الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خرجت السعودية بامتياز من عنق الزجاجة في العام الأول من الآثار الاقتصادية التي اجتاحت العالم نتيجة انتشار فايروس كورونا كوفيد 19، واستطاعت بحكمة وثقة إدارة الأزمة بتعاون مختلف القطاعات الحكومية. وجاءت الميزانية السعودية، أشبه بـ كمامة ومعقم تتماشى مع الأوضاع الاقتصادية العالمية وتوجيه الصرف فيما يوازي بين الإنفاق الحكومي على المشروعات التنموية وأيضا يخفف العبء على المواطنين من الأثار التي تركتها الجائحة، ودعم القطاع الخاص، وإعطاء الأولوية للقطاع الصحي والاجتماعي والأمني وصناديق الإقراض التنموية.
واجهت السعودية اكثر من جبهة خلال العام 2020 من أهمها تراجع أسعار النفط وانخفاض الطلب عليه، واستطاعت بجهود الدول المنتجة للنفط بضخ المزيد من الطمأنينة رغم تعرضها خلال العام لبعض المضايقات الإرهابية في تنفيذ أعمال تخريبية على ناقلات النفط والتخزين من اجل التأثير على الأسواق، إلا أنها تمكنت من إحكام قبضتها ومعالجة الأزمة بشكل احترافي بعد الاتفاق الأخير مع حلفاءها في أوبك ومعاودة ارتفاع أسعار النفط لتتجاوز فوق 50 دولار، ما يعني أن السعودية مقبلة على تعافي اقتصادها بشكل سريع، وهو ما أشارت إليه تقارير وتحليلات اقتصادية عالمية أن السعودية سجلت تفوق مقارنة بأكبر عشرة اقتصادات في العالم خلال الربع الثاني من العام الجاري، وهي ذروة تأثير جائحة كورونا في الاقتصادات العالمية.
واستند التقرير إلى بيانات جهات الإحصاء الرسمية في الدول التي يشملها التحليل، فإن الحكومة السعودية استطاعت تخفيف أثر الجائحة في الاقتصاد عبر حزم تحفيز اقتصادية بمليارات الريالات، ورغم انكماش الاقتصاد السعودي 7 في المائة خلال الربع الثاني، إلا أنه جاء أفضل من حيث الأداء الاقتصادي في تسع دول من بين أكبر عشرة اقتصادات في العالم، فيما لم يتفوق عليه سوى الاقتصاد الصيني فقط بنمو 3.2 في المائة. لكن ذروة تأثر الاقتصاد الصيني بالفيروس كانت في الربع الأول الذي انكمش خلاله بنسبة 6.8 في المائة، وعليه يكون الاقتصاد السعودي ثاني أفضل أداء مقارنة بالعشرة الكبار عالميا خلال ذروة الجائحة.
اذا ما رجعنا الى أرقام الميزانية سنجد أنها جاءت متوافقة مع الأوضاع الاقتصادية العالمية، حيث حملت نحو ترليون ريال إجمالي النفقات في ميزانية 2021 فيما تبلغ الإيرادات 849 مليار ريال، ورغم الظروف الاقتصادية وتأثر الكثير من القطاعات نتيجة جائحة كورونا إلا أن السعودية لديها ثقة أنها ستتجاوز الأزمة وسوف تتعافى تدريجيا مع تطبيق كل الإجراءات الاحترازية والوقائية حيث سجلت إصابات الأفراد من الجائحة تراجعا كبيرا بلغت اكثر من 90 في المائة وهذا يعود الى الحزم في تطبيق الإجراءات واتبعت خطوات مهمة منها تنظيم دخول المسجد الحرام والمسجد النبوي وتنظيم العمرة، ومنع التجمعات مثل مراسم الزفاف والحفلات وأيضا مراسم العزاء والدفن، وفرضت غرامات مالية لكل من يتجاوز هذه الأنظمة والتعليمات.
بيان المالية يمثل استمراراً لنهج الحكومة في الإفصاح المالي والشفافية، والتي تعد أحد الركائز في عملية تطوير إعداد وتنفيذ الميزانية العامة للدولة، ورفع كفاءة إدارة المالية العامة، كما تمثل رؤية المملكة 2030 مرحلة تحول رئيسة للاقتصاد السعودي، وانطلاقة جديدة نحو المستقبل، حيث قامت الحكومة خلال السنوات الماضية في تنفيذ برامج تحقيق الرؤية، والإصلاحات الهيكلية والاقتصادية والمالية، والمبادرات لتنويع القاعدة الاقتصادية، وقد ساهمت هذه الإنجازات في تعزيز قدرة الاقتصاد على الصمود وقت الأزمات وادت هذه الجهود إلى تحسين قدرة الحكومة على الاستجابة للتحديات المصاحبة للأزمة، بما في ذلك مبادرات تنمية الإيرادات غير النفطية، والتي ساهمت في تعزيز مرونة المالية العامة.
جاءت ميزانية السعودية للتأكيد على توفير كافة السبل للتعامل مع أزمة جائحة (كوفيد-19) والحفاظ على صحة المواطنين والمقيمين كأولوية قصوى، واستعادة وتيرة النمو الاقتصادي، وتعزيز منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية، والخدمات الأساسية، وتحفيز وتمكين القطاع الخاص، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مع الحفاظ على الاستقرار المالي الضروري لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام على المدى المتوسط والطويل، ورغم ما شهده العام المالي 2020 مـن أوضـاع اقتصاديـة اسـتثنائية ناتجـة عـن جائحة كوفيد 19 أولت السعودية الأهمية الكبرى لتعزيز كفاءة الإنفاق وتوجيهه لدعم المجالات الأكثر تأثرا وإلحاحا لمواجهة الأزمة وبمــا يحقــق الانضباط، مع الأخذ في الاعتبار عدم تفاقم النفقات خاصة في ظل ما شهدته من تدني في الإيرادات النفطية، ومع ذلك فقد أنفقت السعودية ترليون و680 مليار خلال العام الجاري بارتفاع 0.8 في المائة مقارنة بعام 2019.
وتبين بوضوح أرقام الميزانية أن السعودية في سبيل برامج التنمية واستدامتها وتنشيط اقتصاداتها، سعت الى السحب من الاحتياطي وارتفاع العجز من 4.5 في المائة عام 2019 لتبلغ 12 في المائة في 2020 وتصل لنحو 300 مليار ريال، وهو ما أدى الى ارتفاع رصيد الدين العام الى 854 مليار ريال أي بنحو 34.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وسحب 123 مليار ريال من الاحتياطيات الحكومية في البنك المركزي لتغطية عجز الموازنة وبعض القروض التابعة لخطة التحفيز.
قد يرى البعض أن استمرار السحب من الاحتياطي يشكل قلقا وربما قد تضطر معها الحكومة الى فرض المزيد من الضرائب وإلغاء بعض المزايا لتغطية العجز والتراجع الاقتصادي، إلا أن هذا الأمر غير مقلق خاصة وانها وضعت خطة محكمة لإعادة الأنشطة الاقتصادية، فهي على وشك الإعلان لعودة مغادرة السعوديين الى الخارج وللقادمين وتفعيل البرامج السياحية والسفر وأيضا عودة المعتمرين والحجاج وفق الإجراءات الاحترازية فضلا عن ضخ المزيد من السيولة في المشروعات الضخمة التنموية.
وربما قد حان الوقت للنظر في تنفيذ برامج التخصيص وتعجيل تسليمها للقطاع الخاص، وهذا سيخفف من العبء على خزينة الدولة في استمرار الإنفاق عليها، ورصدت الميزانية 100 مليار ريال لنفقات التمويل والمنافع الاجتماعية والإنفاق على منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية التي تستهدف الأسر والأفراد المستحقين، كما حملت الميزانية مشروعات جديدة، منها تطوير بيئة تراخيص البناء وتقليص عدد الإجراءات والمدة ورفع الجودة واطلاق المنصة الموحدة لتصاريح الحفريات وتأهيل 4 مستشفيات تكون مرجعية للتعامل مع الحوادث والكوارث النووية والإشعاعية الى جانب افتتاح واحات نموذجية لكبار السن.
أما في المجال الثقافي سيتم إنتاج 400 فيديو قصير و3 مسلسلات لتوثيق التراث الثقافي، وتنفيذ البرنامج الوطني للاستمطار الصناعي وزيادة نسبة الأمطار من 5 في المائة الى 20 في المائة، أما القطاع الجمركي سيكون له دور مهم المرحلة المقبلة وخاصة في ميزانية 2021، وهو تقليص زمن الفسح الى ساعتين كحد اقصى، وتوطين الوظائف النوعية وذات الأولوية وخلق 115 الف وظيفة، والبدء في تطوير بحوث الصناعات العسكرية من خلال خطة خمسية، فضلا عن تطوير البنى التحتية والتقنية لخدمات الأحوال المدنية، ويهدف المشروع الى تخفيض التكاليف التشغيلية بنسبة تتراوح ما بين 70 الى 95 في المائة.
إعلان ميزانية السعودية حملت رسائل عديدة، منها الى أعدائها الذين حاولوا بشتى الطرق منعها ألا تعود بهذه السرعة وتتعافى تدريجيا، وادى تجاوب سكانها مع الإجراءات الاحترازية، وتفاعل القطاع الخاص مع الكثير من المبادرات، وأيضا أهمية أن تستمر الإجراءات الاحترازية كما هي والتزام الناس بها، لان كلما تعافينا سريعا عادت الحياة الاقتصادية والتدفقات النقدية وانتعاش السوق وخلق فرص عمل للعاطلين وزيــادة معدلات الاستهلاك والطلـب المحلـي واســتثمارات القطــاع الخــاص المحلــي والأجنبي فــي القطــاع غيـــر النفطـــي. كمــا ســيؤدي ذلــك إلــى تحســــن الميــــزان التجــــاري للمملكـــة مـــع الشـــركاء الرئيســيين نتيجــة لتخفيــف الإجراءات والتدابير الاحترازية المتخذة وتحســن سلاسل الإمداد العالميـــة الأمر الـذي ســـينعكس إيجابـاً علـــى الاقتصاد المحلـــي وقـد يـؤدي إلـى نتائـج مالية واقتصاديـة أفضـل ممـا بنيـت عليـه ميزانيـة 2021.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال