الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خلال الأسبوع الماضي، أعلن ولي العهد، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان مبادرة الاستثمار. في الحقيقة، تبدو ملامح هذه المبادرة واعدة للغاية، وهذا استدعى التفكير فيما يصاحب المدن الاقتصادية من تحديات، وصعوبات خاصة في ظل المفهوم الاقتصادي الحديث ألا وهو اقتصاد المعرفة. فكيف سيتم التوفيق بين صناعة المدن الاقتصادية من خلال تبني مفهوم اقتصاد المعرفة من دون ان يتسبب ذلك في آثار سلبية بالغة الحدة على مشاريع قائمة، وعلى المدن الأخرى.
دائما ما نرى في أوراق العمل العلمية مئات المقالات حول الاقتصادات الحضرية او المدن الاقتصادية. وغالبا ما يتم نقاش الأسئلة ذاتها، مثل: لماذا تنمو بعض المدن بشكل أسرع من غيرها؟ لماذا بعض المدن تكون ثروة أسرع من غيرها؟ لماذا بعض المدن الاخرى تعاني من الفشل؟ لا توجد إجابات بسيطة، فالاجابة معقدة ولا زالت هذه الاسئلة يتم دراستها. لكن كما هو معلوم، فكرة المدن الاقتصادية فكرة حديثة، لكن عند بدايتها لم نكن قد وصلنا الى مرحلة الاقتصاد المعرفي الذي نعايشه الآن. وهذا ما سأتحدث عنه في الجزء الثاني من المقال. في هذا المقال سأولي مفهوم المدينة التركيز الأكبر.
المدن هي أولاً وقبل كل شيء أماكن تجمعات بشرية وليست وحدات اقتصادية وسياسية، وهذا ما يجعل دراسة الاقتصادات الحضرية تتسم بالتعقيد. السبب الأول يعود الى معرفة حدود المدينة الاقتصادية. فمثلا لو تكلمنا عن مدينة الرياض، يمكن تحديد المناطق الحضرية بعدة طرق. أين تبدأ مدينة الرياض بالضبط وأين تنتهي؟ ولكن عند دراسة المدن الاقتصادية، يجب علينا أن نختار دراسة منطقة الرياض الحضرية بأكملها ، وهذا ما يهمنا عند النظر للموضوع من الناحية الاقتصادية. وكما نعلم أن حدود المنطقة الحضرية تتغير حدودها أما بالاتساع أو الانكماش.السبب الثاني الذي يسبب التعقيد الذي يتزامن مع المدن الاقتصادية، هو أن قدرة المدن على صنع السياسة الاقتصادية وتشريع القوانين الخاصة بها محدودة اذ ان التشريع يأتي من مستويات أعلى من الحكومة ألا وهي السلطة التشريعية للدولة، وهذا يعني أن قدرتها على التأثير في الاتجاهات الاقتصادية والجغرافية للدولة محدودة للغاية. وبالتالي، حاجة هذه المدن لتشريعات تختلف عن حاجة المدن العادية، خاصة أن مثل هذه المدن الاقتصادية هي بيئة جاذبة للإستثمار، وبالتالي لابد من توفير ما يسمى الأمن القانوني.
أخيرًا ، أن المدن ليست وحدات اقتصادية وسياسية مستقلة مثل الدول، وبالتالي فهذه المدن الاقتصادية ستنافس مناطق الدولة الاخرى بشكل شرس على استقطاب المواهب و العقول، خاصة ان تغيير الفرد لمكان اقامتة من مدينة لأخرى اسهل من تغيير دولة الإقامة. وهذا ما يهمنا اليوم لرسم سياسة اقتصاد المعرفة ، الذي تتمثل موارده الأساسية في اكتشاف العقول والمهارات وروح المبادرة. ولذلك فإن الكثير من المؤلفات العلمية حول المدن تركز على “رأس المال البشري”. على سبيل المثال ، أظهر العمل الرائد الذي قام به إدوارد جلايسر من جامعة هارفارد ، أن المدن التي اكتشفت المهارات والكفاءات ذات التعليم الجيد منذ البداية، ستكون أكثر نجاحًا في المستقبل.
بالتالي، المدن الاقتصادية، يختلف قياس نموها بإختلاف مساحتها، فكما نعلم ان هذه المدن قابلة للاتساع و للانكماش. وهذا التغيير في مساحتها، يجذب السكان اليها بسبب توفر الفرص الاستثمارية وفرص العمل، وهذا يخلق لنا مشكلة تشريعية تتمثل في ان الانظمة و القوانين المشرعة يجب ان يكون بها نظرة استشرافية لما يواجهها من حالات قانونية، وبالتالي يجب أن يكون القانون قادر على حلها لتستمر هذه البيئة الاقتصادية كبيئة جاذبة للاستثمار المالي والبشري.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال