واللوائح المنظمة لعمل وحدات المراجعة الداخلية في القطاع العام بما يناسب حالة القطاع العام اليوم الذي أصبح أكثر نضجا وانتباها للأدوار الرقابية؟ فوحدات المراجعة الداخلية بحاجة إلى الوضوح في تحديد الأدوار والنطاق الذي يمنع التداخل بين الأدوار الرقابية التي تقع على عاتق تلك الوحدات وتلك التي تشارك بها جهات رقابية أخرى داخلية أو خارجية تشمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ووزارة المالية والديوان العام للمحاسبة. فتقاطع الأدوار وازدواجيتها قد يؤدي نهاية إلى تعطل العمل التنفيذي الذي تستقطعه عمليات الرقابة أو اشتداد روح المقاومة او حتى الانحراف لدى الادارات التنفيذية التي ستتصور الرقابة والمراجعة تشكيكا في أشخاص ممثليها نتيجة للازدواجية وكثافة طرح الأسئلة والرقابة!
أصبح منتظرا أن يكون حال وحدة المراجعة الداخلية في القطاع العام أفضل، فهذه الوحدة بحاجة إلى الممكنات الحديثة التي تنسجم مع أحدث الممارسات لمهنة المراجعة، تطوير للكوادر البشرية من الناحية المهنية و أيضا السلوكية بتنمية مهارات الاتصال والفهم الصحيح لدور المراجع بعيدا الأسلوب البوليسي أو خدمة العملاء، دعم استقلالية تلك الوحدة بعدم الاكتفاء بالمكان من الهيكل التنظيمي بل أيضا تنظيما للعلاقات بينها وبين الجهات من داخل الجهة والتي أيضا تقع تحت إشراف المسؤول الأول في الجهة، و أيضا تنظيم علاقات الوحدة مع تلك الجهات الرقابية الخارجية المتعددة و يأتي في مقدمتها الديوان العام للمحاسبة.
الديوان العام للمحاسبة بإشرافه على الجمعية السعودية للمراجعين يجب أن ينتج عنه اعتراف أكبر بالجمعية وأهمية دورها في تقديم المصادر التنظيمية والفنية التي تساعد العاملين في هذا المجال سواء في القطاع العام أو الخاص أو الغير ربحي. يجب أن لا تكون أدوار الجمعية محدودة وتتكئ بشكل مبالغ فيه على جهود المعهد الدولي للمراجعين الداخليين، بل يجب أن تتسع دائرة مسؤولياتها وصلاحياتها من ناحية التنظيم والتشريع المهني. فالأمر يجب أن يتجاوز موضوع الترجمة إلى المواءمة. النهم التجاري وتحقيق العوائد لدى المنظمات المهنية من ناحية عقد الدورات والاختبارات المدرة للدخل لابد وأن يضبط ويُحقق التوازن بين تطوير المهنة تنظيميا وتطوير الكوادر البشرية معرفةً ومهارات وتنمية ايرادات الجمعية. كما يجب أن يكون للأقسام العلمية والباحثين المتخصصين في المجالات ذات العلاقة بمهنة المراجعة الداخلية دور ومساهمة في عملية التنظيم والتطوير المهنى.
اليوم مجلس إدارة الجمعية السعودية للمراجعين الداخليين يتكون من مثلين من كافة القطاعات سواء الجهات الرقابية الحكومية أو الجهات المالية الحكومية أو الشركات المهنية المتخصصة او الشركات أو الباحثين والأكاديميين وهذا بلا شك أنه سيسهم نوعا ما في إحداث التوازن بين زيادة التركيز على القطاع العام و عدم اهمال القطاعات الأخرى ذات الأهمية. ولكي يكون هذا التوازن متحققا بشكل أعمق من شكلية التمثيل، ينتظر أن تُعنى وتسهم الجمعية في تقديم مصادر وإرشادات نظامية وفنية وعلمية بما يحقق تكامل التوجه في الشكل والمضمون.
خاتمة: القيمة المضافة المنشودة من وجود المراجعة الداخلية مقيدة بفعالية إدارة المراجعة الداخلية في تنفيذ المراجعة، فمجرد الوجود و المظهر التنظيمي لا يحقق الأثر و لا يحدث الفرق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال