الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
منذ بداية الاهتمام ببيئة العمل الإعلامي الجديد، ثار جدل واسع حول إمكانية تطبيق أخلاقيات العمل الإعلامي الجديد، لكن واقع ذلك الجدل كشف عن جدلٍ موازٍ بشأن مجموعة من التحديات المهنية والأخلاقية التي ترتبط بإمكانية تطبيق واستمرار منظومة أخلاقيات العمل الإعلامي.
ففريق يرى -وأنا من بينهم- أن البيئة الإعلامية الإلكترونية بحاجة لصياغة منظومة جديدة من الحقوق والواجبات لمساعدة الإعلاميين أثناء تأدية مهام عملهم بما يتناسب مع الطفرة الهائلة التي طرأت على مجال الاتصالات والمعلومات.
في حين يرى فريق آخر عدم وجود حاجة لسن مواثيق شرف، أو وضع ضوابط أخلاقية خاصة بالعمل الإعلامي في البيئة الإلكترونية، بل إنه يعارض إمكانية تطبيق منظومة القيم التقليدية على بيئة غير تقليدية بالأساس بزعم عدم التناسب بين هذا وذاك.
ولكن الملاحظ على الفريق المؤيد لعدم جدوى سن مواثيق أو تشريعات منظمة لبيئة العمل الإعلامي الإلكتروني، هو ارتباطه بجملة المكاسب المتحققة من المصالح الاقتصادية والمكاسب التي تحققها منظومة الرأسمالية العاملة في مجال التكنولوجيا .
وكما سبقت الإشارة سلفاً في المقالين السابقين، فقد تفاعلت سيطرة رأس المال على الإعلام الجديد فيما دفع باتجاه توسيع مساحات الحرية الإعلامية لدى عدد لا نهائي من الأفراد في كافة أنحاء العالم من جهة، وتمكين الشركات الرأسمالية الكبرى المسيطرة على الفضاء الإلكتروني فيما يخدم اتجاهات المصلحة لديها من جهة أخرى.
فمع اتساع نطاق الهيمنة الرأسمالية، وسيادة منطق اقتصاديات الإعلام الجديد، طرأت على حرية التعبير تغييرات متعددة..
ومن أبرز تلك التغيرات اتساع نطاق تلك الحرية ليشمل أكبر عدد ممكن ممن يمارسون العمل الإعلامي على الشبكة العنكبوتية، وهو ما ساعد في إحداث حالة من السيولة والتدفق في المعلومات تتطلب توافر مجموعة من الضوابط المهنية والأخلاقية.
ويمكن لنا تعريف الأخلاقيات المهنية على أنها مجموعة من القيم والمواثيق والمعايير التي تحدد قواعد العمل والسلوك المهني، الذي يستند إليه الإعلامي للتمييز بين الصواب والخطأ، إذ تكتسب تلك المواثيق الأخلاقية أهميتها من كونها توفر إحساسًا عامًا بالذاتية المهنية لدى العاملين.
كما أنها تشير إلى درجة النضج التي وصلوا إليها، وتسهم في تطور الوعي الذاتي وتشكيل هوية جمعية لديهم، وكذا بخصوص المهنة لدى أفرادها بما يحدد التوقعات المتبادلة بينهم وبين المجتمع، وهو ما يسهم في تحسين مستوى الأداء المهني، وتعزيز الإحساس الداخلي بالانتماء للمهنة، والحرص على كرامتها وصورتها لدى المجتمع.
ونطاق الأخلاقيات المهنية في ميدان الإعلام الجديد، يرتبط بمجموعة الوظائف التي يضطلع بها، والتي يحددها “هارولد لاسويل” في الوظائف الأربع المعروفة لكل الإعلاميين وهي: وظيفة الإشراف والمراقبة ووظيفة الترابط التي تحقق للإعلام الترابط مع المجتمع في قضاياه الأساسية، فضلاً عن نقل التراث الاجتماعي من جيل إلى جيل، ومن مكان إلى مكان آخر، ووظيفة الترفيه وهي ربَّما تحتوي على جميع وظائف الإعلام والفنون، ويمكن أن تقود إلى التعليم بأنواعه المتعددة والمختلفة.
وبالنظر إلى تلك الوظائف نجد أنها تتحدد بدرجة أساسية بإطار أخلاقيات المهنية في إطار الإعلام أيًا كان شكله (تقليديًا أم جديدًا)، ما يعني أن الخروج عليها يمثل انتهاكًا لتلك المنظومة الأخلاقية، وما يترتب عليها من تنامي اتجاهات الفوضى في المجتمعات.
والجدير بالإشارة هنا، أنه ومع اتساع نطاق الحريات التي وفرها الإعلام الجديد، أصبح أبرز ما يميز الممارسات الإعلامية وجود أزمة في مستوى الأخلاقيات المهنية الإعلامية، وقد ارتبطت تلك الأزمة بغياب الصدق والدقة والموضوعية والحياد في عمل المؤسسات الإعلامية الإلكترونية، كما ترتبط بتأثير العواطف الشخصية وانعكاسها على اختيار ونشر الأخبار.
فمع اتساع نطاق الحرية، وتنوع وسائل الإعلام الجديد، أصبح بالإمكان نشر معلومات غير صحيحة ومضللة للرأي العام، تتباين في اتجاهاتها وأهدافها، ومن ثَمَّ فقد بات الإعلام الجديد في حاجة لميثاق أخلاقيات الإعلام الإلكتروني وذلك بهدف التنظيم لا التعقيد، ولاسيما في الوطن العربي الذي لا يزال بيئة بكر لتكنولوجيا الإعلام الجديد واقتصادياته المختلفة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال