الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لازالت الأبحاث بخصوص آثار الفساد تظهر لنا كل جديد بخصوص ما يترتب عليه من تكلفة اقتصادية وامنية واجتماعية على الدول و مواطنيها. فالفساد يمنع العدالة في الحصول على الخدمات الأساسية، وليس ذلك فحسب، وإنما يعيق الازدهار الاقتصادي بسبب دوره في صناعة البيئة الطاردة للاستثمار بشكلية، الداخلي و الخارجي، و يترتب عليه تشويه استراتيجيات التوظيف و تشويه لقرارات الإنفاق العام بحيث يتم بناء بنية تحتية هشة ضعيفة قابلة للانهيار بسبب فقدان ثقة الجمهور في سياسة دولها مما يشكل تهديدا للسلام والأمن الوطني. يعرف الفساد بأنه اساءة استخدام السلطة لتحقيق مكاسب شخصية.
بمعنى أن اساءة استخدام السلطة يعني ارتكاب احدى الجرائم المالية او الادارية. مثل الرشوة للحصول على خدمة او للتنصل من تطبيق القانون، جريمة التواطؤ، التلاعب بعقود المنافسات والمشتريات الحكومية بشكل يؤدي إلى إنفاق عالي التكلفة وسئ الجودة. يشمل الفساد جريمة سرقة موارد الدولة، سواء من خلال جريمة الاختلاس، أو من خلال سوء استغلال الثروات المتصلة بالأرض أو المياه أو الغابات أو المعادن. ايضا من أشكال جريمة الفساد في مؤسسات الدولة والتي تعتبر الأكثر ضررًا: هي مايحدث في الخدمة المدنية وأنظمتها، كما هو الحال عندما تستند قرارات التوظيف أو الفصل أو الترقية على المحسوبية أو المحسوبية أو العلاقات الشخصية. وهذا يعني تعيين اشخاص لا يملكون الكفاءة في مراكز ذات تأثير والتي سيترتب عليها آثار سلبية من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية. جرائم الفساد لا حصر لها، وتتنوع ما بين الفساد المادي و المعنوي، لكن سؤال هذه المقالة هي إذا كانت الرشوة والاختلاس والمحسوبية جريمة، اذا كيف نعالجها ونحن نواجه صعوبة في التفرقة ما بين معنى مكافحة الفساد و النزاهة؟.
عندما ذكرت بعض جرائم الفساد، هذا يعني أننا في مواجهة جريمة، والجريمة لابد ان تُكافح. بعبارة اخرى، الجريمة هنا تحتاج الى قانون مكتوب وإجراءات واضحة و لفعل مادي لمنع جرائم الفساد. نحتاج الى قوانين و انظمة، نحتاج الى دراسات وابحاث تساعدنا على اكتشاف مختلفة أنواع جرائم الفساد، التي تحدث على ارض الواقع او في الحياة الرقمية، من أجل مكافحتها عن طريق استراتيجيات ترسم خط تشريعي وتنفيذي وقضائي يتناسب مع ما يستجد في مجال الفساد ومواجهته. في حين أن النزاهة تختلف تماما عن مكافحة الفساد. النزاهة هي خلق ثقافة أخلاقية لدى الافراد بكافة مستوياتهم على الالتزام بتطبيق القانون واحترامه، والاستقامة وعدم التعدي على ما قد يضر المصلحة العامة بأي شكل من الأشكال. إذا النزاهة هي وسيلة وقائية لصناعة ثقافة مجتمعية هدفها الرئيسي جعل الأفراد يؤمنون بفكرة “أن الفساد ضار بمجتمعهم”.
الفكرة من هذه التفرقة في المصطلح، والتي اريد ذكرها في هذا المقال هي أن استراتيجية مكافحة الفساد تحتاج الى مراجعة مستمرة و دائمة. اذ أن مكافحة الفساد تختلف من وجهة نظري عن النزاهة. مكافحة الفساد هو أمر يتعلق بالتشريع والقانون والتحقيق والتدقيق والقضاء. اذا، لابد من دراسة جرائم الفساد الحالية، و القفز الى المستقبل لتوقع ماقد يستجد من جرائم من اجل الاستعداد لمواجهتها والحد من انتشارها قانونا في حال وقوعها. في حين ان النزاهة هي اجراء وقائي يحتاج ايضاً الى اهتمام ودراسة للمجتمع وتكوينه والمؤثرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لرسم استراتيجية متفرعة ومتشعبة ودقيقة لتكوين ثقافة جديدة تسمى بالنزاهة. إذا، نحن بحاجة استغلال الطاقات الذكية والتي تملك معرفة حقيقية وتنتمي للبيئة المراد معالجتها، لرسم استراتيجيات مستقلة، سواء على صعيد مكافحة الفساد أو على صعيد النزاهة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال