الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
شهد الاقتصاد السعودي خلال العقود الخمسة المنصرمة تحوُّلات نوعيَّةً وهيكليَّةً كبيرةً شملت قطاعاته ونشاطاته كافَّةً، فانتقلت المملكة من أحد رئيسيِّي مصدِّري الثروة النفطيَّة، ومن اقتصاد مستهلِك للسلع والمنتجات المستودة إلى عضو فاعلٍ في مجموعة الدول العشرين الأقوى اقتصاديًّا، وقوَّة مؤثِّرة في تحفيز الاقتصاد العالمي واستقراره، وفي طليعة الدول القادرة على تقديم إسهامات لنموِّ الانتاج العالمي.
في الاعوام الخمسة المنصرمة، شهدت المملكة العربية السعودية انبثاق نمطٍ جديدٍ من التفكير القيادي والتخطيط الاقتصادي الطموح الهادف إلى تأسيس مجتمع معاصر، وبناء اقتصاد مزدهر قائم على أسس جديدة. أهمُّها: تنوُّع مصادر الدخل القومي، وتقليل إسهام القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي، توسيع الاستثمارالخاص، وتطويرالقطاعات الاقتصاديَّة، وزيادة انتاجيتها. والأهمُّ؛ رفع كفاءة أداء القطاعين العام والخاص. هذه الاهداف الطموحة تجسدها برامج رؤية المملكة 2030 وخططها الاستراتيجية .
كيف يمكن تفعيل القَّوة الكامنة في الاقتصاد السعودي وتوظيفها في معالجة معوِّقات النموِّ البشريَّة والماديَّة ومحدِّداتها؟
ما هي سبل ضمان ديمومة زخم الرؤيا التنموي،والحفاظ على معدَّل النموِّ المستهدف، وتسريع تحقيق أهداف الرؤيا الاقتصادية والاجتماعية ؟
ثمَّة العديد من العوامل التي قد تسهم مراعاتها في تحسين كفاءة الأداء، وتسريع الوصول إلى الاهداف الاستراتيجية بنجاح، لعلَّ من أهمِّها:
أوَّلًا، بناء الإنسان “المواطن” المتطوِّر القادرعلى إدارة برامج التحوُّلات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة بكفاءة يجب جعله هدفًا مركزيًّا لبرامج الرؤيا . فاعلية الاستراتيجيات يجب أن تقاس من خلال نجاحها في تطوير الإمكانيَّات البشريَّة نوعًا وكمًّا، وليس من خلال مساحة البُنى التحتيَّة المنجزة، أو كميَّة الخرسانة المستخدمة، أوعدد المباني الشاهقة. خطط التنمية الاقتصادية في عديد من الدول، أخفقت في تحقيق أهدافها بسسب إهمالها ضرورات بناء الإنسان المتطوِّر المنتج، وركَّزت على الإنجازات الماديَّة والعمرانيَّة.
ثانيًا، زيادة كميَّة عوامل الإنتاج؛ العمل ورأس المال خاصةً ، اللَّذين يشكِّلان أهمَّ مكامن قوَّة الاقتصاد، ومقوِّمات نموُّه. زيادة حجم الإنتاج وتعزيز النموِّ الاقتصادي يتطلبان رفع نسبة تراكم رأس المال من الناتج المحلِّي الإجمالي، وتطوير قدرات القوَّة العاملة، وتحسين إنتاجيتها. الوصول إلى أهداف الخطط يتطلَّب أيضًا الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصاديةَّ المتاحة، وتجنُّب الهدر، وعدم الإفراط في استهلاك الموارد الطبيعيَّة والمواد الأوَّلِيَّة.
ثالثًا، تبنِّي استراتيجيَّة استخدام فعَّالة، وإصلاح الخلل في سوق العمل، من شأنهما تحفيز الطلب الفعَّال على السلع والخدمات الاستهلاكيَّة والاستثماريَّة، وتنشيط الاقتصاد. لذلك، تقتضي الضرورة أن تعتمد خطط الرؤيا “تعظيم الاستخدام” هدفًا مركزيًّا وأساسًا، وان تلتزم في تحقيق معدَّل بطالة محدَّد. إنجاز ذلك يقتضي وضع استراتيجيَّة فعَّالة لزيادة مستوى الاستخدام، والوصول بمعدَّل البطالة إلى المعدَّل الطبيعي Natural rate of unemployment”” في أقصر مدَّة زمنيَّة ممكنة. إستراتيجيَّة تعظيم الاستخدام، وتنمية دخول الأفرد، تتيح أيضًا استثمار الطاقات البشريَّة المعطَّلة وتحويلها إلى زخم تنمويٍّ منتج في الأنظمة الاقتصاديَّة الزاخرة بالطاقات الشابَّة المؤهَّلة والقادرة على بناء مستقبل زاهر.
رابعًا، تحقيق أهداف الرؤيا ، يتطلَّب بناء قطاعات اقتصاديَّة متطورَّة ومتوازية وأن تتقارب نسب إسهامها في الناتج المحلي الإجمالي. كما تتطلب توزيع عوامل الإنتاج على القطاعات أو الصناعات وفقًا لقيمتها المضافة، وتوجيهها نحو القطاع أو الصناعة ذات القيمة المضافة الأعلى. إعادة توزيع عوامل الإنتاج وتحويلها من القطاعات أو الصناعات ذات القيمة المضافة المنخفضة إلى القطاعات المرتفعة الفائض، يسهم في تحقيق أهداف الرؤيا ويعزِّز نموَّالاقتصاد.
خامسًا، بناء قطاع صناعي حديث كفوء متطوِّرٍ قائم على استراتيجيَّة مزدوجة الأهداف؛ إقلال الاستيرادات، وتنمية الصادرات.
سادسًا، ضرورة رفع نسبة إسهام الشركات المتوسِّطة والصغيرة في الناتج المحلِّي الإجمالي،وتوسيع أنشطتها وزيادة فعاليتها. في الوقت الراهن نسبة إسهام المنشآت الصغيرة والمتوسَّطة في الناتج المحلَّي الإجمالي السعودي تبلغ 26 من المئة، وفقًا لتقارير هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسَّطة. وهي نسبة مُتدنيِّة عن نسب الدول الأعضاء في مجموعة العشرين. (الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة 50 من المئة، اليابان 52 من المئة، ألمانيا 54 من المئة)، في حين تبلغ النسبة في الصين إلى 60 من المئة.
سابعًا، بناء منظومات وأطر قياديَّة متطوِّرة لإدارة الاقتصاد وبرامج التطوير المؤسَّسي، وكذلك لتنظيم العلاقة التفاعليَّة بين القطاعات الاقتصاديَّة وعوامل الإنتاج، ورفع مستوى الإنتاج وتحسين الإنتاجيَّة.
ثامنًا، توفيرمستلزمات بناء إقتصاد الابتكار والمعرفة والتقدُّم التقني ضرورات أساسيَّة لتنمية الاقتصاد في عالمنا المعاصر. التقدُّم التقني عامل حاسم، ومهمٌّ في زيادة العائد إلى رأس المال وتراكمه. بالمقابل، مستوى تراكم رأس المال في اقتصاد أيَّة دولة، يعتمد على سرعة التقدُّم التقني ونوعيَّتة. من جانب آخر، تسارع التقدُّم التقني، يسهم في خلق أنشطة صناعيَّة وخدميَّة جديدة ذات قيمة مضافة.
من المسلَّم به أنَّ النموَّ المستدام يتطلَّب المحافظة على معدَّل تغيير تقني ثابت ومتواصل، بالإضافة إلى ضرورة خلق قاعدة راسخة للتطوُّر والبحث والابتكار لغرض تحسين الكفاءة وزيادة العائد على رأس المال، وتحقيق أهداف برامج التحولات الاقتصادية والاجتماعية.
تاسعًا، العمل على تجنُّب “اختناق التنمية” وتلكؤ مسارها، وتوقُّف تنفيذ برامجها. توفير مستلزمات الرؤيا الإداريَّة والماليَّة والبشريَّة والماديَّة بفعَّاليَّة ودقَّة وكفاءة، يحول دون تلكؤ إنجاز برامج الخطَّة ومشاريعها.
عاشرًا، تفادي تسارع الإنجازات والتراكم الزمني للمشاريع التنمويَّة. تجنُّب التراكم وتحقيق أهداف البرامج التنمويَّة يتطلبان توزيع المشاريع زمنيًّا بشكل متوازن ومتوافق مع الموارد البشريَّة والماديَّة المتاحة وحاجات المجتمع الاساسية.
أحد عشر، التوزيع الإقليمي/الجغرافي العادل للمشاريع التنمويَّة، ومراعاة أسس العدالة والكفاء في توزيع الموارد الاقتصاديَّة المتاحة بين المناطقيَّة الحضريَّة والريفيَّة، وتفادي الفجوة بين مستويات الدخول.
إثنا عشر، مراعاة مبدأ “القدرة على الاستمراريَّة”، ووضع خطط مواجهة التقلُّبات الاقتصاديَّة والأزمات العالميَّة المستقبليَّة المفاجئة، وتعزيز قدرة الاقتصاد على استيعاب الصدمات الاقتصاديَّة، وتحمُّل التغييرات غير المتوقَّعة، وامتصاص زخمها وتجاوزها. تمتُّع الاقتصاد بميزة “القدرة على الاستمراريَّة”، يتطلَّب احتواء خططه الاستراتيجيَّة عناصر المرونة والقدرة على التكيُّف، والاستجابة السريعة، وسبل مواجهة التحدِّيات المستقبليَّة المفاجئة، إلى جانب توفير احتياط مالي، وأسواق احتياطيَّة بديلة. توفُّر هذه العناصر لا يمنح الاقتصاد حصانة مطلقة ضدَّ الصدمات الاقتصاديَّة غير المتوقَّعة، لكنَّها ترفع قدرته على امتصاص الأزمات وتجاوز تداعياتها بأقلَّ قدرٍ من الخسائر.
الى جانب عوامل تفعيل القَّوة الكامنة في الاقتصاد السعودي المبينة اعلاه ، ثمة العديد من العناصر الاخرى التي قد يسهم استخدامها في رفع فاعلية عمليات تخطيط وتنفيذومتابعة تنفيذ برامج الرؤيا ومشاريعها وانجاحها، والوصول الى الاستخدام الامثل للموارد الاقتصادية المتاحة وبناء الاقتصاد المتطور والمستقر .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال