الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
شهد العقد الأخير تقدُّمًا جذريًّا في برامج تمكين المرأة السعوديَّة، وارتفاعًا ملحوظًا في نسبة مشاركتها في سوق العمل، ومنحها فرص التعبير عن قدراتها، واستثمار طاقاتها في تنفيذ برامج التحوُّلات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة التي تشهدها المملكة. إنجازات العناصر النسويَّة السعوديَّة في سوق العمل، وما احتلَّته من مواقع قياديَّة متيِّمزة لم تكن نتاج تجربة مريحة، بل حصيلة صراع طويل يستحقُّ الإعجاب والتقدير ضدَّ عوائق اجتماعيَّة قاسيَّة وحواجز مؤسَّسيَّة مصطنعة بالغة التعقيد.
ردم “الفجوة الداخليًّة” بين الجنسين، وتحقيق المساواة في سوق العمل، تعدُّ من التحدِّيات المعقَّدة التي تجابهها المجتمعات الساعية إلى إرساء مباديء العدل الاجتماعي، وتحقيق الرخاء الاقتصادي. هذه الطموحات مع كلِّ ما حقَّقته من إنجازات على صعيد تمكين العنصر النسوي، وتكافؤ توزيع فرص العمل، وتساوي الأجور، ما تزال تهيمن على فقرات السجال السياسي في الدول المتطوِّرة. المكتسبات المتحقِّقة في المجتمعات المذكورة، أفرزتها عقود من العمل لتطوير التشريعات والسياسات المؤسَّسيَّة، والجهد الدؤوب لمنظَّمات المجتمع المدني. والأهم مساعي قوَّة العمل النسائيَّة، ونجاحها في تطوير قدراتها الفكريَّة ومؤهِّلاتها الانتاجيَّة.
هناك معياران أساسيَّان يجب توافرهما في استراتيجيَّة زيادة نسبة مشاركة العنصر النسوي في القوَّة العاملة، وخطط تقليص “الفجوة الداخليَّة” بين الجنسين كي تحقِّق أهدافها المنشودة:
المعيار الأوَّل؛ يكمن في “مبدأ العدالة” وضرورة تحقيق توزيع عادل لفرص العمل، وتساوي هيكل الأجور، وأسس التدرُّج الوظيفي بين الجنسين.
المعيار الثاني، يتمثَّل في عنصر “الكفاءة”؛ لزوم اعتماد أسس الكفاءة العلميَّة والعمليَّة في اختيار المرشَّحين لضمان الوصول ألى الاستغلال الأمثل للموارد البشريَّة المتاحة في الاقتصاد. نجاح الاستراتيجيَّة لا يتوقَّف على توفُّر المعيارين فقط، بل على التوازن بينهما أيضًا. التوازن بين المعيارين، شرط لازم لتحقيق تنمية متوازنة ومستقرَّة. فالإخلال في التوازن، يخلق مضاعفاتٍ اقتصادية واجتماعية مستقبليَّةً، ويحول دون تحقيق النتائج المتوخَّاة من سياسات الاستخدام .
رفع نسبة مشاركة العنصر النسوي الفعَّالة في القوَّة العاملة والنشاط الاقتصادي بشكل عام، والوصول إلى الأهداف المنشودة لرؤية السعوديَّة 2030، وتحقيق توزيع كفوء للموارد البشريَّة المتاحة، واستثمارالطاقات النسويَّة الكامنة والمعطَّلة لتحقيق أهداف برامج التنمية والتطوير، يتطلَّب مراعاة التوازن بين معياري “العدالة” و “الكفاءة” إلى جانب مراعاة العوامل والاعتبارات الخمس الأَساسيَّة التالية:
أوَّلًا: رفع نسبة مشاركة الإناث في القوَّة العاملة، يرتبط طردًا بنموِّ الاقتصاد، ويتوقَّف مرحليًّا على قدرة الاقتصاد على تجاوز مصاعب الانكماش الاقتصادي الراهن، وزيادة الناتج المحلِّي الإجمالي، وارتفاع الطلب على عنصر العمل في القطاعين العام والخاص. الطلب على العمل “مشتق” من الطلب على السلع والخدمات، ولن يرتفع إلَّا بزيادة حجم الانتاج.
ثانيًا: تحقيق الأهداف الاقتصاديَّة لاستراتيجيَّة رفع مشاركة المرأة في سوق العمل، والوصول إلى التوزيع الأمثل للموارد البشريَّة المتاحة، يتطلَّب التزام معايير الكفاءة والخبرة والمؤهَّل لملء المراكز الوظيفيَّة، وتجنُّب الإفراط في فرض الحصص النسبيَّة والكميَّة . زيادة نسبة مشاركة الإناث في القوَّة العاملة، وتقليل معدَّل بطالتهن لن تخلق قيمًا اقتصاديَّة مضافة، ولن تسهم في نموِّ الاقتصاد إذا صاحبها ارتفاع مقابل في معدَّل بطالة الذكور.
ثالثًا: من الضرورة مراعاة خطط تمكين المرأة، وبرامج تساوي الفرص الوظيفيَّة متطلَّبات النموِّ الاقتصادي، وأن تحرص على تلبية احتياجات خطط التنمية من القوى العاملة المؤهَّلة، والاختصاصات التقنية القادرة على إدارة عمليَّات البناء والتطوير، ومفاداة حالات نقص (الكوادر) وتبعاتها.
رابعًا: تجنُّب إرهاق شركات القطاع الخاص، ورفع كلفها التشغيليَّة بفرض استخدام أعداد عمالة لا تتناسب مع حجم نشاط الشركات وإيراداتها وأرباحها. القرارات القسريَّة وغير المدروسة من شأنها أن تفرز تبعات سلبيًّة على إنتاج الشركات، وتخفض حجم طلبها على عنصر العمل .
خامسًا: المسؤوليَّة الأكبر لنجاح استراتيجيَّة زيادة مشاركة الإناث في القوى العاملة، تقع على كاهل الكوادرالنسويَّة العاملة المطالبة بتعزيز خبراتها ومؤهِّلاتها، وتطوير قدراتها وفقًا لاحتياجات سوق العمل الآنيَّة والمستقبليَّة، وكذلك العمل على رفع طاقاتها الانتاجيَّة، واداء دورها الفعَّال في مسيرة بناء وطن المستقبل .
مع كلِّ التغييرات الهيكليَّة الإيجابيَّة المتحقِّقة في سوق العمل السعودي، والارتفاع الملحوظ في نسبة مشاركة المراة في سوق العمل، إلّاَ أَنَّ نسبة المشاركة ما تزال أدنى من نسب مشاركة العنصر النسوي عالميًّا. ضرورات التنمية الاقتصاديَّة وبرامج التحوُّلات الاجتماعيَّة الإيجابيَّة الجذريَّة، وبناء اقتصاد مزدهر ومستقرٍّ، تتطلَّب التركيز على تعزيز فعاليَّة دور المرأة في سوق العمل، وتطوير كفاءة مساهمتها في الاقتصاد الوطني. العناصر النسويَّة السعوديَّة بما تملكه من مؤهِّلات علميَّة وخبرات عمليَّة، وعزيمة وإصرار على المشاركة في مسيرة الإنتاج والبناء، قادرة على أن تكون قوة التغيير الأكثر فعاليَّة في بناء مستقبل مشرق واقتصاد مستدام.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال