الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
The bank’s bank & government bank بهذه العبارة الموجزة في كلماتها، العميقة في تفاصيلها دائماً ما توصف طبيعة البنك المركزي في أي دولة ؛نظراً للدور المؤثر الذي تلعبه البنوك المركزية حول العالم في المحافظة على النظام المالي والاقتصاديات الوطنية. ولعل التطورات التنظيمية التي حدثت مؤخراً في المملكة بصدور نظام البنك المركزي تتطلب بعض الوقفات لإلقاء الضوء على الأحكام الجديدة الي تضمنها هذا النظام مقارنة بنظام مؤسسة النقد العربي السعودي الملغي.
تم إنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي في عهد مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه بموجب مرسومين ملكيين صدرا في تلك الفترة، و بموجبهما تم إنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي ، كداعم للمملكة في تلك الحقبة الزمنية ، حيث بدأت المؤسسة في ممارسة عملها ولكن دون أن يكون لها الاستقلال المالي والإداري اللازمين لمثل هذه الكيانات المشابهة لها حول العالم.
وبسبب الأزمة المالية التي شهدتها المملكة خلال الفترة ١٩٧٥ -١٩٧٧ تم إصدار مرسوم ملكي آخر تم بموجبه منح الإستقلال المالي والإداري المتطلبان لتلك المرحلة.
و بعد مرور ما يزيد على النصف قرن من صدور نظام مؤسسة النقد العربي السعودي تم إلغاؤه مؤخراً بصدور نظام البنك المركزي بعد حصوله على الموافقات التشريعية اللازمة. التساؤل الذي يُطرح هنا، ما أهمية هذا النظام الجديد؟ هل هو مجرد تغيير مسمى مؤسسة النقد العربي السعودي إلى البنك المركزي؟ أم أن هناك مكتسبات سريعة من الممكن رؤيتها قريباً في القطاع المصرفي.
يمكن اختصار أهم ملامح نظام البنك المركزي بالركائز الثلاث التالية: استقلال مالي وإداري ، حوكمة عالية، شفافية ورقابة. وهذه الركائز تتضح جلياً في مواد النظام البنك المركزي التي حلت محل مواد نظام مؤسسة النقد العربي السعودي.
لعل من أبرز الأحكام التي تضمنها نظام البنك المركزي هي خروج ساما- Saudi Arabian Monetary Agencyمن إشراف وزارة المالية عليها ، ولهذا وبعد ما يزيد على نصف قرن ،وبناء على أحكام نظام البنك المركزي سترتبط ساما تنظيمياً بالملك وليس بوزير المالية ، مما يعطيها الاستقلال الإداري والقوة التنظيمية ، كما هو الحال في هيئة السوق المالية عندما تم ربطها تنظيمياً بالملك من خلال نظام السوق المالية.
البعض يتساءل عن قانونية العملات التي تم سكها في ظل عهد مؤسسة النقد بعد إلغاء نظامها ، ومدى اكتساب تلك العملات القوة الإبرائية القانونية في مواجهة الغير ، لعل المنظم السعودي انتبه لهذه المسألة و قرر بأن للعملة التي أصدرتها مؤسسة النقد نفس القوة الإبرائية القانونية في مواجهة الغير، وصفة التداول ، وفق ما نص عليه في نظام النقد. من الأحكام التي لم تتغير في النظام الجديد أهداف إنشاء البنك المركزي وذلك من خلال المحافظة على الاستقرار النقدي ، دعم استقرار القطاع المالي وتعزيز الثقة به ، دعم النمو الاقتصادي. في حين أن الصلاحيات الممنوحة للبنك المركزي زادت مع زيادة البعد التنظيمي الإشرافي والرقابي للبنك المركزي ، حيث تم زيادة صلاحياته من ثلاث صلاحيات في نظام مؤسسة النقد ليصل إلى ثمانية عشر ؛ من أبرزها ما يلي:
-إصدار النقد ، الرقابة والإشراف على المؤسسات المالية (لم يكن منصوصاً عليه صراحة في النظام السابق) ، كما تم منح البنك المركزي صلاحية واسعة في عملية التشريع من خلال إصدار اللوائح والتعليمات بشأن المؤسسات المالية ، وهذا يعني أننا سنشاهد تطورات تشريعية وتنظيمية واسعة خلال السنوات القادمة في القطاع المصرفي ،كما تم تفويض البنك المركزي تنظيم سوق العملات الأجنبية ، أما ما يتعلق بالتقنية المالية Fintech فقد منح النظام البنك المركزي إنشاء وتطوير منصات التقنيات المالية ، والإشراف والرقابة عليها، وتشريعها. كما أن النظام منح البنك المركزي وضع التشريعات اللازمة لحماية عملاء البنوك.Consumer protection ، وهنا نتساءل عن ماهية التطورات القانونية التي سيقوم البنك المركزي بإجرائها على المبادئ التي أصدرتها عام ٢٠١٣ لحماية عملاء البنوك.
أيضاً من أبرز الاختصاصات التي منحت للبنك المركزي هو صلاحية تأسيس شركات تابعة له، والمساهمة في تأسيس شركات ،، والمشاركة في تأسيسها، بشرط أن تكون تقدم نشاط مشابه لنشاط البنك المركزي. وهذا التنظيم يتواكب مع توجه الأجهزة الحكومية مؤخراً في إنشاء شركات تكون أذرعة استثمارية لها ، وداعمة لها في عدة مجالات منها التقنية وتوظيف رأس المال البشري.
على خلاف نظام مؤسسة النقد، فإن نظام البنك المركزي حظر عليه تمويل أو إقراض أي شخص ذي صفة طبيعية أو اعتبارية باستثناء تمويل المؤسسات المالية لغرض إدارة السيولة أو مواجهة الأزمات ، و هذا حكم جديد لم يتضمنه نظام مؤسسة النقد الملغي. كما تم منح أصول البنك وإيراداته وممتلكاته الحصانة الكاملة ، وهذا أيضاً حكم نظامي جديد لم يتضمنه نظام مؤسسة النقد الملغي، كما أن أصول البنك المركزي لا تخضع لإجراءات الإفلاس بأي شكل من الأشكال.
أما من حيث حوكمة اتخاذ القرار في البنك المركزي ، فقد تضمن النظام أحكاماً جديدة في هذا المجال ؛ و ذلك من خلال مجلس إدارة البنك المركزي ؛ حيث تم رفع عدد أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي إلى سبعة أعضاء بعد أن كان خمسة أعضاء ، على أن تكون عضويتهم لسبع سنوات بعد أن كانت خمس سنوات ، ويتم تعيينهم بأمر ملكي ، ولابد ترشيح الأعضاء بالإتفاق بين وزير المالية ومحافظ البنك المركزي ، على خلاف ما هو معمول به سابقاً حيث كان الترشيح فقط من قبل وزير المالية.
و تأكيداً للاستقلال المالي والإداري للبنك المركزي فقد تم منح مجلس إدارة البنك المركزي صلاحية إصدار اللوائح المالية و الإدارية ، ولائحة الموارد البشرية ، مما يعني أن هناك احتمال لرؤية سلم وظيفي جديد لموظفي البنك المركزي يتناسب مع التوجهات الجديدة.
من الأحكام الجديدة التي تضمنها نظام البنك المركزي إضفاء نوع من الحصانة على موظفيه وذلك بألا يكونوا عرضة لأي مساءلة أو مطالبة بسبب تأديتهم لمهماتهم وفقاً لأحكام النظام باستثناء حالات سوء النية أو الإخلال الجسيم.
أما من ناحية التقاضي للتعاقدات التي يبرمها البنك المركزي فقد منح النظام البنك المركزي صلاحية تضمين عقوده واتفاقياته الخضوع لقوانين أجنبية ، واختصاص محاكم أجنبية بالنظر في تلك المنازعات أو اللجوء للتحكيم.
بطبيعة الحال ، لا يمكن في مقال مختصر تسليط الضوء بشكل مفصل على جميع أحكام نظام البنك المركزي ، ولكن الحكم الذي يستحق التفصيل فيه : هل يحق للبنك المركزي إقراض الحكومة وفق نظام البنك المركزي؟ قد يكون المقال القادم موضوعاً لهذا التساؤل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال