الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في هذا العالم هناك اثنان لا يقولان لك ” لا”، المحامي، واستشاري دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع.
لو ذهبت إلى محامي واخبرته بأنك قد قمت بقتل عشرة رجال، سيخبرك بأنك بريء وبالتأكيد هم من قاموا بالاعتداء عليك اولا، وبانك كنت تدافع عن نفسك. طبعا سينتهي الأمر بك بالسجن المؤبد على أقل تقدير، هذا بعد أن تخسر كل ثروتك لصالح المحامي.
كذلك ايضا، لو كنت انت عزيزي القارئ مديرا تنفيذيا لأحد المنشآت وقمت بطلب دراسة جدوى اقتصادية لمشروع جديد من احد مستشاري دراسات الجدوى الاقتصادية، فانه غالبا ما سيخبرك بأن نسبة نجاح المشروع المنشود عالية جدا، وبانه عليك ان تتوكل على الله وتبدأ بتنفيذ مشروعك الجديد.
سيقول قائل بأن مكاتب دراسات الجدوى ستتقاضى أجرها بغض النظر عن الرأي التي ستقدمه في المشروع المقترح. للوهلة الأولى قد يبدو هذا صحيحا، لكن اذا قمنا بتتبع مفرزات الرأيين ( جدوى المشروع / عدم جدوى المشروع) بصورة دقيقة، سنجد بأن هناك اكثر من سبب وراء قيام مستشار دراسة الجدوى الاقتصادية بحث المدراء التنفيذيين على القيام والبدء بمشاريع جديدة تضمن للمستشار المكاسب التالية:
1- الحصول على قيمة دراسة الجدوى الأساسية.
2- القيام بتقديم الاستشارات المصاحبة للمشروع بمقابل مالي إضافي.
3- تقديم دراسة جديدة بمقابل جديد في حالة تعثر المشروع.
4- تقديم دراسة جديدة أخرى في حالة عدم نجاح خطة معالجة التعثر الأولى، وذلك بمقابل إضافي بكل تأكيد.
5- لو استمر تعثر المشروع، سيقوم الاستشاري بلعب دور المنقذ، والعمل على انتشال المنشأة من المشروع بأقل الخسائر من خلال إيجاد مستثمر جديد، مقابل نسبة جيدة من قيمة الصفقة.
أما في حالة قيام مقدم دراسة الجدوى الاقتصادية بحث المنشأة على عدم الشروع في المشروع الجديد، ستحصل الشركة الاستشارية المقدمة للاستشارة على قيمة دراسة الجدوى فقط، وكان الله غفورا رحيما.
أعتقد بأن الفروقات في الأرباح المكتسبة من قبل الشركة الاستشارية المقدمة لدراسة للجدوى الاقتصادية للمشروع باتت واضحة بين الدراستين المقدمتين.
هنا يجب أن أشير إلى أمر آخر في غاية الأهمية، وهو التضاد في المصالح بين مدراء الشركات والملاك. حيث انه اذا لم تقم إدارة الشركة بتقديم مشاريع جديدة خلال مدة زمنية معينة، سيتم التخلص من الادارة القائمة والاتيان بإدارة جديدة تقوم بالعمل على نمو الشركة من خلال تقديم مشاريع جديدة. هذا السيناريو يترك الكثير من الإدارات التنفيذية للشركات أمام خيارين لا ثالث لهما:
الخيار الأول : الإقدام على مشروع جديد والعمل على نمو الشركة من خلال تقديم مشاريع جديدة، هذا بغض النظر عن نسبة نجاح تلك المشاريع، سعيا وراء احتفاظ القائمين على تلك الشركات بمناصبهم الإدارية. في حالة نجاح تلك المشاريع، والتي قد يستغرق تنفيذها عدة أعوام مدفوعة الأجر ومليئة بالمميزات الإدارية المادية.
الخيار الثاني: التوقف لفترة من الزمن عن البدء في مشاريع جديدة، وهذا يعني حرمان المنشأة من النمو، من ما قد يؤدي إلى احتمالية خسارة الإداريين التنفيذيين لمناصبهم في المستقبل القريب، بل القريب جدا.
يجب الاعتراف بأن هناك ضغوطات شديدة على إدارات المنشآت من قبل مجالس الإدارات للبدء بمشاريع جديدة تزيد من فرص بقاءهم لأطول فترة ممكنة، وذلك بالرغم من المخاطر التي قد يتم ارتكابها من قبل إدارات تلك المنشآت.
الشركات الاستشارية تعي تلك الضغوطات من قبل الملاك على إدارات المنشآت، وتعمل في الغالب على القيام بالاستفادة من ذلك الوضع القائم بين الملاك المتمثلين بمجلس الادارة والإدارة التنفيذية للمنشاة.
ما هو الحل من وجهة نظر كاتب هذه السطور؟
اولا: الابتعاد عن الطريقة التقليدية المتبعة في أغلب دول العالم، والتي تسند دراسة جدوى المشاريع الجديدة الى مكتب استشاري واحد او عدة مكاتب استشارية للقيام بتقديم دراسة الجدوى للمشروع الجديد، والتي كما أشرت سلفا ستكون في الغالب لصالح القيام بالمشروع رغم تطرقها إلى التحديات المحتملة، وذلك وفقا للأسباب الربحية التي تم استعراضها.
ثانيا: القيام بإسناد دراسة الجدوى الموجهة ( دراسة الجدوى الموجهة هي الدراسة التي تتضمن فقط مسببات جدوي المشروع دون التطرق إلى التحديات المحتملة) الى مكتب استشاري او عدة مكاتب استشارية.
ثالثا: القيام بإسناد دراسة الجدوى المضادة ( دراسة الجدوى المضادة هي الدراسة التي تتضمن فقط المسببات التي تبرهن على عدم جدوى المشروع دون التطرق إلى الأرباح المحتملة) إلى مكتب استشاري او عدة مكاتب استشارية أخرى مختلفة.
ثالثا: تقدم الدراستين ( دراسة الجدوى الموجهة و دراسة الجدوى المضادة) إلى إدارة المنشأة للقيام بتقييم جدوى المشروع من عدمه، وذلك بعد الاطلاع على الدراستين المنفصلتين، والعمل على تحديد الدراسة الأكثر منطقية وأعلاها احتمالية وقربا للواقع الحالي والمستقبل المنظور.
رابعا: تستعرض الدراسات المتباينة ( الموجهة والمضادة) أمام مجلس الادارة، مصحوبة بالقرار المتخذ من قبل الإدارة التنفيذية للمنشأة وذلك للمصادقة عليها او رفضها.
هذه الاستشارات الثنائية، المستقلة، والمتباينة تعمل على إعطاء طرفي الاستشارة فرصة متساوية للإسهاب في استعراض الأسباب المحفزة والتحديات المحتملة للمشروع المنظور.
طبيعة العلاقة بين الدراستين الموجهة والمضادة تشبه علاقة المحامي بالمدعي العام في قاعة المحكمة وهما في حضرة القاضي . المحامي يبذل قصار جهده للدفاع عن براءة و نجاعة المشروع المنظور أيضا من قبل المدعي العام الذي بدوره يعمل على إدانة المشروع و اثبات عدم جدواه. بينما تقوم إدارة المنشأة بلعب دور القاضي الذي يقوم بتحديد واقرار براءة ونجاعة المشروع من عدمها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال