الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كمبدأ عام مسؤولية الشركاء والمساهمون عن ديون والتزامات الشركات العقدية أو التقصيرية منها هي محدودة في مقابل الأسهم أو الحصص التي تلقوها مقابل الاستثمار في رأس مال الشركة. ولكن هذه القاعدة الذهبية ليست على جميع الأحوال, ففي بعض الأنظمة كالأمريكي و البريطاني قد يكون هناك خروجاً عن هذه القاعدة تسمى برفع حجاب أو ستار الشركة. ويترتب على حالة رفع ستار الشركة أن تكون التزامات وديون الشركة وكأنها شخصية على من يملك الحصص والأسهم. فهذا الجزء الأول من هذه المقالة سيحاول تقديم لمحة عامة عن مبدأ مسؤولية الشركة ورفع حجاب الشركة ل
ارتباطهم مع بعضهم البعض وايجابياتها وسلبياتها قبل الجزء الثاني والذي سيتعرض إلى مبدأ رفع ستار الشركة والمطالبة الشخصية بديون الشركة وحالات أدعى فيها أيضًا إلى رفع الحجاب ولكن سكت عنها المشروع وأخيرا ً كيف على المحاكم السعودية التعاطي مع هذا المبدأ الصعب المهم حيث ستكون لها الكلمة الأخيرة في تقرير رفع حجاب الشركة من عدمه حتى لا يكون هناك الخلط بين المسؤولية المحدودة -كقاعدة أساسية- وحق المساهمين والشركاء في تحديد مسؤوليتهم وبين رفع الحجاب -كخروج على هذه القاعدة- لا سيما وليس هناك قواعد واضحة يمكن للمحاكم الاتكاء عليها.
بقراءة مشروع نظام الشركات السعودي وبالتحديد (مادة ٢٥) منه يستطيع الشخص استقراء محاولة المشروع السعودي التماشي مع المنهج الأمريكي والبريطاني وبالذات مع الأخير حيث أستعان المشروع من النص البريطاني بالتحديد Insolvency Act 213 – على الرغم أنها تخص المصفي أكثر منها بدائني الشركة في الخروج عن ميزة تحديد المسؤولية ورفع حجاب الشركة وجعل من خلف ذلك الحجاب مسؤول شخصياً عن ديون والتزامات الشركة.
بداية قبل الحديث عن مبدأ رفع ستار الشركة يمكن القول أنه مرتبط تماماً مع مبدأ المسؤولية المحدودة لهذا عندما يريد شخص تأسيس شركة له لا شك تحديد مسؤوليته عاملًا مهم في اختيار هيكلية الشركة. ودون الدخول في التفاصيل التاريخية ولكن يمكن القول إن مبدأ مسؤولية المحدودة تطور عبر التاريخ القانون الإنجليزي من مفهوم شنيع والمطالبة بإغراق في البحر في كيس مع الأفاعي من يتقاعس عن سداد ديونه إلى أن أصبح مبدأ راسخًا تحترمه المحاكم الغربية بشكل كبير. فاليوم ليس هناك أي حرجًا قانونياً أو أخلاقياً من أن يقوم شخص بتأسيس شركة منفصلة عنه فقط لتحديد مسؤوليته ضد التزامات وديون الشركة وحماية أصوله وممتلكاته و-وليس التهرب منها-.
مفهوم تحديد المسؤولية مرتبط تماماً بفكرة ماهية الشخصية المعنوية المنفصلة عن ذمم الشركاء والمساهمين. فهذا التحديد لمسؤولية الشريك ,أو المساهم من ديون الشركة العقدية أو التقصيرية يمنحهم جداراً افتراضيا “تخيلي” يحميهم من أيا مطالبات والتزامات نابعة من امتلاكهم لحصص أو أسهم في شركة ما نتيجة للانفصال بين ذمهم وذمة الشركة. وعليه ليس لدائن الشركة اختراقه والتوجه مباشرة والمطالبة بتلك الديون بشكل شخصي. وبهذه النتيجة فلا هناك ضمانة لدائني الشركة غير رأسمالها وأصولها وموجوداتها بقدر حصة ذلك الشريك أو المساهم في رأس مال الشركة. ومع تطور الفقه أصبح هذا المبدأ ينطبق على مجموعة الشركات أي الشركة الأم وشركاتها التي تستحوذ عليها وتصبح شركة تابعة لها, فلا تنصرف مسؤولية الشركة الأم عن التزامات وديون الشركات التابعة كقاعدة عامة.
فلهذا غير مستغرب أن يجد الشخص في أدبيات القانون وبالذات الاقتصادية منها واصفة مبدأ مسؤولية المحدودة ” كأعظم اختراع في القرن الحديث متجاوزاً آلة البخار والكهرباء”. فمن خلالها يتمكن أصحاب الأعمال القيام بالكثير من المشروعات التجارية والمجازفة دون تعريض أموالهم الشخصية إلى الخطورة والخسارة. بالإضافة لذلك يرى البعض تحديد المسؤولية عن ديون الشركة يدفع من عجلة تطور أسواق المال و تنوع المحافظ الاستثمارية, حيث لو طٌلب من كل مستثمر أن يكون مسؤولًا بالكامل عن ديون الشركة فلن يستثمر أحد في الأسواق المالية حيث سيكون من غير المعقول أن يطلب من مستثمر بمبلغ صغير أن يكون مسؤولًا عن ديون كل الشركة.
ولكن لا يعني ان جميع القوانين وحتى الفقه القانوني متفقو على إيجابيات مفهوم المسؤولية المحدودة. لهذا يجد الشخص في بعض الأنظمة التي لم تقر أو لم تتشكل القناعة التامة لدى المنظومة القانونية وبالتحديد لدى قضاتها التشكيك في أهمية ذلك المبدأ. وحقيقة التشكيك في عدم عدالة تحديد المسؤولية عن ديون الشركة قد يكون مقبولًا إلى حدًا كبير حيث له من الظلم أن تتحمل المجتمعات والعاملين بالشركة والدائنون تلك الديون والمخاطرة غير المحسوبة لأصحاب المال والشركات خاصة في حالة إفلاس المنشأة فضلًا وهم لم يشاركوا في إدارة الشركة أو قرارتها. ففي النهاية الإقرار بمبدأ تحديد المسؤولية المحدودة ينتهي بهذه النتيجة: (توجيه كل الأرباح للشركاء والمساهمين بالشركة, وتحميلهم الخسارة بقدر ما ساهموا به ومايزيد عن ذلك يتحمله غيرهم كالدائنون والعمالة والموردين وغيرهم).
ولكن على الجانب الآخر ترد النظرية الاقتصادية ضد مثل هذه الانتقادات وبالأخص الانتقاد المتعلق Externality Risk أي نقل تكلفة الخسارة من الشركة إلى من يتعامل معها هذا شيئًا يتوجب دراسته بتمعن من قبل الدائنون وعلى كل شخص يتعامل مع الشركة في أن يكونوا أشد حرصاَ في محاولة تقليل من هذه المخاطر إلى أدنى درجة ممكنة كالحصول على ضمانة شخصية أو رهن. ولا أعتقد هذا الجدل الطويل المهم بين هذين الفريقين منهم مع أو ضد مبدأ المسؤولية المحدودة سينتهي قريباً بل يتجدد مع كل أزمة اقتصادية حتى وصل إلى الحد الذي أصبح يتم التشكيك بهيكلية الشخصية الافتراضية غير الحقيقية للشركة. والمهم هنا للقارئ هو استيعاب أنه إلى حد كبير بالذات على المستوى الغربي أن مبدأ المسؤولية المحدودة أصبح من المسلمات يحترم فيها ذلك التحديد ويكون التعامل على أساس الربح والخسارة وأخذ الاحتياطات اللازمة.
ولكن ماذا لو أصبحت الشركة نفسها ليس إلا مجرد غطاء وستار وهمي للخداع؟ أو كانت هناك سيطرة من الشركة الأم على التابعة إلى الحد يلغى الهيكلية فيما بينهما -وكأنهم شخص واحد -فهل ممكن رفع ستار الشركة التابعة للوصول الأم؟ أو قيام مؤسس لشركة في تقديم قرض لشركته هل يفسد الفصل بين الشركة وبين المؤسس فتكون هناك مطالبة شخصية عليه أم تراه المحكمة تصرفاً يعكس حسن النية من مؤسس يريد معاجلة الوضع المالي وإنقاذ للشركة؟ أو العكس هل نحتاج إلى رفع ستار الشركة في حالة قيام المؤسس بتهريب أصول للشركة قبل اعلان افلاسها عوضًا عن جعل المصفي يقوم بالمطالبة الشخصية؟ وغيرها من الأسئلة والوقائع المهمة التي تجعل التمسك بقاعدة المسؤولية المحدودة موقفاً غير عادلا مما يجعل التدخل من المنظم أو المحكمة ضرورياً.
لهذا يمكن القول ان رفع ستار الشركة والوصول لمن هو خلف الحجاب وكأنه حلاً وسط لكلا الطرفين, من يؤمن بأهمية مبدأ المسؤولية المحدودة ومن يرى يجب الخروج عن ذلك وفقًا لما تطلبه الوقائع القانونية ذلك. بعبارة أخرى, قد يقرر النظام على سبيل الاستثناء لمصلحة عامة الخروج عن قاعدة -المحافظة على مبدأ مسؤولية المحدودة وانفصال الذمم- حماية لطرف آخرا تعامل مع الشركة والوصول إلى أموال والأصول الشخصية للشركاء أو المساهمون. فعندما يرفع ستار الشركة يمكن المطالبة الشخصية عن ديون الشركة والتزاماتها وكأن لم يكن هناك شركة أو شخصية معنوية من الأساس. أي بعبارة أخرى, كاستثناء على القاعدة العامة الذهبية ستكون هناك مسؤولية شخصية عن التزامات الشركة متى ماتم رفع ستار الشركة وسيتم تجاهل مبدأ محدودية المسؤولية المحدودة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال