الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الكساد الكبير 1929 -1939
تستقيم الفرضيات عندما تكون عميقة الطرح حاملةً حيادية المفكر الاقتصادي والمصداقة مع ذاته اولاً ، وثانياً المعلومة الدقيقة بجانبٍ من الحقائق وبالرغم من التنوع التحليلي لأزمة الكساد الكبير الا ان معظم الاقتصاديين لم يتوصلوا للقشة التي قصمت ظهر البعير واختلافهم الكبير في المسببات والبدايات وأدوات العلاج لم تكن فرضيات توصل لليقين بقدر ما كانت بمثابة الاختبار الأول للنظام الاقتصادي الرأسمالي في زمن قُدر لهذه الأزمة ان تكون في عهد الاقتصادي الكبير جون مينارد كينز والذي قلب الطاولة رأساً على عقب لما سبق وان قاد منظرو المدرسة الكلاسيكية دفة الاقتصاد الفكري لسنوات طويلة ، صحيح انه لم يخرج من عباءة الاقتصاد الرأسمالي بل تجاوزه الى ادوات وافكار غير مسبوقة اسهمت في تحجيم ازمة الكساد الكبير ..
بداية القصة .. الى ما قبل ازمة كورونا تعتبر هذه الأزمة هي الأسوأ خلال القرن العشرين ، هذه الازمة من اكثر الازمات تعقيدا ذلك لأنها نتاج للاعتقاد ُ بأنها بدأت بالانهيار المفاجئ والكامل والغير متوقع لسوق الأسهم الأميركية في الرابع والعشرين من أكتوبر عام 1929، عندما باع المتداولون 12.9 مليون سهم في يوم واحد، وهو ثلاثة أضعاف الحجم المعتاد في “وول ستريت” ولاحقاً تفاقم الأمر بسبب السياسات الاقتصادية المتباينة للإدارة الأميركية آنذاك ، استمرت تداعيات الكساد الكبير لعدة سنوات واحدثت خسارة هائلة في مكونات الاقتصاد الكلي بما فيها الدخول ومعدلات البطالة التي وصلت لمستويات قياسية عطفاً على تعطل ونقص في الإنتاج وخاصة في الدول الصناعية في حين وصل معدل البطالة حوالي 25% في الولايات المتحدة عام 1933، وعزى المحللون ذلك التفاقم في المجمل الى السياسات الاقتصادية آنذاك ، على مستوى تاريخ الفكر الاقتصادي تعتبر هذه الازمة احد اهم المراحل التي مر بها تاريخ الفكر الاقتصادي الحديث والذي عنون الى التأسيس لنظريات وأفكار اقتصادية جديدة تعالج الخلل الذي احدثته تلك السياسات الاقتصادية في الهيكل والأداء .
داخل القصة ..
طالت آثار الكساد الكبير جميع جوانب المجتمع في الولايات المتحدة، وبحلول عام 1933 انخفضت الأجور بنسبة 42%، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي الامريكي إلى 55 مليار دولار من اصل 103 مليار مما احدث انكماشاً أدى الى الدفع بالأسعار للهبوط بنسبة 10% سنويًا كما تشير البيانات التاريخية ، ألقت الازمة بظلالها على الدول الاخرى والمدن والصناعات وتوقفت اعمال البناء ولحقت الاضرار بالقطاع الزراعي والتعدين ونضوب فرص العمل واصبح الإنتاج الكلي شبه معطل ، سادت الاقتصاد حالة من التشاؤم الكبير وبالرغم من ذلك كان هناك طيفا كبيرا من الصناعيين والاقتصاديين يؤمنون بمرحلة قادمة تنقل الاقتصاد الى الانتعاش والازدهار واعتبروها مرحلة تأتي وتذهب ، خلال مرحلة هذه الازمة كان الائتمان متماسكا وبفائدة قليلة بيد ان الناس لم يكونوا متحمسين للاقتراض كان تركيزهم نحو الترقب وعدم المخاطرة وفي مارس 1933 وصل انهيار التجارة العالمية وسوق البورصة الى القاع بمعدل ثابت .
نهاية القصة ..
قدم العملاق الاقتصادي جون مينارد كينز وصفة اقتصادية فريدة ومغايرة لما كان عليه الاقتصاد الكلاسيكي هذه الوصفة كانت بمثابة العلاج الشافي لإخراج الاقتصاد العالمي من ازمة الكساد فيما سميت بالنظرية الكينزية فقد تبنى سياسة اطلاق الحكومة لتتحمل مسؤوليتها في إدارة الاقتصاد والسيطرة على الاستثمار من خلال السياسة المالية التي تركز على الإنفاق والضرائب، والسياسة النقدية التي تتجه الى القروض وأسعار الفوائد بهدف تنشيط الطلب وتحقيق النمو وخلق التوازن بين قوى العرض والطلب وتحقيق التشغيل الكامل ، نجح كينز في تفعيل نظريته التي شكلت محورا مهما ومنعطفا تاريخيا وحاسما وكان له الفضل الكبير في انتشال الاقتصاد العالمي من براثين تلك الازمة واستمرت الدولة بعد ذلك في إدارة أداتي الطلب الكلي والتحكم في مستويات التوظيف ومعالجة الاختلالات في آليات السوق الحر ومن المهم الإشارة الى ان الجدل الاقتصادي حول دور الدولة في الاقتصاد وحدودها وأدوارها لازال محل اهتمام واختلاف الآراء داخل منظري المدارس الاقتصادية ورواد الفكر الاقتصادي لكن المؤكد ان النظرية الكينزية كانت فرس الرهان الذي لا يشق له غبار حيث تم دعمها وتبنيها من قبل الرئيس فرانكلين روزفلت والذي قرر حينها إنشاء عشرات الوكالات وخلق فرص العمل والسماح بتدشين النقابات وتقديم تأمين ضد البطالة ، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ارتفعت الاستثمارات الخاصة من 10.6مليار دولار إلى 30.6 مليار دولار خلال 12 شهرًا ، وبدأ سوق الأسهم موجة تصاعدية خلال سنوات قليلة ، يرى كبار مفكري ومنظري الدورات الاقتصادية بأن هذه الحرب هي من اعادت وتيرة الاقتصاد وأنهت ازمة الكساد الكبير بينما ارجعها آخرون الى النظرية الكينزية وادواتها الغير مسبوقة.
يتبع الأسبوع القادم ..
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال