الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لم يكدر استقرار البشرية وطمأنيتها منذ الأزل مثل الجريمة، فالجريمة لها أشكال وألوان وطرائق، تتلون وتتشكل بصبغة المجتمع وبيئته وظروفه الاقتصادية والسياسية والنفسية والاجتماعية، فقد انتقلت الجريمة من شكل إلى شكل ومن طور إلى طور حتى أصبحت بما يعرف في زمننا الحاضر بالجريمة المنظمة، وهي خلاف للجريمة العشوائية والمفاجئة واللحظية، فالجريمة المنظمة لها أهدافها وخططها ووسائلها وقدراتها وتعقيداتها.
فأصبح العالم اليوم يهتم بالجريمة المنظمة لما لها من خطورة بالغة تهدد المصالح الوطنية الاقتصادية والعالمية، وحيث أن حب المال هو الدافع الأكبر والأخطر لارتكاب هذه الجرائم، فقد بينت شريعتنا الإسلامية الغراء هذا الحب الذي قد يؤدي بالإنسان للانحراف والجريمة، فقال تعالى في سورة الفجر آية 20:(وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)، فحب المال غريزة بشرية يهذبها الدين والأخلاق، ولكن بعض النفوس البشرية المجبولة على حب المال تحاول إشباع هذه الغريزة دون رادع من دين أو أخلاق، فكان لا بد من وجود قوانين تجرم هذه الأفعال وتحمي المجتمعات من شر هذه النفوس التي تحاول إشباع غرائزها وغاياتها دون النظر لقانونية هذه الوسائل من عدمة.
عندما كثر المال بأيدي الناس كان لا بد من توفر الإمكانات البشرية والإدارية لتكن وعاء يستوعب هذا المال وينميه، فكانت فكرة إنشاء الشركات التجارية حاضرة، فنشأت الشركات التجارية لغاية مشروعه، وهي الربحية، لكن هذه الغاية المشروعة قد تطغى عليها وسائلها غير المشروعة، في غياب الدين والأخلاق كما قلنا ذلك سابقاً، فابتكرت بعض الشركات التجارية أساليب إجرامية متطورة ومعقدة حتى يصعب على متتبع هذه الأفعال الحصول على دليل يدين فاعلها.
وبعد أن شعرت الدول بخطورة هذه الأفعال قامت بسن القوانين التي تجرم بعض الأعمال التي يقوم بها الشخص المعنوي عن طريق الأشخاص الطبيعيين العاملين لدى الشخص المعنوي ولمصلحته، فترجع الدول للقانون العقابي العام تارة وتسن قوانين وتشريعات جنائية جديدة تارة أخرى، وكانت المملكة العربية السعودية من هذه الدول التي استشعرت هذا الخطر وسنت نظاماً خاصاً ينظم أعمال هذه الشركات التجارية ويعاقب المخالف منها، فقد اضطلع هذا النظام بتنظيم الشركة وتنظيم تعاملاتها مع الغير حماية لها ومنها، للحد من تسلط هذه الكيانات على مقدرات الوطن فيما لو كان لها نزعة إجرامية، فكان الباب الحادي عشر من نظام الشركات التحارية خاصاً بالعقوبات (وفيه ثمان مواد هي: (211-218).
هذه العقوبات تشمل السجن بما لا يزيد عن خمس سنوات وغرامة لا تزيد على خمسة ملايين أو بأحدهما وهذا متروك لتقدير القاضي ناظر الدعوى حسب ظروف وملابسة الجريمة وبيئتها وظروف الجاني والمجني عليه ومقدار الضرر علماً أنها هذه العقوبات تشدد في حالة العود للجريمة خلال ثلاث سنوات من تاريخ الحكم على الجاني بحكم نهائي، ويدعي بهذا الحق جهاز النيابة العامة وتقام الدعوى الجنائية على المدير أو المسؤول أو عضو مجلس الإدارة ومراجع الحسابات أو المصف، كل حسب فعله الإجرامي وتقام أيضاً على الموظف العام الذي يفشى أسرار الشركة التي اطلع عليها لغير المختصين، وتقام الدعوى الجنائية أيضاً على كل شخص معين للتفتيش على الشركة إذا أعد تقرير وقائع كاذبة أو أغفل وقائع جوهرية من شأنها أن تؤثر في نتيجة التفتيش، وكذلك تقام الدعوى الجنائية على كل من انتحل شخصية مالك الأسهم أو الشريك أو قام نتيجة هذا العمل بالتصويت سواء قام بذلك شخصياً أو بواسطة شخص آخر.
وقد لاحظنا وإياكم اثناء استعراض هذه الأفعال الإجرامية تنوعها وتعقيدها لكن كان النظام لها بالمرصاد، وقد نصت المادة (217) من نظام الشركات التجارية على إقامة الدعوى في الأفعال المجرمة المنصوص عليها في المادتين (211 و212) على الشركة (الشخص المعنوي) إذا تعذر إقامتها على مرتكبها (الشخص الطبيعي) وهذا يبين لنا أن المملكة العربية السعودية من الدول التي ترى مسؤولية الشخص المعنوي (الشركة التجارية) على الأفعال المجرمة مسؤولية جنائية متى تعذر إقامة الدعوى على الشخص الطبيعي وهذا يؤسس لمقالي القادم بإذن الله الذي سأتحدث فيه عن مسؤولية الشخص المعنوي جنائياً عن الأفعال التي يرتكبها الأشخاص الطبيعيين متى كانت هذه الأفعال بأمر أو لمصلحة الشخص المعنوي.
وقد نص هذا النظام أيضاً في المادة (218) أيضاً على أن تطبيق كل هذه العقوبات لا يمنع أي شخص من حق الرجوع بالتعويض على كل من تُسَبِب له هذه الجرائم والمخالفات أي ضرر.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال