الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قمة العلا لم تغلق ملف أزمة الخليج فحسب، بل رممت البيت الخليجي في نفس الوقت واختصرت مراحل من العمل في مرحلة حاسمة ضمنت شروط النجاح لعودة المجلس لنشاطه الطبيعي . مما ساهم في ذلك وما يحسب للمجلس – في هذه الأزمة – أنه تمسك بمبادئه الأساسية وصمد في وجه العاصفة ، ففي أوج الخلاف التزمت الدول الأعضاء بمقررات ومبادئ المجلس حتى وإن كان ذلك في حده الأدنى ، ولعل هذه الأزمة هي الإختبار الحقيقي لصلابة ومتانة أساسيات المجلس، وقد برهنت الأزمة على إيمان أعضائه بعمق ومحورية الدور الذي يؤديه هذا المجلس وضرورة استمراره تحت أي ظرف.
أداء المجلس قبل الأزمة لم يكن بحجم التطلعات وتعرض لانتقادات واسعة بسبب الركود الذي لازم عمل المجلس لعقود وإن كان المجلس نجح في تحريك بعض الملفات في السنوات الأخيرة وإحداث بعضا من التقدم نحو التكامل منها سهولة التنقل وإقرار الإتفاقية الإقتصادية الموحدة ، ونظام مد الحماية للقوى العاملة ، وكذلك إقرار تنفيذ شبكة قطار الخليج المتوقع أن تربط دول الخليج ببعضها. ولأن المجلس تجاوز خلافاته وأصبح مهيأ للعمل مجددا فإن طموحات مواطني المجلس لا تقف عند إنهاء الخلافات ، بل تتطلع إلى عمل تكاملي وتكتل أوسع يتجاوز المحور السياسي لمحاور لا تقل أهمية من منظور مواطنيه وأهمها المحورين الإقتصادي والتنموي.
سوق العمل المشترك هو أهم المحاور التكاملية والأكثر إلحاحا وجدوى للمنطقة. ذلكم لإن تطوير سوق العمل وتكامله يسهم في تطوير عدة محاور مترابطة منها وتيرة العجلة الإقتصادية والهوية السكانية ونمو الصناعات وحل المشكلات الإجتماعية التي أمتدت بظلالها على الجوانب الأخرى. دول المجلس لديها مشكلة مركبة مع سوق العمل ، فبعض الدول لديها شح عمالة – حتى على مستوى القطاعات العامة – وهذا جعل من العنصر الأجنبي أكثرية في هذه الدول بما في ذلك من سلبيات لا تحصى وتهجير للأموال. ودول أخرى لديها فائض من العمالة تسبب في رفع معدلات البطالة وجعل هذه الدول أمام معضلة وعائق تنموي، فالبطالة تضطر الحكومات لتبني خيارات ليست من إستراتيجياتها ولكنها تهدف فقط لإيجاد فرص العمل وإن كان ذلك على حساب خيارات تنموية واقتصادية قد تكون أجدى نفعا.
الجانب الإيجابي في معضلة سوق العمل الخليجي أنه يجمع بين المشكلة والحل . إقتصاد الخليج منتعش والمنطقة تشهد نهضة تنموية كبيرة وحركة سياحية سخية تنافس كبريات المحطات السياحية العالمية تتطلب عملا تكامليا بحجم مستهدفاتها. مع الأخذ بالحسبان الطاقة البشرية الإجمالية للقوى العاملة بالمنطقة فإن إصلاح سوق العمل أمر ممكن و واعد إذا ما تم تنظيمه من خلال دمج الأسواق المغلقة في سوق عمل خليجي مشترك يستوعب الجميع ويلبي حاجة الجميع.
الدول الأعضاء من حيث المبدأ تؤمن بأهمية سوق العمل المشترك، والسوق لا ينقصه الكثير من التشريعات فقد قطعا شوطا متقدما حيث أقر المجلس نظام مد الحماية الذي يتيح لمواطني المجلس الإشتراك في مؤسسات التأمينات الإجتماعية مما يشجع على العمل في أي دولة أخرى، كما أقر التوطين الشامل لإحتساب مواطني المجلس ضمن خطط التوطين في التوظيف الداخلي. كل ما تم إنجازه وإقراره مؤشرات على رغبة الأعضاء في الإستفادة من القوى العاملة الخليجية والتكامل فيما بينها، إلا إن هذه الرغبة لم تعزز بإستراتيجية شاملة وخطط تنفيذية ترويجية تحول هذه الرغبة الخجولة لواقع يحدث الأثر على معدلات البطالة وخارطة التوطين في مواجهة سيطرة العناصر الأجنبية على فرص الخليج الذهبية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال