الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كان المهندس زيد يرتشف قهوته في المقهى الشهير بمدينة الرياض وهو يراقب (فارس) الشاب اليافع الذي كان جالساً أمام شاشة جهاز الكمبيوتر لساعات طويلة، ولم يكن زيد يعلم أن فارس كما هو حال أبناء جيله يقوم بالتقديم على برنامج ماجستير مدته سنة واحدة في إحدى الجامعات التجارية الصغيرة بالولايات المتحدة الأمريكية. ولم يعلم زيد أنه قبل ذلك كله كان هناك صفحات خطة بحث أكاديمية قام بكتابتها ونماذج قام بتعبئتها حتى تقتنع هذه الجامعة بإلتحاقه بها. كل هذا حدث لفارس رغم أنه سيدرس على حسابه الخاص. وبعد كل ما فعله ربما لن يجد لنفسه مكاناً.
أشاح زيد ببصره إلى خارج المقهى ليجد أمامه مجموعة من المهندسين كما توحي هيئتهم يدخلون إلى المقهى بحماس، ولاحظ أن هيئتهم واصواتهم توحي بملامح ولهجات شامية. وتصادف جلوسهم في الطاولة المجاورة له وسمع مالم يكن يريد أن يسمع!
بدأ الحديث بطرح من (وديع) ذلك الثلاثيني الضخم الجثة الذي قال باستهزاء: باقي شوي وكل الضيعة تفوت لهون! وترجمتها: (تبقى قليل من الوقت ونستقدم جميع شباب قريتنا إلى السعودية). رد عليه (ملحم): السعوديين ما بيقتنعوا ببعضهم، ما بيقتنعوا الا فينا حتى لو جينا بشهادة مضروبة!، فكان تعليق الثالث (نعيم): والله اخرتها راح يطردونا كلنا بسبب كلامكم هذا.
قام زيد غاضباً ومر بجوار طاولة المهندسين وكان الشرر يطل من عينيه، فتذكر وهو ينظر إليهم تخرجه من كلية الهندسة بإمتياز قبل سنوات طويلة، ثم عمله لسنوات في وظيفة كاشير وبعدها باريستا في إحدى المقاهي، حتى انتهى به الحال محولاً على نظام (ساند). كل ذلك كان بسبب عدم وجود خبرة لديه حيث أنه لم يسجل بالتامينات قبل ذلك، رغم ان الأجانب يتم استقدامهم وتشغيلهم بدون التأكد من صحة شهادات الخبرة المقدمة، والتي يعترف بعضهم في المجالس ووسائل التواصل بأن شهادة الخبرة هي مجرد مستند مزور يقوم بإعداده اي مكتب سياحة في (الضيعة).
نظر زيد إليهم نظرة حقد وكاد أن يتكلم، ولكنه هدأ عندما تذكر شيئاً هاماً، أنهم ليسوا مذنبين بحقه، بل هم مجرد صائدوا جوائز، يقتنصون الفرص التي اتيحت لهم، وسواء اتيحت لهم الفرصة من مسؤول متساهل أو متخاذل أو متعمد فاسد، فالنتيجة واحدة، ضاع مستقبل زيد وضاعت مقدرات الدولة التي صرفت الملايين لتأهيل زيد وأقرانه بالمؤهل الجامعي. عاد زيد إلى وعيه وابتعد عن طاولتهم، تلاحقه نظرات الاستغراب من الجالسين. خرج زيد من المقهى وهو يعد المتبقى من راتب (ساند) الزهيد في محفظته، وهو ينظر إلى برج ضخم تحت الانشاء ويقول ماذا لو أصبحت مشرفاً أو حتى بدأت عاملاً في بناء هذا البرج، من المسؤول عن عدم التحاقي بالعمل بعد تخرجي رغم وجود طلب عالي على تخصصي في بلدي، من المسؤول عن ضياع عمري بعد تعليم واحلام وطموح اصل في النهاية إلى القهر والذل وأعمال لا تضيف لي اي خبرات في مجالي، وبنفس الوقت يجد الغريب فرصته بسهولة بل وبشهادة مزورة!. ومازال زيد يتسائل حتى الان!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال