الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لنعود قليلا بالتاريخ في بداية سنة 2020، لنستذكر مذكرة الدفاع التي قدمها المحامين لمجلس الشيوخ للدفاع عن الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب للدفاع عنه في قضية إقالته الاولى. تحدثت هذه المذكرة عن عدم امكانية عزل الرئيس ترامب بسبب اساءة استخدام السلطة، حتى ولو كان قد أساء استخدامها. والسبب هنا أنه لا يمكن عزل الرئيس كعقوبة بسبب جريمة لم ينص عليها النظام، حيث أنه لم يثبت أن الرئيس السابق قد ارتكب احد الجرائم المالية او الامنية التي نص القانون على تجريمها كالرشوة والاختلاس والخيانة.ومن هنا انطلقت المناقشات والدراسات القانونية و السياسية لتحليل مثل هذه الثغرة القانونية التي تسمح لرئيس الدولة او الموظف العادي الذي يملك صلاحية اتخاذ القرار بإساءة استخدام السلطة من دون ان يتعرض للعقوبة لانه فقط لم يأخذ رشوة او يختلس. لذلك من المهم ايضا ان نفهم اولا الفرق بين إساءة استخدام السلطة واستغلال النفوذ، ثم بعد ذلك نحلل النصوص لمعرفة مدى وجود مثل هذه الثغرة القانونية في نظامنا السعودي. مما لا يخفى علينا أنه يشترط في أي وظيفة يشغلها موظف تحقيق مصلحة المؤسسة التي يعمل بها. لكن لا يمكن التعويل على تحلي الموظف بفضيلة الإخلاص والضمير الحي من أجل اداء مهام الوظيفة، فقد نجد موظف يستغل وظيفته لأغراض تختلف تماما عن الغرض التي وجدت هذه الوظيفة لأجله وهذا ما ينتج لنا صورتان من صور الفساد الإداري وهما جريمة اساءة استخدام السلطة و جريمة استغلال النفوذ.
وفقا لنظام مكافحة الرشوة، جريمة استغلال النفوذ تصنف بجريمة الرشوة الحكمية، ويستلزم لوجودها الركن المادي المتمثل بالفعل الارادي والركن المعنوي وهي النية والهدف من هذا التصرف. حيث نص النظام في المادة (٥) على: «كل موظف عام طلب لنفسه أو لغيره أو قَبِل أو أخذ وعداً أو عطية لاستعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم للحصول أو لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة على عمل أو أمر أو قرار أو التزام أو ترخيص أو اتفاق أو توريد أو على وظيفة أو خدمة أو مزية من أي نوع يُعد مرتشياً ويُعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في هذا النظام.» إذا، جريمة إستغلال النفوذ يشترط فيها تحقيق مصلحة شخصية.
في حين أن جريمة اساءة استخدام السلطة لا تشترط دائما وجود المصلحة الشخصية في التصرف كأخذ رشوة او تحقيق منفعة شخصية. وإنما احيانا، يتعنت الموظف ويسئ استخدام السلطة التي بيده لدوافع نفسية أو معتقدات شخصية أو افكار مسبقة او لأسباب سيكولوجية. وهذه الإساءة في استخدام السلطة غالبا ما تؤدي إلى خلق بيئة عمل غير صحية تنعكس سلباً على أداء العاملين وعلى ثقة المراجعين. من أمثلتها الاستخدام المفرط للسلطة لإذلال الموظف بشكل واضح أمام زملائه، الاعتداءات الجسدية، وتقويض جهود الآخرين والحط من شأنها، استخدام لغة غير محترمة، التمييز العنصري بكافة اشكاله، استبعاد أو تجاهل الموظفين وغيرها من صور التنمر الوظيفي، التلاعب بالانظمة والمماطلة في تنفيذ الاعمال، نشر شائعات كاذبة وغير صحيحة ، وحجب أو إعطاء معلومات خاطئة عن قصد وغيرها من التصرفات. في النظام السعودي تمت الاشارة فقط الى مصطلح اساءة استخدام السلطة في الانظمة و اللوائح القانونية من دون تعريفها و وصفه بشكل يفسر المقصود به مما يؤدي الى الخلط واللبس مع جريمة استغلال النفوذ. الموضع الوحيد الذي فسر معنى اساءة استخدام السلطة هو ما نص عليه في المرسوم الملكي الكريم رقم ٤٣ الصادر بتاريخ ١٣٧٧/١١/٢٥هـ، حيث اشار الى ان “سوء الاستعمال الإداري كالعبث بالأنظمة والأوامر والتعليمات وبطرق تنفيذها امتناعا أو تأخيرا ينشأ عنه ضرر خاص أو عام ويدخل ضمن ذلك تعمد تفسير النظم والأوامر والتعليمات على غير وجهها الصحيح أو في غير موضعها بقصد الإضرار بمصلحة حكومية لقاء مصلحة شخصية واستغلال النفوذ أيا كان نوعه في تفسير الأوامر وتنفيذها لمصلحة شخصية عن طريق مباشر أو غير مباشر .” تم تعريف اساءة استخدام السلطة في نص هذه المادة، ولكن الثغرة التي تستغل هنا هي مسألة الركن المعنوي والمتمثلة في تحقيق مصلحة شخصية، إذ أنه في كثير من الاحيان يصعب اثبات ان المسؤول او الموظف يتعسف في استخدام سلطته بهدف تحقيق مصلحة شخصية، و بالتالي يستطيع تطبيق ما يراه من تفسير القانون لعدم القدرة على إثبات وجود المصلحة الشخصية.
وجود الثغرات القانونية أمر لا مفر منه في أي بيئة تشريعية، والا من كان يخطر على باله انه سيتم اختراق مبنى الكونغرس الأمريكي بسبب عبارات أطلقها الرئيس السابق، وعند محاكمته الثانية والتي كانت قبل أيام عديدة، حيث استطاع محاميه أن يستغلوا الثغرات القانونية للتخلص . لابد من دراسة الاختلاف بين المفهومين وسد الثغرة النظامية التي تستغل بشكل يعيق تحقيق المصلحة العامة ويساعد على انتشار الفساد. فجريمة استغلال النفوذ ليست كجريمة إساءة استخدام السلطة. في جريمة استغلال النفوذ، الإثبات أكثر سهولة لوجود مقابل لإستغلال النفوذ، في حين إساءة استخدام السلطة لا يشترط دائما وجود مقابل وبالتالي اثبات وجودها صعب جدا إذ أنها ترتبط بعوامل اخرى. رسم خط فاصل بين هاتين الجريمتين من شأنه خلق ثقافة التروي قبل اتخاذ القرار والحياد والبعد عن العوامل النفسية والفكرية التي يبنى عليها اصدار اي قرار.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال