الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أزمة كورونا 2020 بين عام من الألم وعام قادم من الأمل ..
في مثل هذه الايام من العام الماضي 2019 كان العالم هادئاً، الانشطة الاقتصادية تسير حسب ما هو مخطط لها ، لم تكن في حسابات الدول والافراد ان يصلوا الى حالة عدم اليقين التي ستوصلهم الى الاغلاق الكبير، لم تكن هناك معلومات حتى عن طريقة لبس واشكال الكمامات ولم يدر في خلد الناس ان يمتنعوا عن المصافحة او التباعد االجسدي أو حتى البقاء في منازلهم.
لعبة الكيرم المنسية هي ايضاً كانت خارج المعادلة آنذاك ، ثم على مدى 12 شهراً لاحقة اسقط كوفيد-19 كل شيء جميل في حياتنا، عرفنا جيدا ما هو الخفاش وكيف سطع اسم هذا النجم الجديد الذي ازاح نجوم الرياضة والسينما والمشاهير من الساحات وفقدنا الملايين من البشر بمن فيهم الاقارب والاصدقاء ( رحمهم الله ) ناهيك عن ارتفاع آلام الفقراء حول العالم بعد إذ باتوا اكثر فقراً، حتى كتابة هذا المقال هناك ( 76.626.187 ) مصاب واكثر من 1.691.942 وفاة ..
فهل يمكن القول بأن ازمة كورونا القشة التي قصمت ظهر النظام الاقتصادي الرأسمالي وأننا على اعتاب نظام اقتصادي جديد مختلف تماماً ؟
الإجابة في اعتقادي لا، ذلك انه لا يمكن لأي نظام اقتصادي جديد أن ينأى بنفسه كمستقلٍ في علم الاقتصاد ولا نرى حتى اللحظة أي بداية لبناء دراسات أو بحوث تطبيقية حول ذلك فما يقال لا يغدو كونه توقعات لا تستند الى واقعية الطرح الذي لا يعول عليه ناهيك عن صمود النظام الاقتصادي الرأسمالي وبقاءه لسنوات طويلة صاحبها إدخال التطوير في النظرية بما يتناسب مع كل ازمة او مرحلة زمنية.
الحقيقة انه لا يوجد بديل والحقيقة الأخرى ان ما يمكن اعتباره حلولاً وفكراً ثريّاً يبقى في اطار النظام الحالي ، في النظام الرأسمالي لمعالجة الازمات السابقة برزت كفاءة وحضور النظرية الكنزية فلولا تدخل الدول في الأسواق وتحفيز السياسات المالية والنقدية في هذه الازمة تحديدا لرأينا انهيارات اقتصادية كبيرة جدا وخارجه عن نطاق السيطرة ولذا فان تدخل الدولة لضبط الاقتصاد كان بمثابة صمام الأمان للخروج بأقل الخسائر من الجائحة.
بداية القصة ..
في 20 يناير 2020 استيقظ العالم على اكبر صدمة تاريخية غير مسبوقة فقد أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ أن فيروس كورونا مرض معد ينتقل بين البشر وفي 23 من يناير تحدثت بكين عن إصابة 614 شخصا بالوباء، توفي على إثرها 17 شخصا، وفرضت الصين الحجر الصحي في ووهان Wuhan ومع ارتفاع عدد الضحايا، بدأت تتضح خطورة المرض، وانتاب العالم القلق والخوف من توسع وانتشار الوباء وهو ما عزى بالدول الأخرى الى اغلاق حدودها ومطارتها والبدء في فرض منع التجول الذي امتد لشهور فيما سمي بالإغلاق الكبير الذي صاحبه بالطبع حالة عدم اليقين.
داخل القصة ..
توقفت عناصر الإنتاج وأُغلقت المصانع والمطارات وعُطلت القطاعات الحيوية واتُخذت تدابير صحية واقتصادية مختلفة وجديدة فيما بدأ الاقتصاد العالمي يشهد حالة كبيرة من الركود الغير مسبوق.
تشير التوقعات الى أن الدين العالمي سيبلغ 200 تريليون دولار بما يعادل اكثر من 265% من الناتج السنوي العالمي بحلول نهاية هذا العام ، وأن الدين العالمي سجل زيادة 14 نقطة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بعد أذ تضخم بفعل التراجع الاقتصادي الناجم عن كوفيد-19.
في الأسبوع الثاني من ديسمبر الجاري أعلنت شركة فايزر عن تقديم لقاح ناجح وفعال بنسبة 95% ومن ثم بدأت بعد أسبوع من الإعلان في توزيعه وبدأت دول العالم ومن أولها المملكة في شراء اللقاح والبدء في اعطاءه للناس ، وعليه فإن بصيص النور للخروج من هذا النفق المظلم بدأ فعليا مع هذا اللقاح والذي من المتوقع حالما ثبتت فعاليته وتم تحجيم الفايروس وسلالته ان يعيد مع منتصف العام 2021 الحياة الاقتصادية الى طبيعتها.
التوقعات تشير الى ان الدورة الاقتصادية المتمثلة في عمق الركود ستبدأ في الاستفاقة والنمو وهذه ردة فعل طبيعة للدورات الاقتصادية Economic cycle reaction ومن المهم القول أن النمو امر حتمي وان عامل الطلب الكلي سيتعاظم وان العالم قد تغير كثيرا بسبب الجائحة التي قدمت دروسا مهمة في الاقتصاد والصحة والأدوات العلاجية وتنفيذ الاعمال والتعليم عن بعد وهذا بدوره اهم خطوات الثورة الصناعية الرابعة .
وماذا بعد ؟
العام القادم 2021 يمكن عنونته بعام الأمل ، عام الفرص الجديدة والمختلفة عما سبقها من فرص تقليدية ، فرص تدور في مجملها حول الادارة والتعلم والعمل عن بعد ، التقنية وتطبيقاتها ، الذكاء الاصطناعي ، الاستثمار الصناعي ، ابتكارات تكنولوجية وطبية ، توسع كبير في المنشآت والبرامج الصغيرة ومتناهية الصغر، تحفيز الطلب الكلي ، الابتكار ونماذج جديدة في مختلف العلوم والأنشطة الاقتصادية المختلفة .
وفي ظل عمليات تحفيز الاقتصاد عملت الكثير من الدول على الإنقاذ الاقتصادي ففي الولايات المتحدة الأمريكية من المتوقع إقرار تشريع بقيمة 1.4 تريليون دولار للتمويل الحكومي كما أبقى بنك اليابان المركزي على سياسة التيسير النقدي الفائقة من أجل تحفيز الاقتصاد الذي تضرر جراء تفشي وباء فيروس كورونا المستجد، والتغلب على الانكماش ، كما تتجه حالياً الكثير من الدول الى دعم اقتصادياتها في ذات الاتجاه .
وبالرغم من اهمية ودور مثل هذه الحوافز الفاعل والمؤثر الا ان الضبابية الاقتصادية والصحية لاتزال تنتظر نتائج ما تم الإعلان عنه هذا الأسبوع من اكتشاف سلالة لكورونا المتحور مما يعني اتخاذ العديد من الدول لاحترازات حيث ظهرت اغلاقات جديدة ستبقينا احتياطيا وحتى اشعار آخر في حالة عدم اليقين.
من الازمات نتعلم الدروس وكما هو الحال في العلوم الاخرى عندما تبرز معضلة يأتي دور العلم في علاجها ، وفي الاقتصاد يأتي الفكر الاقتصادي المدعوم بالأدوات وبدون هذا الارتباط الوثيق معاً لا يغدو كونه تنظير .. الشيء الآخر ان طبيعة الازمات المعقدة تحلق من منظور عدم اليقين مما يضع على عاتق علماء الاقتصاد العمل على المزيد من البحوث العلمية والفكرية حيث يطغى عليها حاليا مشاكل الفقر والتنمية والبطالة فلا يوجد دراسات مستفيضة حول اقتصاد الأوبئة وتوقعاتها وأدوات التغلب عليها .. لذلك سيبقى مشهد التأزم مفتوحاً في عالم بات اليوم اكثر قرباً عن ذي قبل ، أي ازمة وباء أخرى قادمة وهذا ممكنناً لابد ان نضع لها مسبقاً احتمالاتها وادوات التغلب عليها وهذا لن يأتي الا من خلال تطوير النظريات الاقتصادية وبحوثها ودراساتها الواقعية مع تحييد اي ابعاد اخرى تتعلق بالصراعات فأنسنة الاقتصاد هي المحور الاول والأهم ، كما في الطب تُستنفر البحوث والمعامل لاختراع العلاج هنا في الاقتصاد الحال كذلك .
مجمل القول : ازمة كورونا اشبه ما تكون بفصل دراسي عام بداخله الكثير من الدروس ولكل درس مختصون ومهتمون ومبدعون وفي نهاية المطاف لابد للمتفوقين من جني ثمار ما تعلموه تمكيناً وتطبيقاً وكما هو حال الازمات الاقتصادية التي تنشأ بتداعيات متعددة أو ترسبات تراكمية او تلك التي تأتي على حين غرّة تبقى الحلول الاقتصادية ممكنة في كل الأحوال وكما تجاوزنا الازمات السابقة نحن اليوم على مشارف توديع اعنف ازمة هزت العالم وما كان لهذه الازمات ان تُحل لولا تدخل الدولة الحارس الأمين على الاقتصاد فمن حسن حظ النظام الاقتصادي الرأسمالي انه خلق مساحات من الافكار الاقتصادية القابلة للتطبيق بعد تحييد بعضاً من جزئياته واذا كان جون كينز قد نجح في حل الازمات السابقة الا انه لايزال بفكره العبقري بيننا ولم تنساه الحلول الاقتصادية في هذه الأزمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال