الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعد تقديم لمحة مختصرة عن الإيجابيات والسلبيات لمفهوم مبدأ المسؤولية المحدودة ومدى تأثره المباشر برفع حجاب الشركة، وأن الرفع يأتي كَحَلٍّ وسطٍ مع الذين يؤمنون تماماً بقدسية مبدأ المسؤولية المحدودة دعماً واحترماً لهيكلية الشركة ذات الشخصية المعنوية المستقلة بالتحديد تلك الشركات التي يتمتع الشركاء والمساهمون فيها بحدود مسؤوليتهم وبين من يرى أن الخروج عن عباءة الحماية -تحديد المسؤولية- أمراً جلياً ومهماً تغليباً لمصلحة من يتعامل مع الشركة -من الغير- في كشف وملاحقة من يقف خلف ستار الشركة عن طريق رفع حجابها.
في هذا الجزء الأخير سنسلط الضوء -من واقع عملي- على أغلب القضايا التي يكون معها التخلي عن مبدأ المسؤولية المحدودة أمراً ضرورياً، ولماذا تكون المحاكم أكثر اقتناعاً في رفع حجاب الشركة نتيجة للالتزامات العقدية مقارنة بالتعويضات التقصيرية؟ ولماذا يصعب وضع قواعد ومبادئ عامة قانونية لرفع حجاب الشركة على أرض الواقع؟ وختاماٍ يجيب عن هذا السؤال: هل ما ورد في مادة ٢٥ من مسودة مشروع الشركات السعودي كافية بحد ذاتها لحل إشكالية رفع حجاب الشركة؟ ولماذا قد يكون التوجه البحريني أفضل من توجه المسودة عطفاً على دور المحاكم المحدود في فقط تطبيقها للأنظمة في الدول العربية مقارنة بالدول الغربية كالأمريكية أو البريطانية؟
كما يقول البرفسور تومسون في بحثه المهم في هذا الشأن إن الدعاوى المتعلقة برفع حجاب الشركة من أكثر الدعاوى والقضايا في المحاكم الأمريكية تقاضياً وبشكل إجمالي يتم رفع حجاب الشركات بنسبة ٤٠٪ من مجمل القضايا المرفوعة. فبالمقارنة بين الالتزامات التعاقدية والتقصيرية قد يستغرب القارئ أنه يتم رفع حجاب الشركة في الحالات التعاقدية أكثر من الالتزامات االناتجة عن المسؤولية التقصيرية. أي بمعنى أن المحاكم الأمريكية أكثر قناعة إلى تلبية طلبات رفع حجاب الشركة في الحالات التعاقدية أكثر منها نتيجة عن تلك الالتزامات والتعويضات الناتجة عن الأضرار التقصيرية -دون أي علاقة تعاقدية مسبقة- كحادث سيارة لعابر طريق أو سقوط رافعة على عابر طريق في حالات معينة. بعبارة أخرى، فعدم الصدق خلال التعاقد يكون حجة أقوى في رفع حجاب الشركة أو في حالة قيام الشركاء غالباً -الشريك المسيطر- في السحب المباشر من رأس المال على شكل أرباح صورية أو رواتب مالية مما يسبب الضرر بالدائنين. فلعل هذا يفسر صعوبة رفع حجاب الشركات المساهمة العامة المدرجة مقارنة بالشركات الأخرى كالشركة المساهمة المغلقة أو المسؤولية المحدودة على وجه التحديد. فتكون حالات رفع حجاب الشركة أكثر عدالة ومنطقية متى ما قل عدد من كان خلف الحجاب حتى يكون هناك عامل السيطرة.
فعلى الرغم من وجاهة المبدأ وعدالته، ولكن لماذا الصعوبة والتعقيد تحوط مبدأ رفع حجاب الشركة؟ يمكن تلخيص المعضلة على مسألتين. المسألة الأولى: هل يتوجب النص بشكل مسبقٍ وواضحٍ على الحالات القانونية الاستثنائية التي يتعين فيها الخروج عن المسؤولية المحدودة -كما ذهبت مسودة مشروع نظام الشركات- أم يتوجب تركها لتقدير المحكمة حسب حيثيات كل قضية لاسيما التي تعجز الأنظمة القانونية -فضلا الخطأ البشري- عن الإحاطة بكل الحالات؟ والمسألة الثانية -في غير ما نصت عليه المسودة من الحالتين التي يمكن من خلالها رفع حجاب الشركة-: هل يحق مطالبة الشركاء والمساهمين شخصياً بديون الشركة والتي فيها الوجاهة والعدالة وحتى لو لم ينص النظام على ذلك؟ فهل ستستجيب المحاكم السعودية لمثل هذه الطلبات وحتى لو لم ينص عليها نظام الشركات؟ أي بعبارة أخرى هل من المصلحة العامة والاقتصادية -والتي دون شك عكس مصلحة أصحاب الأعمال اللذين يفضلون احترام قدسية مبدأ المسؤولية المحدودة- التوسع في الخروج عن هذه القاعدة حماية للدائنين والموردين أم من مصلحة أصحاب الأعمال عدم التوسع تحت باب احترام الهيكلية للشركات؟
لا شك أن رفع حجاب الشركة وتحديد الحالات بشكل مسبق التي يتعين فيها الخروج عن تحديد مسؤولية المساهمين والشركاء من المسائل المعقدة في أنظمة الشركات فضلًا أنها مسألة غير متفق عليها أكاديمياً ولا حتى قضائياً خاصة إذا نظرت إليها من زاوية اقتصادية على خلاف النظرة القانونية والتي تحث دائما على وضع قوانين متشددة جاهزة في أي وقت لرفع الجدار للوصول إل أصول الشركاء الشخصية وأموالهم بغض النظر عن الأثر المترتب عليه اقتصاديا على أصحاب المصلحة. ولهذا تكمن الصعوبة في رسم ووضع الأحكام والمبادئ الواضحة التي تضطر معها المحكمة إلى تجاهل الجدار العازل المسمى – بالمسؤولية المحدودة- الذي يحمي الشركاء وأصولهم الشخصية من ديون الشركة حيث لا يكون للدائنين إلا رأس مال الشركة، تحت مبدأ التعامل التجاري والذي يحتمل الربح أو الخسارة.
فعلى عكس الاتجاه الغربي -خصوصا المحاكم الأمريكية أو البريطانية- والتي لهما الكلمة الأخيرة في تقدير دعاوى رفع الحجاب عن الشركة حسب حيثيات كل قضية على حِدَة بالأخص في القانون الأمريكي المتوسع في هذا الاتجاه والأقل تحفظاً مقارنة بالتوجه البريطاني. فالوضع مختلف تماماً في الأنظمة كالنظام السعودي حيث سيقع العبء والدور الكبير على المنظم بالأخص في نظام الشركات في توضيح الحالات بشكل مسبق وعليه يقتصر دور المحكمة في أغلب الأحوال عدم الخروج عن النظام وحتى لو تقتضي مقتضيات العدالة ذلك.
فبالرجوع إلى مسودة نظام الشركات -وبالتحديد مادة ٢٥- نرى المشروع قرر بشكل استثنائي تضمين إمكانية رفع حجاب الشركة في حالتين فقط، وهي: الحالة الأولى: لكل من تعامل مع الشركة الرجوع بشكل شخصي في حالة سوء النية في تصفية أو أوقف نشاط شركته قبل تحقق النشاط أو المدة المحددة، ما معنى سوء النية هنا؟ فلو أن التوقف للمشروع التجاري ليس عائداً لسوء النية ولكن بسبب تفريط من مدير الشركة لسببب أو بدون سببب قانوني مما عرض الشركة إلى عدم التمكن من سداد ديونها أو أدى إلى ضعف الكفاية المالية للشركة للقيام بمشروعها التجاري، فهل للمحكمة معاقبة الشركاء على عدم الكفاية المالية احترامًا للدائنين؟ الحالة الثانية: لعدم احترام هيكلية الشركات أي معاملة الشركة مثل Puppet دون حساب بنكي مستقل خاص على سبيل المثال، فتتعقد المسألة تماماً إذا كانت هناك أكثر من شركة مسيطر عليها هل ٦٠٪ تعتبر مسيطرة أو يتوجب ان تكون الأم مسيطرة على كل الأسهم، ماذا لو كانت المسيطرة جهة حكومية؟ أو الشركة ذات الشخص الواحد؟
فماذا لو كانت الشركة نفسها -بحد ذاتها- هي مجرد وسيلة مخادعة في حماية أصول ملاكها من الملاحقة من ديونهم الشخصية من خلال تأسيس شركة ونقل أصولهم لها بشكل احتيالي، والتي بدأت المحاكم الأمريكية الانتباه له ومراعاته حيث يكون للدائن الشخصي للشريك المطالبة برفع الحجاب “العكسي” للوصول إلى أصول الشركة متى ما كان ملاك الشركة يضعون مايملكونه باسم الشركة عوضًا عن اسمهم الشخصي! فحسب مسودة المشروع قد لا يتمكن للبنك المقرض الشخصي في هذه الحالة طلب رفع الحجاب العكسي تحت مشروع النظام على الرغم من وجاهة ذلك. وهذا ينصرف إلى حالات أخرى متعددة كالإضرار بالعمال في نقلهم من منشأة إلى منشأة أخرى أقل استقراراً مالياً ثم التخلص منهم تماماً، وتتعقد المسألة إذا طرحت على مستوى شركة الشخص كما سبق بيانه أو الدخول في صفقات مالية -خطيرة- على الرغم من المعرفة الحقيقية للوضع المالي للشركة المتعثر.
بعد توضيح عدم كفاية مسودة نظام الشركات في معالجة هذه المسألة المهمة فهنا يأتي التساؤل، فهل التوسع سيكون مذهبًا محمودًا كالنظام الأمريكي -بناء على نظريات قانونية متعددة مختلفة- أم اختيار الموقف البريطاني وهو عدم رفع حجاب الشركة إلا على مستوى ضيق تماماً؟ الحقيقة فلسلفة رفع حجاب الشركة من المسائل المعقد فهمها أو وضع القواعد المحددة بشأنها، وقد تكون من الاستحالة أن تحصر كل الحالات التي يمكن رفع حجاب الشركات من خلالها. لهذا فالمنهج الذي اتبعه المشروع هو نظام جيد إلى حد ما ولكن يمكن تعزيزه بحالات أخرى تحمي أطراف العلاقة إلى الحد الذي لا يتم الخلط بين القاعدة وهي المسؤولية المحدودة وبين الاستثناء وهو الخروج عنها وتحميل من هم خلف الشركة المسؤولية القانونية عن ديون الشركة وكأنها ديون شخصية لهم. ولكن لو تم اقتراح التوسع في حالات رفع الحجاب، فتكون هناك مشكلة أخرى وهي ربما الخلط بين القاعدة -وهي المسؤولية المحدودة- وبين الاستثناء وهو رفع حجاب الشركة. عدا حالات الغش وهي حالة واضحة كاستخدام الشركة بشكل احتيالي، لكن الصعوبة لا تكمن في قبول المبدأ من عدمه ولكن في وضع سياسة واضحة للمحامين وللشركات تتبعها والتأكد من سلامة ما يقومون به من تصرفات وضبط هيكيلية الشركة.
ولعل موقف المنظم البحريني في قانون الشركات التجارية المعدل بتاريخ ٢٠١٨ أجدر بالاتباع من الموقف السعودي في مسألة رفع حجاب الشركة وجعل مسؤولية الشركاء أو المساهمين مسؤولية شخصية عن ديون الشركة في حالات متعددة وبلغة أكثر وضوحاً من مسودة الشركات السعودية. إضافة لذلك، يتوجب إعادة النظر في هذه المادة على فترات زمنية لتغطية حالات رفع حجاب الشركات دون أن نغفل دور الباحثين في القيام ببحوث عملية وبناء نظرية لفهم مبدأ رفع حجاب الشركات على المستوى السعودي حتى تكون المسألة من تجربة إلى حاجة عملية حقيقة من خلال تجارب استقرائية من الواقع السعودي. فمن خلال هذه التجارب الاستقرائية من الواقع السعودي سيكون هناك التكافؤ في العلاقة القانونية بين حماية المساهمين داخل الشركة والدائنين لتلك الشركة ويكون هناك نوع من التماثل على مستوى المحاكم السعودية لاسيما (مادة ٢٥) فإنها لم تقدم التوضيح أو الإجراءات المناسبة للمحامين والقضاة في رفع حجاب الشركة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال