3666 144 055
[email protected]
في عام 2002 ، دعت حكومة كينيا تقديم عطاءات لاستبدال نظام طباعة جوازات السفر لديها. تلقت الحكومة الكينية عرض ذات مواصفات ممتازة بقيمة لا تزيد قيمته عن 6 ملايين يورو من شركة فرنسية. فكان من الاحرى التعاقد معها، ولكن ماحدث هو ان الحكومة الكينية وقعت عقدًا بقيمة تتجاوز الخمسة أضعاف6 مليون لتبلغ قيمة العقد (31.89 مليون يورو) مع شركة Anglo-Leasing and Finance Ltd. عند البحث هذه الشركة، وجد انها شركة بريطانية، عنوانها المسجل هو صندوق بريد في ليفربول. عندما انتشرت الأخبار عن هذه الصفقة المشبوهة، قامت شركة Anglo-Leasing بالتعاقد من الباطن للتعاون مع الشركة الفرنسية لمحاولة إخماد مثل هذه الشبهة، خصوصا وان الصحافة بدأت بالحديث عن تورط سياسيين من أجل اختلاس الاموال وتحويلها بإسم الشركة البريطانية وبعدها إرسالها للملاذات الآمنة. إلا أن التحقيقات لم تستطيع الوصول الى اكتشاف المتورطين في هذه الصفقة ومن هو المتحكم بشركة Anglo-Leasing. مثل هذه القصة ترينا ان المتورطون في قضايا الفساد مثل الرشوة والاختلاس دائما يحاولون إيجاد طرق ملتوية لإرسال أو تلقي الأموال مع إخفاء تورطهم. في الماضي ، كانت طريقة الإخفاء المثلى لهذه الأموال هي الحسابات المصرفية المجهولة أو حسابات بأسماء وهمية. ولكن، مع تطور الحياة، اصبحت الحسابات السرية غير مجدية، ولابد من توافر سبل اخرى لإخفاء مثل هذه الأموال، ويكون ذلك من خلال إنشاء كيان قانوني على أراضي تمتاز قوانينها بالتساهل مع مثل هذه الشركات وهي ما تسمى بالملاذات الامنة.
نتيجة لفضائح الفساد المالي في العالم، و إنتشار جرائم غسل الأموال و الرشاوي والاختلاسات و التي تقدر بمليارات الدولارات، مما جعل الفساد المالي قضية دولية، تسعى المنظمات لمكافحتها لانها تهدد استقرار الاقتصاد العالمي، وتسبب تآكل وتهالك البنية التحتية لمعظم دول العالم. اتت مبادرة ستار “StAR” او ما يسمى بمبادرة استرداد الأصول المسروقة. خاصة وان تكلفة الفساد على الاقتصاد العالمي تقدر بما لا يقل عن 50 مليار دولار في السنة. هذه المبادرة هي عبارة عن شراكة بين مجموعة البنك الدولي ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC). تهدف هذه الشراكة الى دعم الجهود الدولية للقضاء على الملاذات الآمنة للأموال الفاسدة. الملاذات الآمنة هي مجموعة من الدول أو الجزر التابعة لدول عظمى، لا تفرض على شركاتها ضرائب وبنوكها لا تطالب عملائها بالإفصاح عن مصادر الأموال ولا تطالبهم بدفع ضرائب على ما يتم إيداعه من مبالغ مالية، لذلك فهي تعتبر ملاذاً آمناً ضد أي ملاحقة قانونية. لذلك، تعمل مبادرة “ستار” مع البلدان النامية والمراكز المالية لمنع غسل عائدات الفساد وتسهيل إعادة الأصول المسروقة بطريقة منهجية وفي الوقت المناسب.
توفر StAR منصات للحوار والتعاون بين الدول الأعضاء المنظمين لاتفاقية مكافحة الفساد والدول الأعضاء في مجموعة من المنظمات الدولية مثل مجموعة العشرين G20. تعمل هذه المبادرة بأسلوبان، نظري و عملي. فمن الناحية النظرية، تسعى هذه المبادرة للتعاون مع الدول لمناقشة قضايا الفساد المالي وإجراء البحوث والدراسات والنقاشات العلمية لتطوير الاستراتيجيات وتحديثها لملاحقة الأموال المنهوبة و رسم اُطر قانونية لمنع التحايل على القوانين لارتكاب الجرائم الاقتصادية. ولنا في ذلك مثال قمة مجموعة العشرين المقامة في الرياض لهذا العام، حيث عقدت أول اجتماع لوزراء مكافحة الفساد والذي سبقه اجتماع ضم عدد من المختصين في مجال مكافحة الفساد من جنسيات الدول الأعضاء لمناقشة أهم العقبات التي تواجه الدول لمكافحة الفساد بكافة اشكاله ومنها الفساد المالي، واقتراح عدد من البرامج لتطوير عملية مكافحة الفساد.
أما الشق العملي من هذه المبادرة هي توفير التواصل بين مختلف الدول لتطوير الأطر القانونية والخبرة المؤسسية والمهارات اللازمة لتتبع الأصول المسروقة وإعادتها لمقرها. وبالتالي، تعمل الدول مع المنظمات الدولية المعنية في جميع أنحاء العالم لتطوير أكثر الأدوات فعالية لمعالجة ومنع سرقة الأموال والأصول ذات الأهمية التنموية. وفي هذا الصدد، من نتائج اجتماع وزراء مكافحة الفساد خلال قمة العشرين، إنشاء شبكة عمليات عالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد، مثل الشبكة العالمية لإنفاذ القانون، وشبكة موظفي إنفاذ القانون. كما تم التركيز على موضوع التعاون الدولي في التحقيقات في قضايا الفساد وملاحقة مُرتكبيها داخل وخارج حدود الدولة، بما في ذلك، تلك القضايا التي يُتطلب فيها استرداد عائدات الجريمة.
نشير هنا الى اهتمام القيادة بمكافحة الفساد من خلال إعطاء هيئة الرقابة ومكافحة الفساد صلاحية الملاحقة والتحقيق مع المشتبه بهم في قضايا الفساد المالي و الإداري، وجعل ارتباطها ارتباطا مباشرا بالملك مما يوفر لها الحماية والبعد عن أي ضغوط قد تؤثر سلباً في أداء عملها. ووفق التقرير الأخير الصادر من الهيئة، فقد باشرت ١٥٨ قضية فساد، وآخرها القضية التي تم الإعلان عنها وعن استرداد اكثر من مليار ريال لخزينة الدولة، وهذه النتائج لم تأتي الا نتيجة وجود الإرادة السياسية التي ذللت أمام الهيئة الصعوبات التي قد تواجهها وتقوض جهودها الرامية لمكافحة هذا المرض العضال من أجل حياة أفضل للمواطن والوطن.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734