الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
اعتمد نظام الشركات السعودي منذ زمنٍ طويلٍ على مبدأ عدم التساهل مع نوعياتٍ من الشركات، ومنها شركات المساهمة؛ فما إنْ تَبلُغُ خسائرها ما نسبته 50% من رأس المال سيَضَعُهَا في موقفٍ لا تُحسَدُ عليه مهما كان وقت السنة المالية.
حيث يتوجَّب على الشركة إمَّا تعديل رأس المال حتى تنخفض هذه النسبة أو أن يتمَّ حلُّ الشركة (م150 شركات قبل التعديل)، وقد يسبقُ حلُّ الشركة إشهارُ إفلاسها وانهيار سمعتها مع إدارتها التي ستوصف بالفاشلة.
وفي الواقع العملي، كانت قاعدة الحد الأعلى المسموح به لخسائر شركة المساهمة تبدو أشبهَ بخطِّ اللاعودة؛ فمن غير المنطقيِّ أن تستطيع الشركة زيادة رأس مالها في ظلِّ تراكُمِ خسائرها، لأنَّ الجمهور قد لا يُقبِلُ على الاكتتاب بأسهمها الجديدة، كما أنَّ خفض رأس مال الشركة قد يؤدِّي إلى زيادة نسبة الخسائر إلى رأس المال إذا لم يترافقْ ذلك مع إعادة ترتيب الأصول وإعادة هيكلة الديون بشكلٍ جذريٍّ.
لذلك، كانت قاعدة الحدِّ الأعلى للخسائر تبدو على أنَّها مُجرَّدُ وسيلةِ تأجيلٍ لانهيار الشركة، وأسلوبِ تخديرٍ لمساهميها ودائنيها وأصحاب الحقوق عليها؛ فهي لا تَضْمَنُ لهم سوى المزيد من الوقت على أمل تحسُّن أداء الشركة، ورجوعها إلى طريق الربحية.
أمَّا بعد أزمة كورونا، فلم يعدْ من المنطقيِّ ملاحقة شركات المساهمة على أساس الحدِّ الأدنى من الخسائر، والسبب هو أنَّ آلية “إدارة المخاطر” في معظم هذه الشركات قد فقدت توازنها بعد أن غيَّر الفيروس المُستَجِدُّ من قواعد العرض والطلب جذرياً.
وبالنتيجة، فقد أصبح العديد من شركات المساهمة تتعامَلُ مع خسائرٍ قد تَبلُغُ 70 أو حتى 100% من رأس مالها، خاصةً بالنسبة للشركات التي كان عملها يَرتَبِطُ بنشاطاتٍ، مثل: السياحة، والنقل الجوي، والحفلات، وغيرها من الأنشطة التي قيَّدتها ترتيبات التباعد الاجتماعي.
مراعاةً لهذه الظروف الاستثنائية، فقد صدر القرار الوزاري رقم 348 لعام 1442 بتعديل نظام شركات المساهمة “غير المدرجة” حصراً أي تلك التي لا نراها على لائحة التداول الالكتروني في سوق “تداول”، وهي نوعيةٌ من الشركات تقلُّ فيها معايير الحوكمة عن معايير الإدراج في السوق؛ ولذلك ارتأت وزارة التجارة -وهي الجهة المرجعيَّة لهذه الشركات- أن تكون مرنةً معها في مرحلة كورونا.
حيث أصبح من واجب رئيس مجلس إدارة شركة المساهمة غير المدرجة الإفصاح على موقع وزارة التجارة ببلوغ خسائر شركته نسبة 50% من رأس مالها، مع تقديم شرحٍ وافٍ لواقع الشركة وما تنوي الإدارة القيام به لمواجهة هذا الظرف، على أن يكون هناك إفصاحٌ ربعُ سنويٍّ على نفس الشكل، وأن يتناول هذا الإفصاح إجراءات تعديل الشركة لأوضاعها إذا تجاوزت الخسائر النسبة المذكورة.
لكن تجدر الإشارة هنا إلى عدَّة نقاطٍ جوهريةٍ:
*شمل التعديل الوزاري شركات المساهمة غير المدرجة فقط. بينما تبقى شركات المساهمة المدرجة في “تداول” خاضعةً لقاعدة وجوب تعديل رأس المال مع بلوغ الخسائر لنصف رأس المال؛ ممَّا يعني أنَّ إدارة المخاطر في الشركات المدرجة لن تتغيَّر حتى إزاء أزمة كورونا.
*لم يعدْ بلوغُ خسائر شركة المساهمة غير المدرجة لنصف رأس مالها مُوجِبَاً لتعديله، بل أصبح من التزامات الإفصاح الفورية والدورية؛ وهذا يعني أنَّ إدارة المخاطر في الشركة لن تَنْظُرَ تجاه أيِّ تعاملٍ خطرٍ على أنَّه من درجةُ المخاطر العليا بل المتوسِّطة، حتى وإن زاد هذا التعامل من ديون الشركة، وجعلها تتحوَّل إلى خسائرٍ تقتربُ من نصف رأس المال مع نهاية الربع المالي.
*أصبح الحدُّ الأعلى من المخاطر بالنسبة لشركة المساهمة غير المدرجة هو: تجاوز المخاطر لنصف رأس مالها، وليس بلوغ المخاطر لهذه النسبة.
*هذا التعديل يشمل المدَّة حتى تاريخ 30-7-1443، على اعتبار إمكانية انتهاء أزمة كورونا مع حلول هذا التاريخ.
بناءً عليه، فإنَّ الشركات غير المدرجة سيتغيَّر فيها آلية إدارة المخاطر بشكلٍ أكثر تَسَاهُلاً بالنظر إلى زيادة المخاطر بعد انتشار فيروس كورونا، فيما ستبقى إدارة المخاطر في الشركات المدرجة كما هي، لأنَّ المطلوب منها هو درجةٌ أعلى من الحوكمة.
إلاَّ أنَّ المعالجة الطارئة من وزارة التجارة لأزمة مخاطر كورونا كانت عامةً دون النظر إلى القطاعات الاقتصادية التي تضرَّرت أكثر من غيرها بالأزمة، الأمر الذي يجب تخصيص النظر في الشركات المدرجة وغير المدرجة على السواء، حيث إنَّ شركات المساهمة بنوعيها ذات انتشار واسعٍ ومؤثِّرٍ بين المستثمرين وتحظى بقدرة قيادية للقطاعات الاقتصادية التي تنتمي إليها.
كما أنَّ التفريق بين حالة بلوغ الخسائر لنصف رأس المال وحالة تجاوز هذه النسبة قد لا تكون مناسبةً لجميع الحالات على أرض الواقع؛ فالانهيار لن يتوقَّف عند حدود هذه النسبة، بل إنَّه سيتواصل على الأغلب، إلاَّ إذا عالجت الشركة تعثُّرها، عندها فقط قد تنخفض هذه النسبة.
وفي الحالتَيْن، فإنَّ هذه النسبة لا تكون ثابتةً في الواقع، ولذلك كان من غير الموفَّق وضع معالجة خاصةٍ ببلوغ نسبةٍ معينةٍ، ثم وضع معالجةٍ خاصةٍ عند تجاوزها، بل كان الأفضل وضع نسبتَيْنِ -ما بين 50% و60% مثلاً-، بحيث ينشأ بينهما التزامٌ الإفصاح على إدارة الشركة، ثم يتوجَّب عليها تعديل أوضاعها إن تجاوزت الخسائر هذه النسبة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال