الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عند النظر لموضوع حوكمة الشركات، فإنَّ العديد من العناصر القانونية والإدارية والمالية تختلطُ ببعضها بعضاً؛ والسبب أنَّ الحوكمة بطبيعتها هي مفهومٌ واسعٌ يُحدِّدُ الهدف الأسمى في الإدارة الرشيدة ويَضعُ الطريق القويم للإدارة على شكل مجموعةٍ من المعايير المثالية.
إلاَّ أنَّ نطاق الحوكمة التشغيلي ضمن أعمال الشركة يَشملُ محاوراً تنتمي إلى تخصُّصاتٍ متنوِّعةٍ؛ فهي تشمل الأمور القانونية مثلما تشمل الممارسات المالية والشفافية وبالإضافة إلى مواكَبَة التقنيات الإدارية الحديثة.
هذه الطبيعة المُعقَّدة للحوكمة، قد وضعت معاييراً متنوعةً مثاليةً لأداء مجلس الإدارة، الأمر الذي قد لا يستطيع المجلس استيعابه أو مواكبة التغييرات العالمية المرتبطة به.
ومن هنا نشأت فكرة “لجنة الحوكمة” حتى تكون هي الجهة الخبيرة بتقديم الدعم والتوصية لمجلس الإدارة بخصوص معايير حوكمة الشركات، هذا هو المفهوم البسيط لعمل لجنة الحوكمة.
فقد حدَّدت لائحة الحوكمة الصادرة عن هيئة السوق المالية اختصاصات “لجنة حوكمة الشركات” فيما يلي (م/94 لائحة الحوكمة):
التأكُّد من تطبيق الشركة لمعايير الحوكمة الخاصَّة بالهيئة،
مراجعة وتحديث قواعد الحوكمة في الشركة وفق أحدث الممارسات،
مراجعة وتطوير قواعد السلوك المهني وغيرها من السياسات والإجراءات الداخلية،
إطْلَاعُ مجلس الإدارة على أحدث التطوُّرات والممارسات في مجال الحوكمة.
إلاَّ أنَّ لجنة الحوكمة بقيت -وفق لائحة الحوكمة- ضمن نطاق القواعد الاسترشادية للشركات المساهمة (م/95 لائحة الحوكمة)؛ وهذا يعني أنَّ وجود هذه اللجنة غير ملزمٍ (م/2-ب نفس اللائحة).
فهل يمكن القول بأنَّ نشاط لجنة الحوكمة ينحصر في الإطار الثقافي التوعوي لمجلس الإدارة؟
إنَّ الإجابة السطحية لهذا التساؤل تقول بأنَّ لجنة الحوكمة هي لجنة توصياتٍ ذات نشاطٍ غير ملزمٍ لمجلس الإدارة.
إلاَّ أنَّ الواقع العملي لنشاط لجنة الحوكمة يمنحها أهميةً استثنائيةً قد تتفوَّق على اللجان ذات الوجود الإلزامي والصلاحيات الواسعة؛ والسبب أنَّ هيئة أسواق المال عندما ستعمل على تقييم للشركة، فإنَّها سترى مدى احترام الشركة لأحدث معايير الحوكمة الوطنية والعالمية حتى الاسترشادي منها، وعلى أساسه تأخذ الهيئة انطباعها تجاه الشركة، هذا الانطباع سيكون حاسماً لمستقبل الشركة في الكثير من الحالات، مثل البتِّ في طلب الإدراج في السوق.
كما أنَّ احترم الشركة لمعايير الحوكمة في ظلِّ وجود لجنةٍ مُتخصِّصةٍ بتطويرها ومراجعة أنظمتها، يلعب دوراً هامَّاً في إقناع جهات التمويل من الشركات والبنوك بدعم الشركة، لأنَّ قيام لجنة الحوكمة بدورٍ ظاهرٍ في الشركة يرفع من مستوى شفافيتها وموثوقية بياناتها.
بالتالي، حتى وإن قام مجلس الإدارة في شركة المساهمة بتنفيذ كافَّة القواعد النظامية واحتَرَمَ اللوائح الملزمة، فإنَّ مجلس الإدارة هذا سيبقى في حالةٍ من العزلة عن الارتقاء في تطبيق المعايير الاسترشادية، وبعيداً عن تطبيق أحدث معايير الحوكمة العالمية؛ ممَّا سيضرُّ الشركة ويَقودُهَا نحو رفض طلب الإدراج أو إلغاء إدراجها مع الوقت بالنظر إلى المنافسة الهائلة بين الشركات التي تتسابق نحو الارتقاء بمعايير حوكمتها في السوق.
كما أنَّ عدم تطبيق أحدث معايير الشفافية في الشركة سيجعلُ شركات التمويل والبنوك تتردَّدُ في منحها التمويل؛ بسبب ارتفاع هامش المخاطرة في تمويل هذه الشركة بالنظر إلى غموض مركزها المالي.
وبالنتيجة، فإنَّ المطلوب من إدارة الشركة المساهمة ليس الاحترام التقليدي للأنظمة واللوائح الملزمة، بل هو التنافسية في تحقيق أرقى مستويات معايير الحوكمة.
فإذا كان التساؤل: هل يُعتبرُ وجود لجنة الحوكمة من قبيل التزيُّد في الشركة؟
ستكون الإجابة نعم، لكن بالنسبة لشركات المساهمة ذات الطموح المتواضع فقط.
ومن وجهة نظرٍ شخصيةٍ، يبدو أنَّ تأسيس الشركة أو وصولها إلى شكل شركة المساهمة يجب أن يفرض عليها وجود لجنة حوكمةٍ منبثقةٍ عن مجلس إدارتها بشكلٍ ملزمٍ وليس استرشاديٍّ؛ خاصةً في ظلِّ الطموح للوصول إلى أعلى مستويات الممارسات الإدارة للأعمال التجارية.
تتشابهُ هذه الرؤية مع الفكرة التي طرحتها معايير مجموعة العشرين في مراجعة مجلس الإدارة المستمرِّة لهيكل الشركة الداخلي: “continuous review of the internal structure”؛ بغرض الوصول إلى “التقييم الذاتي” “Self-Assessment” (المعيار VI-D-2، صـ47-48 معايير مجموعة العشرين)، لكن لجنة الحوكمة لا تقوم بالتقييم بغرض المراجعة؛ بل بغرض التطوير والارتقاء بمستوى الشركة وتنافسيَّتها، الأمر الذي يفتح للشركة أبواب الإدراج والتمويل.
أي ببساطة، طالما أنَّ دور لجنة الحوكمة يتمتَّع بطبيعةٍ استشرافيةٍ تطويريَّةٍ، فإنَّ هذه اللجنة قادرةٌ على منح الشركة آفاقاً جديدةً لا يمكن الاستغناء عنها في ظلِّ ظروف العمل التجاري والمنافسة.
هذا إلى جانب أنَّ الوجود الإلزامي للجنة الحوكمة -إن تحقَّق- سيُساهمُ في تخفيف الحاجة للكثير من الأنظمة أو اللوائح الملزمة مع مرور الوقت، لأنَّ الشركة ستتمتَّع -شيئاً فشيئاً- بعملٍ إداريٍّ شفَّافٍ ومثاليٍّ، فيكون المطلوب من الهيئة -حينذاك- المزيد من المرونة فقط، وليس الصرامة؛ ويعود السبب للدور الجوهري الذي تلعبه لجنة الحوكمة في تنظيم الشركة ذاتياً.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال