الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تُعدُّ “إنتاجيَّة عنصـرالعمل” أحد أهمِّ مُحدِّدات تطوُّر القطاعات الإنتاجيَّة، وتعزيز القوَّة التنافسيَّة للمنشاَت والقطاعات الاقتصاديَّة، ومحرِّكا أساسًا لنموِّ الاقتصاد الوطني، وتطوُّر المجتمع واستقراره.
من بين الصعوبات التي يعاني منها الاقتصاد العالمي مشكلة تدنِّي معدَّلات إنتاجيَّة العمل. النموُّ الاقتصادي لغالبيَّة الدول قائم على أداء قوَّة عمل متدنيَّة المهارات، ومعدَّل إنتاجيَّة عمل منخفضة وعاجزة عن زيادة حجم الإنتاج، وتقليل كُلَفِهِ وتعزيز قوَّة المنشآت والقطاعات التنافسيَّة.
تجارب التنمية الاقتصاديَّة خلال العقود المنصرمة، برهنت على وجود علاقة واضحة ومتينة بين تطوُّرالدولة الاقتصادي والاجتماعي، وجودة التعليم وتطوُّر المعاهد الأكاديميَّة، ووفرة المهارات التقنيَّة والمهنيَّة، وارتفاع معدَّل إنتاجيَّة قوَّة العمل. لقد تمكَّنت دول الرفاهية الاقتصاديَّة والمتطوِّرة صناعيًّا _ بفعل نجاحها في تطوير مؤسَّسات تعليميَّة متقدِّمة، وتوظيف قواعد معرفيَّة وعلميَّة وتقنية متطوّرة – من تحقيق معدَّلات نموِّ ملحوظة لرفع إنتاجيَّة العمل، وتنمية القوَّة العاملة المؤهَّلة المطلوبة لزيادة حجم الإنتاج. فكوريا الجنوبيَّة وسنغافورة والدول الإسكندنافيَّة، على سبيل المثال، ودول أُخرى، تمكنت من تشييد قاعدة علمية وتقنية متطورة، واستثمرت خرِّيجيها لإحداث تحوُّل اقتصادي جذري ، وبناء قطاع صناعي متقدِّم ذي ميزة تنافسيَّة قادرة على خلق قيم اقتصاديَّة مضافة، وإدامة زخم النموِّ والازهار الاقتصادي. مقابل ما حقَّقته الدول المتقدِّمة من نجاح في رفع معدَّلات إنتاجيَّة العمل عبر استراتيجيَّة التعليم المتطوِّر، وبرامج التأهيل التقني والمهني، فشلت خطط تنمية الدول القائمةعلى مهارات عمل متواضعة، وإنتاجيَّة عمل متدنيَّة، وأجور منخفضة، عن تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام.
من المسلَّم به أنَّ إعداد المهارت اللازمة لتحسين إنتاجيَّة العمل مهمَّة تتطلَّب اعتماد صيغ مبتكرة غير تقليديَّة، والعمل على بناء قاعدة علميَّة رصينة وجادَّة، وإنشاء مؤسَّسات أكاديميَّة قادرة على خلق أطقم تعليميَّة ضروريَّة للدول على اختلاف أنظمتها الاقتصاديَّة، أو درجة تقدُّمها الاقتصادي والاجتماعي. وقد تواجه تحدِّياتٍ معقَّدةً تعيق تنفيذ برامج تطوير القدرات، وإعداد المهارات التقنيَّة المطلوبة لرفع معدَّل إنتاجيَّة العمل، وزيادة حجم الإنتاج. ويكمن التحدِّي الأكبر في إيجاد آليَّات فعَّالة لتأهيل المهارات المطلوبة لزيادة حجم القوَّة العاملة، وتحسين إنتاجيَّة العمل بشكل متناسب ومتزامن.
على المدى الطويل، تشكِّل إنتاجيَّة العمل المحدَّد رفدًا لرفع مستوى الدخل الفردي، وتحسين مستوى المعيشة ونموِّ الاقتصاد . كما أنَّ تحسين معدَّل الإنتاجيَّة يقلِّص تكاليف الإنتاج، ويزيد العائد على الاستثمار، ويرفع الطلب على العمل ومستوى الاستخدام.
الوصول إلى استراتيجيَّة فعَّالة لرفع معدَّل إنتاجيَّة العمل يقتضي:
أوَّلًا، اعتماد استراتيجيَّة تركِّز على رفع معدَّل إنتاجية العمل في القطاعات الاقتصاديَّة، وتجنُّب خطط التطويرالوطنيةَّ الشموليَّة، وبرامج التأهيل المركزيَّة. خطط تطوير الموارد البشريَّة المركزيَّة في غالبيَّة الدول النامية، فشلت في إحداث تغيير ملحوظ في معدَّل إنتاجيَّة العمل. التركيزعلى الخطط القطاعيَّة الجزئيَّة عوضًا عن البرامج الوطنيَّة الشاملة، إلى جانب تهيئة القوَّة العاملة المأهَّلَةِ المطلوبة لتنفيذ المشاريع الخاصَّة، يساعد على تجاوز الاختناقات الإداريَّة، وتجنُّب إشكاليَّات الخطط المركزيَّة، ويفضي إلى تحسين معدَّل إنتاجيَّة العمل بكفاءة، وبأقلِّ التكاليف وفي مدَّة زمنيَّة مقبولة.
ثانيًا، ضرورة قيام إدارات المنشآت الخاصة إلى توفير برامج وخطط تطوير القدرات المهنيَّة والحرفيَّة للعاملين في منشآتهم والتوسًّع في دعم برامج تحسين الإناجيَّة. من الواضح، لرفع معدَّل الإنتاجيَّة، تبعات إيجابيَّة ومباشرة على المنشأة. من أهمَّها زيادة حجم الإنتاج وتقليل الكلف، وانخفاض الأسعار وتعزيز القدرة التنافسيَّة وزيادة صافي الأرباح.
ثالثًا، زيادة حجم الاستثمار في بناء اقتصاد المعرفة ، وبناء قاعدة تعليميَّة متطوَّرة رصينة، ومنظومة معرفيَّة متقدِّمة، وتشجيع البحث العلمي والابتكار، واستخدام النظم الحديثة، وتوفيربرامج تأهيليَّة ودورات تدريبَّة فعَّالة، ومدربين أكفاء، بالإضافة إلى ضرورة مراعاة التوازن بين الجوانب النظريَّة والتطبيقيَّة.
التركيز على خطط رفع معدَّل إنتاجيَّة العمل في القطاعات الاقتصاديَّة، يفضي إلى تحقيق التوزيع الأمثل للموارد الاقتصاديَّة المتاحة، وتوجيهها نحو الأنشطة ذات القيم المضافة الألى، وتسهم في بناء الاقتصاد المستدام واستقراره.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال