الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رفع ضريبة القيمة المضافة هذا العام لم يكن خياراً بل ضرورة حتمتها التطورات الاقتصادية الناجمة عن وباء كوفيد-19. أما مقدار الزيادة فيعتمد على عدة عوامل اقتصادية وهيكلية تختلف من اقتصاد إلى آخر. القاعدة في تحديد المستوى الأمثل للضريبة هو تحديدها عند مستوىً يحقق العائدات المطلوبة للإنفاق للحكومي اللازم لدعم النمو الاقتصادي مع خلق أقل قدر ممكن من اختلال الأسواق والصدمات الاقتصادية.
وعلى الرغم من إرتفاع ضريبة القيمة المضافة في النصف الثاني من العام 2020م بثلاثة أضعاف، إلا أن الأرقام التي أعلنتها وزارة المالية ضمن بيان الميزانية العامة للدولة أظهرت، بعكس المتوقع، إنخفاضاً ملحوظاً في الإيرادات من الضرائب وخاصةً الضرائب على السلع والخدمات والتي انخفضت بمقدار 9.2 في المائة من 155 مليار ريال في 2019م إلى 142 مليار ريال متوقعة بنهاية عام 2020م. ذلك بالطبع يُعزى إلى الإنكماش الاقتصادي في 2020م والذي، إضافةً إلى تأثير الجائحة، يتأثر بإرتفاع الضرائب مما يُدخل كلا المتغيرين (إيرادات الضرائب والنمو الاقتصادي) في دائرة مفرغة يؤثر كلاً منهما على الآخر ويتأثر به.
قد تدعم هذه النتائج الدعوات بإعادة النظر في مقدار ضريبة القيمة المضافة. فهي لم تثمر عن زيادة إيرادات الدولة بل ساهمت في تعميق الركود الاقتصادي. إلا أن تلك الدعوات يقابلها رأي آخر قد لا يقل عنها وجاهةً. فلولا رفع مستوى الضريبة لانخفضت الإيرادات بشكل أكبر وارتفع مستوى العجز المالي للدولة. كما أن اختلالات السوق تُعزى بشكل أساسي إلى عوامل خارجية (وباء كوفيد-19) وإن تأثرت جزئياً بالسياسات المالية كالضرائب وغيرها خاصةً وأن المستوى الجديد للضريبة لم يطبق إلا في النصف الثاني من العام.
السائد اقتصادياً أن أوقات الركود تتطلب حزم اقتصادية محفزة يكون تخفيض الضرائب أحد أهم ركائزها. لكني أقر أن ذلك يصعب تحقيقه عملياً في اقتصاد كالاقتصاد السعودي بعتمد نموه بشكل كبير على الإنفاق الحكومي والحاجة لبنى تحتية أساسية ومشاريع تنموية عملاقة كالتي تضمنتها الرؤية. كما أن بدائل التمويل الأخرى كالاستدانة مكلفة ولها أسقف لا يجب تجاوزها. لكن من الممكن اللجوء لسياسات مكملة تخفف الاعتماد على إيرادات الضرائب وتؤمن استمرارية التمويل للمشاريع التنموية. من ذلك تخفيف العبء المالي على الميزانية عن طريق الاعتماد بشكل أكبر على القطاع الخاص في تنفيذ مشاريع البنى التحتية والتي تمثل فرص استثمارية تحفز الاقتصاد وتجذب رؤوس المال.
باختصار، نحن هنا لا نقترح تخفيض مستويات الضريبة أو رفعها. فتحديد فعالية مستوى ضريبة القيمة المضافة الحالي يتطلب دراسة اقتصادية معمقة ومتكاملة تأخذ في الاعتبار جميع العوامل ذات العلاقة، فضلاً على أن يتم تحديدها في مقال محدود كهذا. ما نشير إليه هنا هو أن ما أظهرته أرقام الميزانية من انخفاض في إيرادات الضرائب رغم زيادتها متزامناً مع معدلات انكماش اقتصادي غير مسبوقة إنما يستدعي دراسة المستويات المثلى للضريبة وتقييم فعاليتها بشكل دقيق للوصول لأهدافها المنشودة. تلك المستويات يجب ان تنظر إلى الضرائب كجزء من منظومة سياسات اقتصادية وهيكلية أخرى مكملة لبعضها البعض.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال