الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أثار التعديل المقترح للمادة 98 من نظام العمل صدى واسعا وترحيبا كبيرا بين المواطنين والمختصين. وينص التعديل المقترح للمادة خفض ساعات عمل العمال العاملين في المنشآت الخاضعة للنظام من 48 ساعة إلى 40 ساعة في الأسبوع، إذا اعتمد صاحب العمل المعيار الأسبوعي. لا شك بأن الآثار المترتبة من هذا التعديل هو مواءمة ساعات عمل القطاع الخاص مع الممارسات العالمية، وتحسين ظروف العمل للعاملين، وتحسين نمط حياة الأفراد، ورفع مستوى جودة حياة المواطنين والمقيمين. ولعل تكون إحدى الفوائد المرجوة من تعديل ساعات العمل هو دفع القطاع الخاص للاستثمار في التقنية وأتمتة الوظائف ذات المهارات المنخفضة.
أشارت عدة دراسات عن قابلية أتمتة الكثير من الوظائف في المملكة، ولا سيما الوظائف التي تتطلب مستوى تعليم المرحلة الثانوية فما دون. وبناء على إحدى تقارير شركة “ماكينزي” الاستشارية، فإن حوالي 41% من الوظائف في المملكة هي وظائف قابلة للأتمتة. وكانت نتائج تلك الدراسة متقاربة مع دراسة أخرى أجرتها “المنتدى الاقتصادي العالمي” والتي أشارت بأن 46% من الوظائف في المملكة من الممكن أتمتتها. فلو أخذنا -وبشكل افتراضي- بأن 41% من وظائف الوافدين التي تقل أجورهم عن 1500 ريال شهريا هي وظائف قابلة للأتمتة، فنحن نتحدث عن قرابة 1.8 مليون وظيفة تقدر أجورها بنحو 33 مليار ريال سنويا.
لصاحب العمل أربعة خيارات في كيفية التعامل مع التعديلات المقترحة للنظام. الثلاثة خيارات الأولى ستؤدي إلى زيادة تكلفة الإنتاج على المنشأة، بينما يتمثل الخيار الرابع -وهو خيار الاستثمار في التقنية والأتمتة- في خفض تكلفة الإنتاج.
يتمثل الخيار الأول في قيام صاحب العمل بتعويض العامل أجر ساعات العمل الإضافية في حال ازدياد ساعات عمله عن 40 ساعة أسبوعيا، والذي سيؤدي إلى زيادة تكلفة الإنتاج على المنشأة بشكل مباشر.
بينما يتمثل الخيار الثاني في قيام صاحب العمل (وبموافقة العامل) أن يحتسب للعامل إجازة تعويضية مدفوعة الأجر إذا زادت ساعات عمله الأسبوعية عن 40 ساعة، وذلك وفقا إلى التعديل المقترح للمادة 107. وسيكون الأثر المترتب على هذا الخيار هو انخفاض إجمالي ساعات العمل السنوية للعمال في المنشأة، والذي سيكون له أثرا سلبيا على إنتاجيتها. وهنا بإمكان صاحب العمل إما أن يتقبل انخفاض هذه الإنتاجية والتي ستؤثر سلبا على دخل المنشأة، أو أن يعوض هذا الانخفاض في توظيف المزيد من العمال، والذي بدوره سيؤدي إلى زيادة تكلفة الإنتاج.
أما الخيار الثالث هو قيام صاحب العمل بتعويض العامل أجر ساعات العمل الإضافية، مع تخفيض الأجر الأساسي للعامل بعد انقضاء مدة العقد وتجديده، بحيث تتساوى تكاليف ازدياد بند أجور ساعات العمل الإضافية مع الانخفاض في بند الأجر الأساسي للعامل. ولو أن هذا الخيار يبدو مغريا لبعض أصحاب الأعمال، إلا أن التعديلات المقترحة للنظام تصاحبه تعديلات جوهرية أخرى في سياسات سوق العمل السعودي، ومن ضمنها مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية، والتي ستتيح للعامل الوافد خدمة التنقل الوظيفي بين منشآت القطاع الخاص ضمن ضوابط محددة. ولو بدا هذا الخيار أنه لن يؤثر في زيادة تكلفة الأجور على المنشأة، إلا أن زيادة معدل الدوران الوظيفي في حال عدم قيام صاحب العمل بتحسين بيئة عمله وتعويض العمال بأجور مناسبة، ستؤدي إلى ازدياد تكلفة التوظيف والتدريب. وسيكون هذا الخيار أقل قابلية للتنفيذ من قبل بعض المنشآت في حال إقرار مجلس الوزراء حدا أدنى للأجور.
يتبقى الخيار الرابع وهو أن يقوم صاحب العمل بمبادرات وإجراءات تساهم في الحد من ارتفاع التكاليف المترتبة من تعديل المادة 98 عن طريق الاستثمار في التقنية وأتمتة الخدمات التي تقدمها المنشأة. حيث سيكون الأثر مترتب على ذلك هو انخفاض تكلفة الأجور، وانخفاض تكاليف الإنتاج الكلية على المنشأة، وسيساهم في الوقت ذاته برفع كفاءة الإنتاج، وجودة الخدمات المقدمة، ويعزز من تنافسية المنشأة في السوق. وفور ما يتم الاستثمار في التقنية والأتمتة، فستنخفض عدد العمالة الوافدة للمنشأة، وتتحسن نسبة التوطين لديها.
ولعل إحداث تغييرات إضافية للنظام ولا سيما للمادة 104 -والتي لم تشملها مسودة التعديلات- ستسهم في زيادة تحقيق الفوائد المرجوة، إضافة إلى رفع جاذبية العمل في القطاع الخاص، وزيادة عدد أيام الراحة الأسبوعية للعاملين.
إن استراتيجية سوق العمل الجديدة والتي اعتمدت بقرار مجلس الوزراء في تاريخ 23/4/1442هـ تهدف إلى إحداث إصلاحات جذرية في سوق العمل. ولقد نصت الإستراتيجية الجديدة، بأن من الآثار المتوقعة لتطبيق الاستراتيجية هي خفض الاعتمادية على الوافدين ذوي المهارات المنخفضة. ولا شك بأننا سنرى الكثير من القرارات والمبادرات في المستقبل القريب التي ستدفع المنشآت نحو ذلك الإتجاه. إنها فرصة أمام القطاع الخاص لكي يواكب نفسه مع هذه التغييرات، وتعزز من فرص نجاحه، لتصبح المملكة “سوق عمل جاذب للمواهب.. يعزز الإنتقال لاقتصاد متنوع ومزدهر”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال