الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بدأت عملية توزيع لقاحات فيروس كورونا (كوفيد-19) لتعيد التفاؤل من جديد، وبعد أن رأينا كيف قامت العديد من الدول – خاصة الكبرى – ببرامج تحفيز اقتصادية ومالية ضخمة لإنقاذ نفسها من انهيارات كادت تطرق أبوابها، ولكن هذه البرامج التحفيزية لها ارتدادات غالية الثمن وهي بمثابة ترِكة ما بعد الجائحة التي سنبدأ نراها بوضوح عالي على الدين العام والمنظومات المصرفية في هذه الدول في 2021.
إذا أخذنا أوروبا من خلال فرنسا كنموذج، فهي دولة من ضمن مجموعة دول في الاتحاد الأوروبي التي ستواجه أعلى مستوى من الديون لعدة سنوات مقبلة.
سنلاحظ أن قبل الجائحة كان الدين العام فيها – لأطراف دائنة مثل الحكومات الأخرى والهيئات والمصارف والشركات وحتى الأفراد – قد قارب من نسبة 100% من مجمل ناتجها المحلي، وأتت الجائحة لتقابل باستجابة فورية من الحكومة الفرنسية من خلال تقديم حزمة تحفيز ضخمة وبرامج قروض أمّنت فيها ما يصل إلى 90% من القروض للشركات والتي وصلت مبلغ 100 مليار يورو، هذا إضافة إلى دعم آخر لعدة قطاعات مثل السياحة بمبلغ 18 مليار يورو، وصناعة السيارات – التي انخفضت بنسبة جاوزت 25 % – بمبلغ 8 مليار يورو، وما يقارب 4.5 مليار يورو للمؤسسات الحكومية.
ما حصل أدى إلى تسارع في تراكم الديون الفرنسية، ومتوقع أن يصل مستوى الدين العام فيها لأكثر من 120% من مجمل ناتجها المحلي، وهذا ببساطة يعني أن مستوى العجز في الميزانية السنوية الفرنسية وما أنفقته خلال عام مالي سيفوق عائداتها، وهكذا تكون قد دخلت – مع دول أوروبية أخرى مثل إيطاليا وإسبانيا – نفق تعدي تراكم الدين العام لإجمالي الناتج المحلي.
وبالرغم مما صنعته برامج التحفيز الاقتصادي للقطاع الخاص، إلا أن الكثير من الشركات الفرنسية التي استفادت من الدعم بدأت تدخل من جديد دائرة احتمالية الإفلاس لأن العديد منها وخاصة في قطاع الخدمات غير قادرة على التعامل مع دوّامات التوقف والانطلاق المتكررة في أعمالها بسبب الإجراءات الصحية الاحترازية، هذا رفع من حالة الإحباط لدى المستثمرين بشأن العائد على الاستثمار في مشاريعهم، وربما يجبرهم الوضع إلى عمليات تنازل أو بيع ضخمة للمؤسسات المقرضة لسد الديون عليهم وكبح جماح خسائرهم.
الضغط على النظام المصرفي الفرنسي والأوروبي يبدأ هنا بسبب أننا سنرى انخفاض في صافي إيراداته وعوائده، بينما مخصصات القروض فيه آخذة في الارتفاع، وهذا غالبا سيؤثر على القيمة الدفترية للعديد من المصارف وربما بمستويات غير مسبوقة، وبالنظر إلى الحالة المالية العامة المهزوزة والمستوى المرتفع بشكل غير عادي في الديون، فليس أمام فرنسا إلا مزيد من المسئوليات لتضم في السنة الجديدة برنامج لإنقاذ نظامها المصرفي.
الحراك الفرنسي – ومثله في دول أوروبية أخرى – وفي ظل استمرار مواجهة الجائحة، سيحتاج إلى مساندة جهات كبرى مثل البنك الدولي لشراء المزيد من السندات الفرنسية/ الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي لطباعة مزيد من العملة (اليورو)، وربما وقفة اسناد قوية من ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد أوروبي، لمواجهة تركة الجائحة الثقيلة على الدين العام والمنظومة المصرفية في أوروبا في هذه السنة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال